مصادر في أنقرة لـ«الشرق الأوسط»: عقد لقاء بين فيدان ومملوك «أمر عادي»

دمشق تنفي حصول اجتماع بينهما في موسكو

TT

مصادر في أنقرة لـ«الشرق الأوسط»: عقد لقاء بين فيدان ومملوك «أمر عادي»

تضاربت الأنباء بشأن عقد لقاء في موسكو بين رئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، في وقت امتنعت مصادر تركية عن تأكيد أو نفي انعقاد مثل هذا اللقاء.
وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن هناك اجتماعات سابقة جمعت بين فيدان ومملوك خلال العامين الماضيين في موسكو لبحث القضايا الأمنية، وتكرار مثل هذه اللقاءات في ظل الظروف الراهنة لن يكون أمراً غير عادي.
وتحدثت وسائل إعلام تركية وسورية، الخميس، عن «لقاء مرتقب» يجمع بين فيدان ومملوك، سيجري في العاصمة الروسية، وأكدت مواقع تركية نقلاً عن «مصادر عربية» لم تسمها أن اللقاء عقد منذ أيام، وأنه خصص لبحث مسائل أمنية في ظل التطورات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.
بدوره، نفى موقع «البعث ميديا»، أحد المواقع التي يديرها الحزب الحاكم في سوريا، الأنباء التي تحدثت عن اللقاء، مؤكداً أنها كاذبة. ونقل الموقع عن «مصدر مطلع»، لم يسمه، أن «كل ما يتم نشره على بعض المواقع الإلكترونية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي عن لقاء أمني سوري - تركي في موسكو، شائعات لا صحة لها».
وأضاف المصدر السوري أن أنقرة تتعمد نشر معلومات كهذه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا، وأن الإعلام التركي نشر قبل فترة تسريبات مشابهة، تتعلق بالتوجه إلى تحسين العلاقات مع دمشق بالتركيز على مسائل معينة، وقد نفتها دمشق أيضاً.
وأكد المصدر أن الأنباء السابقة والحالية التي تتحدث عن ذلك، لا تتعدى كونها «بروباغندا إعلامية تركية مفضوحة».
وتكثف وسائل الإعلام التركية، سواء القريبة من الحكومة أو المعارضة، في الأيام الأخيرة، حديثها عن خطوات لإعادة العلاقات بين أنقرة والنظام السوري إلى طبيعتها، وأن هناك خطوات وتحركات تدرس داخل الرئاسة التركية لتحسين العلاقات مع سوريا بعد أن تخلت حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان عن مطلبها برحيل بشار الأسد.
ولفتت التقارير إلى أن هناك تطورات «ثنائية الاتجاه»، وسط حالة عدم اليقين والطقس الضبابي الناجم عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأن إردوغان اقترح على الأسد تطبيع العلاقات مع دمشق على أساس إنهاء مشروع الحكم الذاتي للأكراد في شمال شرقي سوريا، رغم أن دمشق كررت شروطها بإنهاء «الاحتلال التركي» لبعض أراضي سوريا، ووقف دعم المعارضة المسلحة وتغيير إردوغان نهجه تجاه النظام.
والأسبوع الماضي، أكدت صحيفة «حرييت»، القريبة من حكومة إردوغان، أن مناقشات تُجرى في أنقرة بشأن بدء الحوار مع النظام السوري، على أساس 3 موضوعات، وأن أنقرة ترى أن دورها في الأشهر الأخيرة، خاصة تجاه حل الأزمة الأوكرانية، وتركيز روسيا هناك قد يكون توقيتاً جيداً لحل الأزمة السورية، وأن الوضع الحالي قد يفتح باباً جديداً من الفرص لتركيا، لا سيما حل المسألة السورية ومشكلة الأكراد وحزب العمال الكردستاني.
وأضافت أنه يمكن تحسين العلاقات القائمة بالفعل بين دمشق وأنقرة، حيث إنه كلما تقدمت العلاقات مع دمشق، دخلت روسيا وإيران على الخط لمنع الأجواء الإيجابية، ومع الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية وردود فعل دول العالم، وكذلك انشغال موسكو بمشكلاتها الداخلية، فإنه يمكن إجراء بداية جديدة مع إدارة النظام السوري تأخذ بعين الاعتبار أيضاً مشكلة اللاجئين.
وأشارت الصحيفة، نقلاً عن مصادر في الحكومة التركية، إلى أن أنقرة تصر في جميع اتصالاتها على 3 نقاط، هي: «الحفاظ على الهيكل الوحدوي، ووحدة الأراضي السورية، وضمان أمن اللاجئين العائدين إلى بلادهم». وتشمل القضايا المتعلقة بوحدة الأراضي السورية والهيكل الوحدوي، أنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضي سوريا ومنطقة «الحكم الذاتي» شمال شرقي سوريا.
وذكرت المصادر أن أنقرة نقلت هذه الرسائل المهمة إلى دمشق، لا سيما قبل زيارة إلى الإمارات.
ونفت دمشق أن يكون الأسد تلقى أي رسالة من إردوغان، أو أن تكون هناك خطوات لتطبيع العلاقات، مشيرة إلى أن سوريا لا تزال تتمسك بشروطها في هذا الصدد.



مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

وصلت سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخُّل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن، عقب مشاركته في متابعة انتخابات الإقليم الرئاسية، والتي أُجريت قبل أيام، وسط ترقب إثيوبي تداعيات الاقتراع، خصوصاً مع نتائج أولية تشير إلى فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن عبد الله.

الاستدعاء الدبلوماسي الصومالي، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يُعد امتداداً لسلسلة إجراءات تبنّتها مقديشو، منذ بداية العام، عقب رفضها توقيع إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»؛ بهدف «تأكيد سيادتها وتضييق الخناق دولياً عليه»، مع توقعات بإمكانية استئناف المفاوضات للذهاب إلى حلول قد تكون سبباً في سحب البساط من تحت أقدام أديس أبابا، وخفض التصعيد بمنطقة القرن الأفريقي.

واستدعت وزارة الخارجية الصومالية السفير الدنماركي ستين أندرسن؛ على خلفية «انتهاكه سيادة وحدة البلاد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد، الأحد، عن وزير الخارجية أحمد معلم فقي، عقب «توجّهه ضمن بعض السفراء لدى البلاد إلى مدينة هرجيسا للمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخراً دون أن يعلنوا، في خطابهم، عن الدولة التي جرى تعيينهم سفراء لها، واخترقوا البروتوكول الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح تجاه الانتخابات في أرض الصومال، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من البلاد».

وحذّر وزير الخارجية الصومالي «بعض السفراء لدى البلاد بكتابة مقال يتعارض مع وحدة وسيادة البلاد عند الإعلان عن نتائج الانتخابات في أرض الصومال، والتي تعد شأناً داخلياً».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

خطوط حمراء

ولم تكن تلك الخطوة الأولى ضمن الخطوط الحمراء التي رسمتها مقديشو في رفضها المساس بسيادتها، حيث وقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي اتفاقاً مبدئياً وقّعته إثيوبيا، في يناير (كانون الثاني) 2024، مع إقليم «أرض الصومال»، والذي تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

وتوجهت مقديشو إلى الجامعة العربية، وحصلت على دعم إضافي باجتماع طارئ ذهب، في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى أن المذكرة باطلة. وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة المتوترة علاقاتها مع أديس أبابا، ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وسط قلق إثيوبي، ومدّ مصر الصومال بأسلحة ومُعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029. وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ سيادة واستقلال الصومال».

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «قرار استدعاء السفير قد يُفهم بأنه تحرك دبلوماسي، في جزء من استراتيجية الصومال لتضييق الخناق على أرض الصومال، قبل العودة إلى أي مفاوضات مرتقبة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز موقفها في مواجهة أي محاولات لانفصال أو استقلال أرض الصومال، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة».

ويَعد المحلل الصومالي «قرار استدعاء سفير الدنمارك أيضاً خطوة تُظهر رغبة الحكومة في الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تدخلات خارجية»، لافتاً إلى أن «تحرك بعض السفراء قد يُفسَّر بأنه في إطار ضغوط على الحكومة الصومالية لإحداث تغييرات معينة، أو قد يكون مجرد مراقبة روتينية للانتخابات والأوضاع السياسية، أو محاولة لتوسيع النفوذ الخارجي في منطقة تُعد ذات أهمية استراتيجية».

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، أن «تحركات السفراء الغربيين، احتفاء بالممارسة الديمقراطية التي تجري هناك لعدة دورات، وليست للتأثير على مقديشو»، موضحة أن «الدولة الغربية التي لديها تأثير كبير هي الولايات المتحدة، من خلال حلفها التاريخي مع إثيوبيا وتعاونهما في مكافحة الإرهاب».

أمل في استئناف المفاوضات

ورغم تلك الإجراءات فإن الصومال لم تقطع شعرة معاوية في التوصل لحلول. وأعرب وزير الخارجية أحمد معلم فقي، في كلمته، عن «أمله في استئناف المفاوضات مع إدارة أرض الصومال»، مؤكداً أن «الحكومة عازمة على إيجاد الحلول للشؤون الداخلية»، دون توضيح ماهية تلك الحلول.

وجاءت تلك الآمال الصومالية الرسمية، قبل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في أرض الصومال المقررة في 21 نوفمبر الحالي، والتي تنافس فيها 3 مرشحين؛ بينهم الرئيس الحالي للإقليم موسى بيحي عبدي، والمعارض عبد الرحمن عبد الله، ومرشح حزب «العدالة والتنمية» فيصل ورابي، وجميعهم داعمون لمذكرة التفاهم، وتختلف رؤيتهم حول كيفية إدارة الأزمة مع الصومال. وتشير نتائج أولية إلى «تقدم كبير» للمعارض عبد الرحمن عبد الله، وفق وسائل إعلام صومالية.

وفي المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم». وسبقها، الخميس، تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات غيتاتشو أن «أديس أبابا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب الإرهابية)؛ بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي»؛ في إشارة لعدم الخروج من مقديشو.

ولا يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية عبد المنعم أبو إدريس أن «يكون لنتيجة الانتخابات في أرض الصومال تأثير على علاقة مقديشو مع الإقليم، خاصة أن المرشح عبد الرحمن عبد الله لم يُظهر معارضة لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا». ويستدرك: «لكن يمكن أن تعود المفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال في حال كان هناك طرح لشكل فيدرالي يعطي الأقاليم المختلفة في الصومال الكبير قدراً من الاستقلالية».

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «تقارب مقديشو مع أرض الصومال قد يثير قلق أديس أبابا، وإذا كانت هناك رغبة في تعزيز العلاقات بين مقديشو وأرض الصومال، فقد تسعى إثيوبيا إلى عرقلة هذا المسار، ومن المحتمل أن تتدخل لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، خاصةً في إطار مذكرة التفاهم القائمة».

ويؤكد أن «أي حل محتمل في هذه الأزمة سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في القرن الأفريقي، واستقرار مقديشو وأرض الصومال، ويمكن أن يُفضي إلى تعزيز التعاون الإقليمي، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة».