بعد جدل «فاتن أمل حربي»... الأزهر يحذر من الاستهزاء بالقرآن والسنة وتشويه صورة عالم الدين

أكد دعمه للإبداع «المستنير الواعي»

مشهد من مسلسل «فاتن أمل حربي» (يوتيوب)
مشهد من مسلسل «فاتن أمل حربي» (يوتيوب)
TT

بعد جدل «فاتن أمل حربي»... الأزهر يحذر من الاستهزاء بالقرآن والسنة وتشويه صورة عالم الدين

مشهد من مسلسل «فاتن أمل حربي» (يوتيوب)
مشهد من مسلسل «فاتن أمل حربي» (يوتيوب)

أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بياناً حذر فيه من «الاستهزاء بآيات القرآن الكريم» و«هدم مكانة السنة النبوية»، و«تشويه صورة عالم الدين في المجتمع المصري»، وهو ما ربطه متابعون وتقارير صحافية بأنه تعليقا على الجدل الذي أحدثه مسلسل «فاتن أمل حربي» الذي يُعرض في موسم رمضان الحالي.
وذكر المركز في بيان عبر صفحته الرسمية بـ«فيسبوك»، أنه «يدعم الإبداع المستنير الواعي، ويحسن الأخلاق، ويحقق أمن واستقرار المجتمعات، ولا يصنع الصراعات»، معتبراً أن «تشويه المفاهيم الدينية، والقِيم الأخلاقية؛ بهدف إثارة الجَدَل، وزيادة الشهرة والمُشاهدات؛ أنانية ونفعية بغيضة، تعود آثارها السلبية على استقامة المُجتمع، لا علم فيه ولا فن».
ورفض مركز الأزهر للفتوى «تقديم عالم الدين في صورة الجاهل معدوم المروءة»، معتبرا المركز أن ذلك «تنمر مستنكر وتشويه مقصود ومرفوض»، وذلك بعد أن ظهر بالمسلسل «فاتن أمل حربي» عالم أزهري يظهر بزيه الرسمي خلال العمل.
واعتبر أن هناك «شحناً سلبياً في بعض الأعمال الفنية تجاه الدين الإسلامي»، واعتبر أن «نسبة كل المعاناة والإشكالات المُجتمعية إلى تعاليمه ونُصوصه؛ تحيزٌ واضحٌ ضده، واتهامٌ له بضيق الأفق والقُصور، ونذير خطر يؤذن بتطرف بغيض فيه أو ضده».
https://www.facebook.com/fatwacenter/posts/5288241341228117
كان مسلسل «فاتن أمل حربي» الذي يعرض في سباق دراما رمضان 2022 قد تطرق إلى مسألة حضانة المرأة لأطفالها بعد الطلاق، ومعاناتها في المحاكم المصرية والمشكلات التي تواجهها في المجتمع المصري، وتطرق العمل إلى قانون الأحوال الشخصية، الذي يحرم الزوجة من أطفالها إذا تزوجت من رجل آخر.
وتقوم ببطولة العمل الممثلة نيللي كريم، وشريف سلامة، محمد الشرنوبي، فادية عبد الغني، هالة صدقي، محمد ثروت، خالد سرحان. وهو من تأليف الكاتب إبراهيم عيسى، ومن إخراج محمد العدل، وإنتاج «العدل جروب».
ورد مركز الفتوي، دون ذكر اسم المسلسل صراحة، بأن «الإسلام أعطى الأم حق حضانة أولادها عند وقوع الانفصال (الطلاق)»، ورفض المركز أن يكون «الطفل بين يدي والديه أداة ضغط أو دليلَ انتصارٍ متوهم»، مؤكداً أن «الشريعة الإسلامية تميزت بمرونة فائقة في مسائل حضانة الأولاد ورؤيتهم بعد انفصال الوالدين، وأعطت القاضي حق تقدير المواقف، كل حالة بحسبها، بما يراعي مصلحة الأطفال، دون جمود أو إهدار لمصلحة الطفل، أو حقوق كِلا والديه، على عكس ما يُروج له».
ونال مسلسل «فاتن أمل حربي» بعض الانتقادات من متابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، بعد عرض رجل الدين في ملابسه الأزهرية، الذي يؤديه الفنان محمد الشرنوبي، وطالت الانتقادات مشهد ذهاب فاتن للحصول على فتوى عن سقوط الحضانة (الولاية) عن الزوجة التي طلقت وتزوجت من رجل آخر. ومشهد آخر يلتقي فيه الشيخ ببطلة العمل في مكان عام على كورنيش النيل. فيما أشاد آخرون بـ«واقعية العمل»، وتناوله قضية تلامس واقع سيدات مطلقات كثر.
https://www.youtube.com/watch?v=x4FtgePqF00
واعتبر المركز أن «طرح القضايا الدينية والمُجتمعية العادلة في قوالب مشبوهة يظلم هذه القضايا، واستخدام المنهج الانتقائي الموجه في عرض مشكلة مجتمعية، لا يعرضها من جميع جوانبها، ولا يُساهم في حلها، بل يُفاقمها، ويزيد الاستقطاب حولها، ويعكر السلم المُجتمعي».
وذكر مركز الفتوى أن «التستر خلف لافتات حقوق المرأة لتقسيم المجتمع، وبث الشقاق بين الرجال وزوجاتهم بدلاً من محاولة زرع الود والمحبة، وعرض النماذج المُثلى للأسرة الصالحة والمجتمع المصري، وتصوير بعض الأفراد للتراث الإسلامي كعدو للمرأة، واستخدام الإعلام والدراما لتشويه هذا التراث؛ فكرٌ خبيثٌ مغرضٌ يستبيح الانحرافات الأخلاقية ويحاول تطبيعها، كما يستهدف تنحية الدين جانباً عن حياة الإنسان وتقزيم دوره، ويدعو إلى استيراد أفكار غربية دخيلة على المُجتمعات العربية والإسلامية، بهدف ذوبان هُوُيتِها وطمس معالمها».



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.