عندما يلتقي الفصح المسيحي مع اليهودي في رمضان

(تحليل إخباري)

TT

عندما يلتقي الفصح المسيحي مع اليهودي في رمضان

على أرض القدس، يعيش عرب وعبرانيون. مسلمون ومسيحيون ويهود. والجميع يعدّونها «الأرض المقدسة». يصلّون فيها ولها. يحجّون إليها من كل بقاع فلسطين، ويستقبلون فيها مؤمنين يحجون إليها من شتى أصقاع الأرض. ويُفترض أنها ملتقى الروح والجسد لسائر البشر، خصوصاً في مثل هذه الأيام، حيث يقيم الجميع طقوسهم الدينية الجليلة.
فأمس، هو الجمعة الحزينة، واليوم سبت النور، وفيهما يستهل المسيحيون الاحتفالات بعيد الفصح المجيد. ويتقاطع العيد مع عيد الفصح اليهودي، الذي يبدأ مساء الجمعة ويستمر أسبوعاً كاملاً. ويقع كلاهما هذه السنة في وسط شهر رمضان المبارك. فلو كانت محبة القدس ومقدساتها غالبة، لكانت اليوم شعلة من نور وليست شعلة من نار. ولكان أهلها مغمورين بالفرح والمرح، في استقبال مئات ألوف المؤمنين، وليس جرحى أو معتقلين أو محبطين. لكنّ واقع القدس يحوّل الحياة فيها إلى مشي على درب آلام طويلة مريرة.
بالنسبة إلى المسيحيين، تعد القدس ثاني أهم مكان مقدس، بعد بيت لحم (مدينة المهد) وقبل الناصرة (مدينة البشارة). لو كان الوضع فيها سليماً، لكان ملايين الحجاج تدفقوا عليها، لكن التوتر السائد فيها يمنعهم. وحتى أولئك الذين حاولوا الوصول إليها من البلدات الفلسطينية المسيحية في الضفة الغربية، أو حتى من الناصرة وحيفا وعكا والجليل، وجدوا صعوبة لكثرة الحواجز. وكما في كل موسم أعياد مسيحية، يصطدم الكثير من الرهبان والراهبات، المارّين من أزقة البلدة القديمة للوصول إلى الكنائس والأديرة الكثيرة، بنفر من شبيبة المستوطنين الذين يشتمونهم ويوجهون إليهم إهانات كلامية، وفي بعض الأحيان يتلهون بدفع أحدهم ليسقط أرضاً وسط ضحك الفتية وقهقهاتهم.
في رمضان، يكتسب الحرم القدسي أكبر هالة من القدسية على مدار السنة. عشرات الألوف يقصدونه في صلاة التراويح، وكثيرون منهم لا يبرحونه حتى صلاة الفجر. وفي نهاية الأسابيع يقترب عدد المشاركين في صلاة الجمعة من نصف مليون شخص. لكن في العقود الأخيرة تزايدت العقبات، وما عاد متاحاً لمئات الألوف الوصول. حكومة الاحتلال الإسرائيلي قررت السماح للإناث الفلسطينيات وللذكور تحت سن 12 عاماً وفوق سن 50 عاماً فقط. والباقون تصنفهم بين صالح وطالح، وفق اعتبارات تحددها المخابرات الإسرائيلية. فترفض منح تصاريح لمن توجد عليه شارة أمنية. فإذا أخذنا بالاعتبار أن أكثر من مليون فلسطيني اعتُقلوا لفترة ما من حياتهم في السجون الإسرائيلية، منذ احتلال عام 1967 يمكننا أن نتصور كم منهم تعدّهم مشبوهين.
اليهود يحظون هنا بامتيازات واضحة. يأتون إلى باحة البراق لإقامة الصلوات، مؤمنين بأن حائط البراق هو جزء من هيكل سليمان المهدوم. وتصل أعدادهم إلى عشرات الألوف. غالبيتهم يتركزون في الصلوات. إلا أن قسماً منهم يعد ببضع مئات ويتزايدون سنة بعد أخرى، يأتون ليس فقط للصلاة. ولا يكتفون بباحة البراق بل يصعدون إلى باحة الحرم القدسي الشريف، بدعوى أنه بُني على ركام الهيكل. المؤسسة اليهودية الدينية الرسمية تمنع اليهود من دخول الأقصى وتقول إنه يُحظر على اليهودي أن يدوس على الأرض التي دُفن تحتها أقدس الأماكن. لكنّ تياراً جديداً في الصهيونية الدينية، الذي يغلّب السياسة على الدين، يدير معركة لتغيير هذا الموقف ويفرضه على المجتمع الإسرائيلي. هذا التيار يزداد قوة وتأثيراً في الدولة العبرية. وعندما تكون هناك حكومة ضعيفة ترضخ له وتقدم له التنازلات. وفي السنوات الأخيرة، صار لهذا التيار تمثيل مباشر في حكومات إسرائيل وتأثير كبير على الجيش وأجهزة الأمن المختلفة. وصار له نفوذ بارز على السياسة ومكوناتها العملية. وقام بتشكيل تنظيمات من الشباب، بعضهم أقاموا ميليشيات مسلحة تعمل في المناطق المحتلة.
من هذا التيار وُلد مئير كهانا، الذي طرح فكرة «دفع الفلسطينيين إلى الرحيل إلى الخارج». ومن هذا التيار وُلد عامي بوبر الذي أطلق النار على عمال فلسطينيين في مدينة ريشون لتسيون وقتل سبعة منهم سنة 1990، ومنه وُلد باروخ غولدشتاين، الطبيب الذي أطلق الرصاص على المصلين في الحرم الإبراهيمي في الخليل فقتل 29 منهم سنة 1994. ومع أن ابن هذا التيار، يغئال عمير، اغتال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين سنة 1995 فإن المؤسسة الإسرائيلية لم تتعلم الدرس وواصلت سياسة التنازلات له حتى تغلغل واستحكم في الحياة السياسية. وإذا كان الاحتلال بشعاً لأنه احتلال ويبطش بالفلسطينيين ليركِّعهم في كل الساحات، فإنه صار يدير سياسته وفق أهوائه. وباتت أجهزة الأمن الإسرائيلية تكرس قواها لحمايته وتوفير الغطاء الرسمي لاعتداءاته على الفلسطينيين ومقدساتهم، حتى إن الجيش والشرطة ينفذان مطامع هذا التيار في الاقتحامات اليومية للحرم القدسي وفي «حرية التفكير» التي تُنتج مشاريع وخططاً مهووسة، مثل «إعادة بناء الهيكل في مكانه التاريخي»، أي مكان مسجد قبة الصخرة.
وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية تتحفظ رسمياً على هذه الخطط والمشاريع وتعدّها وهمية ومقصورة على بعض التنظيمات الهامشية، فإن ممارساتها في الحرم تقنع الفلسطينيين بأن هناك سياسة رسمية تسعى بالتدريج إلى تحقيقها. وهذا يُشعل النار. وإذا لم تتعقل القيادات السياسية وتدرك تبعات هذه السياسة، فإنها ستقطف الثمار بالدمار.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.