هواجس الخيال تقض مضاجع شخصيات ديفيد لينش

ينفي إشاعة عن فيلم جديد

من فيلم «توين بيكس: يا نار امش معي»
من فيلم «توين بيكس: يا نار امش معي»
TT

هواجس الخيال تقض مضاجع شخصيات ديفيد لينش

من فيلم «توين بيكس: يا نار امش معي»
من فيلم «توين بيكس: يا نار امش معي»

بعد يومين من إشاعة مفادها أن المخرج ديفيد لينش سيؤم مهرجان «كان» المقبل بفيلم جديد، نفى المخرج الخبر ووصفه بأنه «إشاعة ناتجة عن نيات حسنة». قال أيضاً: «ليس لدي فيلم جديد في «كان» وليس لدي فيلم جديد أساساً. يقولون (جماعة المهرجان) إن هناك مفاجأة لكني لا أعرف لمن تنتمي».
لم يصدر، في المقابل، تعليق من إدارة المهرجان الفرنسي حول هذا الموضوع حتى من قبل إعلان رزمة الأفلام التي ستشترك في مسابقة هذا العام التي ستنعقد ما بين السابع عشر والثامن والعشرين من الشهر المقبل.
المرجح أن المهرجان ربما فكر بعرض فيلم قديم للمخرج لينش كان حققه سنة 2006 بعنوان «آيلاند إمباير» ذلك بعدما تم نفض الغبار عنه قبل أسابيع قليلة وإعادة عرضه في صالات أميركية، وتم ترميمه على نحو يصفه المخرج بـ«المذهل».
في كل الأحوال، ولأسباب تتعلق بعدم استعداد هوليوود توفير دعم لفنانيها أكثر مما هي رغبة مخرجين من أمثال لينش وجيم يارموش وجون سايلز وألكسندر باين الابتعاد عن العمل، فإن غياب المخرجين المستقلين في السنوات العشر الأخيرة (إلا لُماماً) يعكس العلاقة المتهاوية بينهم وبين هوليوود. لا عجب أن تمويل أفلامهم، حين يجدون المشاريع التي يريدون العمل عليها، باتت تأتي من فرنسا وليس من الولايات المتحدة كما حال لينش وجارموش ووس أندرسن.

                                                ديفيد لينش أمام إحدى لوحاته
أفلام غريبة
بالنسبة لديفيد لينش، لم يتوقف عن تحقيق الأفلام مطلقاً إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن لديه حتى الآن 53 فيلماً قصيراً آخرها Donovan‪:‬ I am the Shaman وThe Spider and the Bee. في العام 2020 انكب، حقيقة، على إنجاز خمسة أفلام قصيرة لا يمكن معرفة أين تم عرضها للعموم، إذا ما تم عرضها فعلاً.
أما أفلامه الروائية الطويلة فلا تزد على 11 فيلما بدأت سنة 1977 بفيلمه الغريب Eraserhead وانتهت - حتى الآن - بفيلم Twin Peaks‪:‬ The Missing Pieces سنة 2014 هذا الفيلم كان تكملة لفيلم سابق عنوانه Twin Peaks‪:‬ Fire Walk With Me (سنة 1992) الذي تم عرضه، كشأن عدد آخر من أفلامه، في مهرجان «كان» في سنوات إنتاجها.
‫هناك هاجس صعب التعبير عنه في شخصية وأجواء حكاية «إيرازرهَد»: شخص يعمل في منطقة صناعية ملوثة ويؤم بيت صديقته القشيب وهي لديها طفل يصرخ من ألم مبرح أو حاجة غير معروفة طوال الوقت. نتابعه في محاولته المخفقة البحث عن معنى لما يعايشه من حالات. وفي الوقت ذاته نتابع المكان والبيئة والسواد الداكن في الحياة كما في صورها الماثلة. كل هذا بفن تشكيلي لم يعمد إليه المخرج ذاته لاحقاً على نحو مماثل. ‬
وصف فيلم «إيزازرهَد» بالغريب يمكن أن يطال كل أفلامه الأخرى أيضاً. الطريقة التي يعالج بها مواضيعه تشحن الحكاية بالشخصيات الغريبة كما بالمواضيع التي لا يمكن لها أن تعني الشيء نفسه فيما لو قام سواه بإخراجها.
عاش ديفيد لينش طفولة سعيدة ووطأ صنع الأفلام سنة 1966 بفيلمه القصير «6 أرقام تمرض» (Six Figures Getting Sick). كان في ذلك الحين يصنع التماثيل والفيلم كان مزيجاً من تصوير أحد تماثيله وإضافة رسوم متحركة عليه. كان لا يزال في التاسعة عشر من عمره عندما دخل «أكاديمية الفن الرفيع» في ولاية بنسلفانيا. وأظهر من البداية حبه للمزج بين السينما وبين عوالم وفنون أخرى. هو بالتالي، مخرج بصري من الطراز الأول بمعنى إنه يدفع قُدماً بأسلوبه المعتمد على ما تؤلفه الكاميرا ومصادر الفنون الأخرى من أشكال على حساب سرد عادي لا تفعيل فيه.
هذا صحيح في كل أفلامه الروائية الطويلة باستثناء فيلم واحد هو The Straight Story سنة 1999 الذي هو حكاية شخص اسمه سترَيت وفي الوقت ذاته، قصة بسيطة وواضحة تبعاً لمعنى كلمة Straight. والحكاية هي بالفعل مثل سهم منطلق بخط لا يتغير اتجاهه.
قصة عجوز اسمه ألفن سترَيت (شخصية خيالية قام بتأديتها الممثل الذي واتته الشهرة متأخرة بعد عقود من العمل في السينما رتشارد فارنسوورث) الذي يتناهى له أن شقيقه الذي يعيش في ولاية أخرى مريض. ألفن لا يستطيع قيادة السيارة بسبب صحته ووسيلته الوحيدة للانطلاق من منزله في مزرعة تقع في ولاية أخرى إلى شقيقه هي عبارة عن جرار زراعي صغير. على الطريق الطويل يُثير تعجب من يلتقيهم. يستمع لفتاة مراهقة تشكو له أحوالها ويمنحها واحداً من تلك النصائح الآتية من علمه وتجاربه. يتوقف عند غزال جميل صدمته سيارة وتركته وسط الطريق، ويلتقي وعائلة مرتحلة تستضيفه ذات ليلة يشاركها طعامها.
حين يصل بعد ثلاثة أيام إلى حيث شقيقه (دور صغير عملاق لهاري دين ستانتون) يجلسان معاً ليتبلور المفاد حول صلب العلاقة العائلية رغم التباعد الزمني والمكاني.
قبل ذلك، كان أم مشروعين ناجحين أولهما «رجل الفيل» (1980) بطولة البريطاني الراحل جون هيرت. دراما داكنة عن شخصية حقيقة مشوهة الوجه عانت من سوء معاملة المجتمع له (في القرن الفيكتوري). كان الرجل - الفيل يجد معيشته من الظهور في السيرك والاستعراضات التي تحشد لحاضريها أصحاب العاهات الغريبة. هذا إلى أن عالجه طبيب (أنطوني هوبكنز) ليكشف عن إنسان مثقف وذكي ورقيق الحاشية.
فيلم آخر من ذلك الحين هو Dune، النسخة التي قام لينش بإخراجها سنة 1984 (من جزء واحد) حملت إعجابه بالإيحاءات والمفادات أكثر مما رغب في سرد الرواية التي وضعها فرنك هربرت على نحو مباشر. صحيح أنه ترجم الرواية كأحداث، لكنه منحها ظلام المكان وطقوسه وشخصياته. الشاشة عنده، حين تتلون، تتخذ لنفسها عوالم داكنة أكثر بكثير مما في نسخة دنيس فلينييڤ الحديثة.

                                    ريتشارد فارنسوورث في «ذا سترَيت ستوري»

بين الوهم والحقيقة
كان المنتج دينو ديلارونتيس طلب منه تحقيق هذا الفيلم واشترط لينش على أن يلتزم المنتج بتمويل فيلمه اللاحق. وافق ديلارونتيس متوقعاً، على الأرجح، نجاحاً تجارياً كبيراً من «ديون»، وهو الأمر الذي لم يتحقق. لكن ديلارونتيس التزم بالشرط ومول للينش فيلمه اللاحق «بلو فلفت» (1986).
هناك نقطتا لقاء بين هذا الفيلم وفيلم لينش الأول، «إيرازرهَد». الأولى أنه يتحدث عن العنف الكامن في الصدور، والثاني أنه ينقل بعض ملامح ذلك الفيلم المصور بالأبيض والأسود إلى الألوان. المكان واحد من البلدات الصغيرة في أميركا والحكاية هي عن شخصيات تعيش هناك تحت بشرة الحياة التي لا نعتقد أنها قد تكون معقدة على هذا النحو كونها لا تحتمل عقد المدينة الكبيرة أو متاهاتها.
معالجة لينش للفيلم تحتوي على منابع «الفيلم نوار» الحديث والرعب والمساحة الترفيهية التي يلتقطها البعض من المسلسلات التلفزيونية. إنه كما لو كان يقول إن هذه البساطة الظاهرية مستوحاة بدورها من السذاجة التي تطالعها الشعوب من مسلسلات السوب أوبرا.
تلا هذا الفيلم «توِين بيكس: يا نار إمشي معي» (1992). يحمل هذا الفيلم الكثير مما حواه الفيلم السابق من دلالات. في بلدة توِين بيكس ليس هناك من بريء. مرة أخرى، هي البلدة الصغيرة التي تقع في إحدى ولايات الوسط الأميركي. لكن شخصياتها حقيقية والأفعال العنيفة التي تقوم بها - والتي يقصد المخرج إدانتها - ترمي لأن تقول إن العنف مستشر في «الأميركانا»، أي في تلك المواطن الريفية والجبلية البعيدة كما في المدن الكبيرة. إلى ذلك، هناك الحكاية التي تقوم على مزج جيد بين ما في دواخل شخصيات الفيلم (شبه بريئة ومذنبة) وبين الحكاية البوليسية الداكنة. الصفحات المخفية من دفتر مذكرات تقلب وضع بطلة الفيلم عندما تحاول البحث عنها.
أفلام لينش (بما فيها تلك اللاحقة مثل The Lost Highway وMulholland Park في التسعينات) ليست أفلام رعب بل أفلام هواجس. أبطاله يعيشون دوماً الفراغ الكامن بين الحقيقة التي لا يمكن القبض عليها والوهم الذي لا يقل خداعاً. هذا يخلق أوضاعاً سوريالية واضحة، لكن المخرج يعمل - في شتى الأحوال - على بنية سايكولوجية - اجتماعية.
ما يجعل كل ذلك غريباً في منواله وفي أبعاده أن الهواجس مُعاشة طوال الوقت وتتكرر في الحياة العادية كما تعبر عن نفسها في الأحلام. هناك لقطة ثابتة لمروحة كهربائية في سقف غرفة بطلة فيلم «تووِن بيكس». لورا (شيريل لي) كأي أداة أخرى في ذلك الفيلم (أو في سواه من أفلام لينش، ليست المروحة مجرد أداة تكييف، ولا رغبة لينش تعريفنا على أن غرفة بطلته فيها مروحة. من شاهد الفيلم سيدرك بأن المروحة هي نقطة اتصال بين تلك الشخصية وبين ماضيها، إذ كان والدها يتعرض لها بالأذى في غرفة حوت على مروحة مماثلة. بطلة الفيلم كانت تتلقى الاعتداء عليها وهي ملقاة على ظهرها. المروحة كانت كل ما تراه أو تريد أن تراه.
أفلام لينش لا يمكن تلقف معانيها من مشاهدة واحدة، لكن من سيقوم بالمشاهدة عليه أن يتحمل تبعاتها المعقدة. أن يكون باحثاً في سينما لينش وكيف يستخدم مفرداته التعبيرية المستقاة من فنون أخرى، كما من هواجس وأحلام وتهيؤات مفرطة في ترجمتها لواقع عنيف يرغب لينش إزالة الغشاوة عن أعيننا حيالها. هذا الوضع استمر ومن دون تنازلات عندما قام سنة 2006 بإخراج «آيلاند إمباير». وجد في فكرته كل ما كان قام به من دلالات وأفكار. بطلته لورا ديرن ممثلة تنتقل من شخصيتها الحقيقية إلى شخصيتها الوهمية. هي بين جدارين متشابهين ولا عجب أنها ستفقد معرفة أي منهما هو الذي تعيشه.



مخرجو الفيلم الواحد خاضوا التجربة وتابوا

جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)
جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)
TT

مخرجو الفيلم الواحد خاضوا التجربة وتابوا

جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)
جوني دب في «الشجاع» (جيريمي توماس بردوكشنز)

انتهى الممثل جوني دَب من إخراج فيلم يجمع بين الكوميديا والدراما تحت عنوان «مودي- ثلاثة أيام على جناح الجنون» (Modi‪-‬ Three Days on the Wing of Madness) ويروي فيه حكاية فنان إيطالي يعيش في باريس خلال الحرب العالمية الأولى ولديه 72 يوماً ليجد الفرصة المناسبة والمكان الصحيح لعرض رسوماته.

هذا ربما يكون أهم دور للممثل آل باتشينو في السنوات العشرين الأخيرة على الأقل. فهو يؤدي دور الفنان بكل ما لديه من قدرة على تشكيل شخصيات بوهيمية التفكير وغريبة الأطوار.

لكن ما هو غريب الأطوار كذلك، أن يُخرج دَب من بعد أن كان قرر في أحاديث له، من بينها لقاء تم بيننا على أعتاب الجزء الخامس من «قراصنة الكاريبي» (2017)، إنه لن يعود إلى الإخراج مطلقاً بعد تجربته الوحيدة سنة 1997 عندما عرض في مهرجان «كان» فيلم وسترن حقّقه تحت عنوان «الشجاع» (The Brave).

«الشجاع» احتوى على فكرة جيدة لم يعرف الممثل - المخرج دَب طريقة لمعالجتها على نحو صحيح. هو، في الفيلم، شاب من أصل إحدى القبائل الأصلية يعيش حياة مدقعة وله سجل مع البوليس يبرم اتفاقاً مع ملاك الموت (مارلون براندو) أملاً في مساعدته في تلك الحياة المدقعة التي يعيشها والإهمال الفردي والمجتمعي الذي يواجهه.

الفيلم الجديد لجوني دَب دخل قبل أسبوعين غُرف ما بعد التصوير، وعبره خرج دَب من قائمة الممثلين الذين حققوا فيلماً واحداً في حياتهم ثم تابوا!

خطوات سريعة

بالطبع هناك ممثلون كثيرون أخرجوا أفلاماً على نحو متواصل من بينهم روبرت ردفورد، وكلينت إيستوو، و(الياباني) تاكيشي كيتانو، والبريطاني كينيث برانا، وأنجلينا جولي، والفرنسية جولي دلبي، كما الممثلة (المنسية) ساندرا لوك (ولو إلى حين)، وميل غيبسون، لكن أولئك الذين حققوا فيلماً واحداً وامتنعوا كانت لديهم أسباباً مختلفة دفعتهم لدخول عرين الإخراج وأسباباً مختلفة أخرى للتوقف عنه. وليسوا جميعاً ممثلين بالضرورة.

درو باريمور واحدة من هؤلاء الذين أقدموا على هذه التجربة عندما حقّقت سنة 2009 فيلم «Whip it»، الذي دار حول فريق نسائي يمارس رياضة «الرولر كوستر» (سباق زلاجات داخل ملعب مغلق). مثل جوني دَب، نراها الآن ستعود في محاولة ثانية تحت عنوان «استسلمي دوروثي» (Surrender Dorothy). فيلمها السابق لاقى استحساناً محدوداً بعضه عدّ توجهها للإخراج بادرة في محلها لكن هذا لم يثبته الفيلم جيداً

على الخطى نفسها قامت الممثلة بري لارسون التي كانت سطعت سنة 2015 بفيلم «غرفة» (Room) ونراها الآن واحدة من ممثلي سلسلة «كابتن أميركا»، بالانتقال إلى الإخراج في فيلم وحيد بعنوان «يونيكورن ستور». المشكلة التي واجهتها أنها استعجلت الانتقال من التمثيل بعد عامين فقط من نجاح «غرفة».

أفضل منها في فعل الانتقال من التمثيل إلى الإخراج هي رجينا كينغ، الممثلة التي لها باع جيد في السينما بوصفها ممثلة جادة وجيدة. في عام 2020 تصدّت لموضوع مثير حول اللقاء الذي تم بين محمد علي ومالكولم أكس و(الممثل) جيم براون و(المغني) سام كوك داخل غرفة فندق في ميامي. عنوان الفيلم هو «ليلة في ميامي» ويسبر غور ما دار في ذلك اللقاء الذي خرج منه محمد علي ليشهر إسلامه.

دراما من الممثلة رجينا كينغ (أمازون ستديوز)

كونها ممثلة جعلها تستخدم الأزرار الصحيحة لإدارة المواهب التي وقفت أمام الكاميرا وهم الممثلون ألديس هودج (في دور جيم براون)، ليزلي أودوم جونيور (سام كوك)، وكينغسلي بن أدير (مالكلولم إكس)، وإيلي غوري (محمد علي).

وجدت المخرجة كينغ قبولاً رائعاً حين عرضت الفيلم في مهرجان «ڤينيسيا» في ذلك العام لكنه ما زال فيلمها الوحيد.

طموحات محقّة

على النحو نفسه، قام الممثل مورغن فريمن قبل 30 سنة بتجربة لم يكرّرها عندما اقتبس مسرحية بعنوان «بوفا» (Bopha) سانداً بطولتها إلى داني غلوفر، ومالكولم مكدويل وألفري وودارد. كانت مغامرة محسوبة تستند إلى طموحٍ مبني على عناصر إيجابية عديدة إحداها أنه اقتباس عن مسرحية لاقت نجاحاً حين عرضت في برودواي، ومنها أنها تطرح مشكلة جديدة في حياة جنوب أفريقيا بعد انتهاء حقبة التفرقة العنصرية. الجديد فيها أنها تحدّثت عن أزمة مختلفة يشهدها بطل الفيلم، غلوفر، وتناولت الوضع العنصري من وجهة نظر رجل أسود هذه المرّة على عكس ما تم سابقاً تحقيقه من أفلام تحدّثت عن مواضيعها من وجهة نظر شخصيات أفريكانية بيضاء.

على حسناته لم يُنجز الفيلم أي نجاح، وانصرف مورغن فريمن بعده إلى تمثيل أدوار التحري الذي لا يمكن حلّ القضايا المستعصية والجرائم الصعبة من دونه.

ما سبق يُحيط بأسماء ممثلين ما زالوا أحياء عاملين في مجالات الفن ممثلين (وأحياناً منتجين أيضاً)، لكن إذا ما ذهبنا لأبعد من ذلك لوجدنا أن «تيمة» الفيلم الواحد ليست جديدة تماماً وأن أحد أشهر المحاولات تمّت سنة 1955 عندما حقق الممثل تشارلز لوتون فيلمه الوحيد «ليلة الصياد» (The Night of the Hunter) في ذلك العام.

قصّة تشويقية جيدة في كل جوانبها قادها على الشاشة روبرت ميتشوم وشيلي وينتر. الأول مبشّر ديني ملتزم والثانية زوجته التي تشارك أولادها سراً لا تود الإفصاح عنه. لوتون كان ممثلاً مشهوداً له بالإجادة لعب العديد من الأدوار الأولى والمساندة وغالباً لشخصيات مهيمنة ومخيفة.

درو باريمور خلال التصوير (فوكس سيرتشلايت)

تجربة فريدة

على أن ليس كل الذين حققوا أفلاماً يتيمة من الممثلين. لا بدّ من الإشارة إلى طارئين أتوا من جوانب فنية مختلفة ولو عبر نموذج واحد. فنانون في مجالات أخرى عمدوا إلى تحقيق أفلامهم ثم انصرفوا عن متابعة المهنة رغم نجاح المحاولة.

أحد الأمثلة المهمّة التي تدخل في هذا النطاق الفيلم الذي حققه جيمس ويليام غويركو سنة 1973 بعنوان «Electra Glide in Blue». فيلم هامَ به نقاد ذلك الحين إعجاباً ثم ازدادوا إعجاباً به كلما التقطوه على أسطوانة أو معروض في إحدى تلك المحطّات. غويركو كان مدير الفرقة الغنائية الشهيرة في الثمانينات «Chicago»، ولا أحد يدري لماذا توقف عند هذا الفيلم ولم يحقق سواه.

تتمحور الحكاية حول ونترغرين، شرطي على درّاجة في تلك الربوع المقفرة من ولاية أريزونا (يقوم به روبرت بليك) الذي يكتشف جريمة قتل يريد البعض اعتبارها انتحاراً. التحري (ميتشل ريان) يحقق حلم ونترغرين بالارتقاء إلى مصاف التّحريين. لكنه حلم لا يدوم طويلاً وينتهي على نحو مفاجئ. احتوى الفيلم على كل ما يلزم لتحقيق فيلم يدخل نطاق الأعمال الكلاسيكية، وكان له ما أراد.