مطالبة بنيت بالاستقالة وتسليم رئاسة الحكومة إلى لبيد

وزيران لا يستبعدان التعاون مع «المشتركة» لتمديد عمر الحكومة

حضور الحكومة الاسرائيلية في الكنيست فبراير الماضي: (من اليسار) وزيرالدفاع ووزير الخارجية ورئيس الوزراء ووزير العدل
حضور الحكومة الاسرائيلية في الكنيست فبراير الماضي: (من اليسار) وزيرالدفاع ووزير الخارجية ورئيس الوزراء ووزير العدل
TT

مطالبة بنيت بالاستقالة وتسليم رئاسة الحكومة إلى لبيد

حضور الحكومة الاسرائيلية في الكنيست فبراير الماضي: (من اليسار) وزيرالدفاع ووزير الخارجية ورئيس الوزراء ووزير العدل
حضور الحكومة الاسرائيلية في الكنيست فبراير الماضي: (من اليسار) وزيرالدفاع ووزير الخارجية ورئيس الوزراء ووزير العدل

في مواجهة أزمة الحكم في إسرائيل ومنع رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، من العودة إلى رئاسة الحكومة، توجه النائب إيلي أبيدار، الوزير السابق والنائب البارز في حزب أفيغدور ليبرمان، إلى رئيس الوزراء، نفتالي بنيت، بدعوته إلى الاستقالة وتسليم رئاسة الحكومة إلى رئيس الحكومة البديل وزير الخارجية، يائير لبيد، فورا.
وقال أبيدار، في مقابلة إذاعية، الخميس، إن بنيت فشل في الحفاظ على تلاحم أعضاء حزبه «يمينا» ويتحمل مسؤولية أساسية عن الأزمة الائتلافية الحالية. فقد أهمل رفاقه في الحزب فانشق اثنان منهم (عيديت سيلمان وابيحاي شيكلي)، وانضما للمعارضة ولديه اليوم مشكلة مع ثلاثة نواب من الخمسة الذين بقوا معه. وهو منع، ولا يزال يمنع، تمرير القانون الذي يحظر انتخاب من توجه ضده لائحة اتهام من تولى منصب رئيس حكومة، وبذلك أبقى الأمل مشتعلا في أحزاب اليمين بأن يعود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكم.
المعروف أن اتفاقية التحالف بين الأحزاب الثمانية في الحكومة الإسرائيلية، تنص على أن يسلم بنيت منصبه إلى لبيد في أغسطس (آب) عام 2023. وحسب رأي أبيدار، فإن «بنيت لن ينفذ حصته من الاتفاق. فما يهمه هو مصلحته الشخصية، وفي اللحظة التي ينهي فيها دورته، سيجد طريقة لتفكيك الائتلاف حتى لا يصبح لبيد رئيسا للحكومة، أو على الأقل لن يفعل شيئا بمبادرته ولكنه لن يمنع عندئذ سقوط الحكومة. وبهذه الطريقة يهدر فرصة تاريخية لإنجاح حكومة تقوم على مبادئ الوحدة الوطنية الشاملة والواسعة، تضع حدا حقيقيا لحكم الأنانية المريضة التي أدارها نتنياهو لسنوات. فلدينا اليوم حكومة تضم اليمين والتيار اللبرالي واليسار وحتى الحركة الإسلامية، لأول مرة في تاريخ البلاد. لافتا أن البعض «يأتي من الخارج لدراسة هذه التجربة». مشددا على ضرورة نجاحها «لكن بنيت لا يسعى لجعلها مكتملة. وبسبب سياسته خسرنا الأكثرية البرلمانية وهبطنا إلى 60 نائبا، ويمكننا أن نخسر الحكم».
من جهته، تجاهل لبيد هذه الدعوة ولم يتطرق إليها بتاتا في خطابه أمام كتلته البرلمانية، أمس الخميس. لكنه قال إن «الحكومة الحالية ستستمر حتى عيد الفصح القادم والعيد الذي يليه، وإذا أحسنت إدارة شؤونها وواصلت الإنجازات الاقتصادية والأمنية، فيمكنها أن تستمر طيلة دورتها، رغم فقدانها الأغلبية في الكنيست». وقال إن التوافق الرائع بين رؤساء كتل الائتلاف على ضرورة التوصل إلى «حلول وسط» لتجاوز الأزمة الراهنة، يرفع آماله بـ«أن تنجح في قيادة إسرائيل لأربع سنوات».
وتابع لبيد: «شهدت إسرائيل في السابق حكومات فيها أقل من 61 عضو كنيست وأنجزت بأشياء عظيمة. هذه الحكومة قامت وتقوم بأشياء عظيمة، أشياء لم تنجز منذ سنوات وسنوات. صحيح أن الأزمة السياسية الراهنة ليست سهلة، لكن يمكن إدارتها». وأوضح، أن الحكومة تقوم على ائتلاف 60 نائبا لكن المعارضة لا تمتلك أكثر من 54 نائبا. ولم يعتبر «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية بقيادة النائب أيمن عودة، «معارضة بشكل قاطع»، وأشار إلى أن التعاون معها ممكن لتمرير العديد من القوانين. وقال إنه ينتقد أيمن عودة على تصريحاته غير المسؤولة ضد رجال الشرطة العرب، ولكنه يرى في الوقت نفسه، أن «للعرب في إسرائيل قوة برلمانية مهمة، وجمهور الأحزاب العربية، بما فيه جمهور المشتركة، لا يريد سقوط الحكومة. ولديه حسابات مسؤولة يجبر النواب العرب على أخذها بالاعتبار». وأضاف: «إذا اختار عودة أن يتعاون مع بتسلئيل سموترتش في اليمين المتطرف، فلن يسمح له جمهوره بذلك».
وتفوه بالروح نفسها وزير القضاء، غدعون ساعر، الذي يقود حزبا يمينيا آخر في الائتلاف، هو «حزب أمل جديد». فقال إن الليكود تعاون وما زال يتعاون مع القائمة المشتركة ضد الحكومة، لذلك فلا يوجد مبرر لكي لا تتعاون الحكومة مع هذه القائمة في قضايا عينية تلائم جمهور الطرفين. ورفض اعتبار المشتركة معارضة مطلقة يسخرها نتنياهو لإسقاط الحكومة.
المعروف أن عودة وغيره من قادة «المشتركة» كانوا قد صرحوا بأنهم لن ينقذوا حكومة بنيت، لأنها حكومة سيئة، وأنهم أيضاً لن يكونوا أداة بأيدي نتنياهو والمعارضة اليمينية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟