وزير خارجية فرنسا يبحث في الجزائر تزويد أوروبا بالغاز

ناقش مع الرئيس تبون «ملف الذاكرة» وتطورات الأزمة الليبية

وزير خارجية فرنسا في آخر زيارة له إلى الجزائر في 8 ديسمبر الماضي (الخارجية الجزائرية)
وزير خارجية فرنسا في آخر زيارة له إلى الجزائر في 8 ديسمبر الماضي (الخارجية الجزائرية)
TT

وزير خارجية فرنسا يبحث في الجزائر تزويد أوروبا بالغاز

وزير خارجية فرنسا في آخر زيارة له إلى الجزائر في 8 ديسمبر الماضي (الخارجية الجزائرية)
وزير خارجية فرنسا في آخر زيارة له إلى الجزائر في 8 ديسمبر الماضي (الخارجية الجزائرية)

هيمنت على محادثات وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، مع المسؤولين الجزائريين في العاصمة الجزائر أمس، أزمة الطاقة في أوروبا، ومدى قدرة الجزائر على تزويد شركائها الأوروبيين بالغاز المميع، لتجاوز تداعيات الحرب التي اندلعت في أوكرانيا منذ 24 من فبراير (شباط) الماضي.
وباتت الجزائر في الأسابيع الماضية محط اهتمام كبير من أهم بلدان أوروبا جنوب المتوسط، وخصوصاً إيطاليا وإسبانيا وفرنسا؛ حيث ازدادت المطالب على الغاز الجزائري الذي يورد إلى أوروبا عبر أنبوبين: أحدهما يصل إلى إسبانيا، والثاني يربط الصحراء الجزائرية بإيطاليا، ويصل إلى سلوفينيا. وكان هذا الموضوع من أهم ما تناوله رئيس الدبلوماسية الفرنسي في لقاءيه بالرئيس عبد المجيد تبون، وبنظيره رمضان لعمامرة.
كما تطرق المسؤول الفرنسي في مباحثاته إلى انتخابات الرئاسة الفرنسية التي تنتظر دورها الثاني في 24 من الشهر الجاري، علماً بأن كتلة الناخبين في فرنسا تضم عدداً كبيراً من الجزائريين مزدوجي الجنسية. كما شملت أيضاً «ملف الذاكرة» الذي أحدث توترات حادة في علاقات البلدين في المدة الأخيرة، والذي يحاول الطرفان تجاوزه بتطوير علاقاتهما في مجالات أخرى عديدة تربطهما، إضافة إلى تطورات الأزمة الليبية.
وتوحي الترتيبات السريعة لزيارة لودريان إلى الجزائر، بأن فرنسا حريصة على ألا يفوتها شيء من المفاهمات التي جرت بين المسؤولين الجزائريين وكبار المسؤولين في إيطاليا وإسبانيا وسلوفينيا، بخصوص توريد الغاز المسال إلى هذه البلدان، بهدف تعويض الإمدادات بالغاز الروسي.
وفي ختام زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي للجزائر، الاثنين الماضي، وقَّعت شركة المحروقات الجزائرية «سوناطراك»، مع «إيني» الإيطالية، اتفاقاً لزيادة صادرات الغاز إلى الشريك الأوروبي الأكبر، من حيث المبادلات التجارية في أوروبا بعد فرنسا؛ حيث تطالب إيطاليا بإمدادات من الغاز الجزائري تصل إلى 9 مليارات متر مكعب، وقد جرى اتفاق على أن يتم ذلك بين 2023 و2024.
لكن يطرح حالياً إشكال حول قدرة أنبوب «ترانسميد» على ضخ هذه الكميات إلى إيطاليا، مع احتمال تعويضه بنقل الكمية المطلوبة عبر البواخر. علماً بأن طاقة الأنبوب اليومية تصل إلى 110 ملايين متر مكعب، وينقل حالياً 60 مليون متر مكعب فقط.
وبحسب مراقبين، فإن الكمية التي تريدها إيطاليا من الجزائر من شأنها أن تثير قلق إسبانيا التي ازداد طلبها على الغاز الجزائري في المدة الأخيرة، وهي تخشى أن يتم تزويد إيطاليا بالغاز الجزائري على حسابها.
كما أن لمخاوفها أبعاداً سياسية، مرتبطة باستياء الجزائر الشديد من دعمها مخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، وقد عبَّرت عن ذلك باستدعاء سفيرها لدى إسبانيا في 18 من الشهر الماضي. ففي منظور الجزائريين ليس مقبولاً أن تتخلى مدريد عن حيادها حيال نزاع الصحراء.
ونقلت وكالة «بلومبرغ»، أمس، عن الباحث بـ«المعهد الإيطالي للسياسات الدولية»، ماتيو فيلا، أن مدريد «تنتابها مخاوف من أن يتم تحويل الغاز الجزائري الموجه لإسبانيا نحو إيطاليا»؛ مشيراً إلى أن اتفاق الغاز الجزائري- الإيطالي الجديد «جاء في ظرف حساس» يميزه، حسبه: مفاوضات وصفها بـ«المتوترة»، بين «سوناطراك» وشركة الطاقة الإسبانية «ناترجي»، حول قرار الجزائر رفع سعر غازها.
وأبلغ رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الرئيس تبون، في محادثات هاتفية، في السادس من الشهر الماضي، إمداد بلده بمزيد من الغاز لتعويض حصة الغاز الروسي. وبعد 4 أيام، زارت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، الجزائر، ودرست مع مسؤوليها حاجة أوروبا الغربية للطاقة.
وعلى أثرها صرح وزير خارجية سلوفينيا، أنزيل وغار، في ختام لقائه بتبون، بأن الجزائر «شريك مهم لنا في عديد من المجالات، وخصوصاً في قطاع الطاقة، ونحن نبحث معها عن شراكات جديدة في مجال إنتاج الغاز والبترول».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم