حرب استنزاف في الحديدة

مقاتلون مجهولون يواجهون الحوثيين.. والميليشيات تنتقم من عناصر الأمن في المحافظة

عائلة يمنية تغادر صنعاء إثر تطور الأزمة للنزوح نحو مناطق أخرى أمس (رويترز)
عائلة يمنية تغادر صنعاء إثر تطور الأزمة للنزوح نحو مناطق أخرى أمس (رويترز)
TT

حرب استنزاف في الحديدة

عائلة يمنية تغادر صنعاء إثر تطور الأزمة للنزوح نحو مناطق أخرى أمس (رويترز)
عائلة يمنية تغادر صنعاء إثر تطور الأزمة للنزوح نحو مناطق أخرى أمس (رويترز)

تستمر المقاومة الشعبية التهامية بملاحقة جماعة المسلحين الحوثيين وتنفيذ عمليات اغتيالات واشتباكات بين الطرفين مما أدى إلى مقتل وجرح عدد من جماعة الحوثي المسلحة، في حين حذرت المقاومة التهامية الشعبية، قبل أيام، جميع المتعاونين والذين يعملون مع جماعة الحوثي المسلحة وحلفائهم من الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح بأنهم سيكونون أهدافهم المشروعة القادمة التي سينفذونها في إقليم تهامة في حال استمروا في التعاون والعمل معهم ضد أبناء تهامة.
وأكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أن «المقاومة الشعبية التهامية استهدفت، أمس، عناصر تابعة لجماعة الحوثي المسلحة والرئيس السابق علي عبد الله صالح، في هجوم شنه شباب المقاومة التهامية في دوار الصدف في مدينة الحديدة وسقط عدد من القتلى والجرحى الحوثيين، إضافة إلى مقتل مسلح حوثي وجرح آخر في مدينة العمال بالحديدة».
ويعيش المسلحون الحوثيون في مدينة الحديدة، غرب اليمن، حرب استنزاف حقيقية من خلال مواجهة المقاتلين من شباب المقاومة التهامية، المجهولون بالنسبة لجماعة الحوثي المسلحة، في حين تستمر الجماعة في ملاحقة واعتقال جميع الشباب المشتبه فيهم والمناوئين لهم والمؤيدين لشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ويقول أحد شهود العيان لـ«الشرق الأوسط» أصبحت «جماعة الحوثي المسلحة تعيش حرب استنزاف حقيقية بسبب المقالتين المجهولين الذين يقاتلونهم باسم المقاومة الشعبية التهامية والذين يحققون انتصارات أولها خلق الرعب والمخاوف الشديدة عندهم خصوصا بعد سقوط عدد ليس بقليل من قتلى وجرحى من صفوف المسلحين الحوثيين».
وأكد شهود العيان: «ومع هذا صب المسلحون الحوثيون غضبهم ضد الجهات الأمنية في محافظة الحديدة، وهي الجهة التي تسيطر عليها أيضا، بحجة عدم استطاعة الجهات الأمنية كشف هوية شباب المقاومة الشعبية التهامية».
وتؤكد مصادر مقربة من المقاومة الشعبية التهامية لـ«الشرق الأوسط» أن عدد قتلى المسلحين الحوثيين قد «تجاوز المائة مسلح وإصابة أكثر من 300 مسلح حوثي وبعضهم إصاباتهم توصف بالخطيرة، وبات المسلحون الحوثيون يعيشون حالة نفسية خطيرة بسبب عدم توقعهم أن يخرج شباب مقاتل من أبناء تهامة المسالمة».
وأضافت المصادر: «هددت جماعة الحوثي المسلحة في مدينة الحديدة المحتجزين لديها بأنها ستلبسهم قضايا قتل وحرابة في حال استمرار امتناعهم بعدم الإدلاء عن معلومات توصلهم إلى قيادات الحراك التهامي التي تعمل ضدها وكذا من يقوم شباب المقاومة الشعبية التهامية».
وأشارت المصادر ذاتها: «أصبحت شوارع مدينة الحديدة تشهد انتشارا قليلا للمسلحين الحوثيين بعكس ما كنا نشاهده منذ سيطرتهم على المدينة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، متخوفين أن تطالهم أيدي شباب المقاومة مثلما طالت من كان قبلهم من المسلحين».
وكان مقاتلو المقاومة الشعبية التهامية قد أكدوا في وقت سابق، وفي بيان لهم حمل الرقم (1) حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أكدوا أن المقاومة مستمرة في عملياتها ضد المسلحين الحوثيين وجميع الميليشيات في تهامة حتى تتحرر كافة مناطق الإقليم من سيطرة من وصفتهم بـ«الحوافيش الإجرامية» واستعادة إقليم «تهامة» الحر إلى حريته وهدوئه وسكينته واستقراره.. داعية إلى «النفير العام ضد ميليشيات الحوثي، وسرعة إعلان جميع القيادات العسكرية والأمنية وكل الألوية والوحدات العسكرية العاملة بالإقليم، عودتها إلى حضن الشرعية وإلا فإنها ستكون عرضة لضربات المقاومة وقوات التحالف وقد أعذر من أنذر».
من جهة أخرى، قال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن «المقاومة الشعبية بجبهة صرواح، غرب بمحافظة مأرب، سيطرت على موقع جديد، وأنها أحرزت تقدما وذلك بعد اشتباكات بين المقاومة الشعبية مسنودة بالجيش وبين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح».
وتشهد المنطقة هدوءًا حذرًا منذ الأمس، كما تشهد أيضا كما تشهد جبهة الجدعان مديرية مجزر اشتباكات متقطعة بالأسلحة الثقيلة.
وشن وكيل محافظة مأرب الدكتور عبد ربه مفتاح حملة إغاثة النازحين بتوزيع 500 سلة غذائية للأسر النازحة بسبب الحرب التي يشنها المسلحون الحوثيون على أطراف محافظة مأرب. وقال الوكيل مفتاح، في تصريح صحافي له، إن «النازحين يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة نتيجة الحرب التي أجبرتهم على الخروج من مناطقهم وقراهم، وأن حملة الإغاثة ستشمل كل النازحين بالمحافظة نتيجة الحرب التي تشهدها أطراف المحافظة في بعض المديريات».
وأكد الوكيل أن «التدشين شمل 500 أسرة نازحة من صرواح إلى منطقة ذنة غرب مدينة مأرب وتحتوي السلة على (كيس قمح وكيس سكر وزيت وشاي) مقدمة من شبكة النماء ومنظمة اليونيسيف وائتلاف الحياة والسلام».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.