ظاهرة النشل في شوارع لبنان: اللصوص يبحثون عن الدولار أيضاً

تستهدف أجهزة الهاتف الخلوي غالباً

TT

ظاهرة النشل في شوارع لبنان: اللصوص يبحثون عن الدولار أيضاً

وجدت اللبنانية عايدة نفسها مرمية على الأرض في أحد شوارع منطقة النويري في بيروت الأسبوع الماضي، بعدما أقدم شابّان على متن دراجة نارية صغيرة على انتزاع حقيبتها ثم دفعها أرضاً قبل الفرار.
ولم تكن عايدة وهي زوجة وأمّ لثلاثة أبناء، تتوقع أن تحصل هذه الحادثة معها «أو على الأقل ليس في وضح النهار»، رغم أن زوجها وأصدقاءها وأهلها لطالما تحدثوا في الآونة الأخيرة عن عمليات سلب تحصل مع أشخاص من محيطهم في العمل أو الجيران أو الأصدقاء، حسبما تقول.
وتعرضت عائدة لرضوض والتواء في معصمها نتيجة السقوط على الأرض، ورغم استنجادها بالمارة الذين سارعوا إلى مساعدتها وإجراء الإسعافات الأولية، فإن أحداً لم يلحق بالسارقين، وتؤكد أنه تم فتح تحقيق في مخفر البسطا إلا أن الحقيبة بما فيها أصبحت بالنسبة لها «من الماضي، لن تعود».
وتزداد حالات السرقة والنشل في لبنان، وفي حين كانت تلك العمليات تتم في ساعات الليل وفي الشوارع المظلمة الخالية من الحركة، أصبحت تتم في وضح النهار وسط التجمعات والزحمة.
وجرت العادة أن تتركز عمليات النشل على سرقة الشنط المحمولة، إلّا أنّ ظاهرة جديدة قديمة نشطت في الآونة الأخيرة وهي نشل الهواتف خصوصاً أنها تُباع بالدولار النقدي في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بلبنان.
وتحكي العشرينية رشا لـ«الشرق الأوسط»، أنها تعرضت لنشل هاتفها المحمول في وضح النهار وفي عز زحمة السير في منطقة طريق صيدا القديمة (ضواحي بيروت)، وتشرح: «بينما كنت أجلس في سيارتي في الزحمة مرّت دراجة نارية من جانب السيارة فاستلّ السائق هاتفي المحمول الذي كان على المقعد جانبي من النافذة وأكمل طريقه هارباً بسرعة البرق».
وتقول: «صرخت وطلبت النجدة إلا أن أحداً لم يتمكن من التقاطه أو ربما لم يريدوا أن يوقفوه خوفاً من أن يكون السارق مسلحاً»، وتضيف: «الحمد لله كانت حقيبتي، وبداخلها محفظتي واللابتوب على المقعد الخلفي للسيارة ومع ذلك فإن خسارتي كبيرة جداً، فالهاتف الذي سُرق سعره اليوم 700 دولار ولن أتمكن من شراء هاتف آخر بهذا السعر»، وتضيف: «قدمت بلاغاً لكن أشك في أن تتمكن القوى الأمنية من إعادته».
وفي حادثة مشابهة، تعرض الشاب إبراهيم لعملية نشل هاتفه المحمول بينما كان يقف على حافة الرصيف أمام مبنى منزله في منطقة وطى المصيطبة (بيروت)، ورغم تمكنه من استعادة الهاتف من خلال مساعٍ فردية مع «شباب المنطقة»، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تتكرر عمليات النشل تلك بشكل لافت، حيث نسمع كل يوم تقريباً عن عملية نشل أو اثنتين».
ومؤخراً، ينشر الكثير من المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي حوادث السرقة والنشل التي تحصل لهم، حتى إن البعض ينشر مقاطع مصورة لشبان ينفّذون عملياتهم بلمح البصر، مؤكدين مخاوفهم من انعدام الأمن والأمان في المناطق كافة.
وفي هذا الإطار، توضح مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» أن الأرقام تشير إلى انخفاض عمليات النشل بنسبة 16% بين العامين 2020 و2021، والقوى الأمنية تقوم بواجباتها من أجل الحفاظ على الأمن والأمان، إلا أن المفارقة في عام 2022 هي عودة عمليات نشل الهواتف المحمولة إلى الواجهة رغم أنها ليست جديدة، لكنها ازدادت مؤخراً بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، وتشير إلى أن «تلك الظاهرة ارتفعت بشكل كبير أخيراً وهي ظاهرة مخيفة على المواطنين التنبه إليها وأخذ الحيطة والحذر».
وتلفت المصادر إلى أن «ارتفاع عمليات نشل الهواتف يعود لارتفاع أسعارها بالدولار، وإمكانية بيعها نقداً ما يحقق أرباحاً كبيرة للسارق بالعملة الصعبة، فالسارق أيضاً يسعى للحصول على الدولار»، داعيةً المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر في أثناء استخدام الهاتف في الشارع لجهة الجدران لا الطريق، ما يُصعّب مهمّة السارق، وإقفال نافذة السيارة حتى في أثناء الوجود داخلها، وعدم استخدام الهاتف خلال زحمة السير».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».