«حرية التفكير»... تهديد شركات التقنية للفكر الحر

«حرية التفكير»... تهديد شركات التقنية للفكر الحر
TT

«حرية التفكير»... تهديد شركات التقنية للفكر الحر

«حرية التفكير»... تهديد شركات التقنية للفكر الحر

في كل مرة تسمع شركات التقنية تدعي الاهتمام بـ«الأخلاقيات» عليك أن تشك في الأمر
كثيراً ما يقال إن من حق الناس أن تكون لهم آراؤهم المستقلة. لكن هل هم كذلك حقاً؟ هل منحك الله حقّاً بأن تعتقد أن التعذيب أمر طيب، أو أن الهبوط على سطح القمر كان خدعة؟ بالقدر الذي تتجاوز فيه الآراء حدود أن تكون مجرد ممتلكات سرية، وإنما تصبح ميولاً لفعلٍ ما في المجتمع، فإنها تقع ضمن الاهتمام الجماعي. لذا فإنك لا تملك حقاً أصيلاً بالاحتفاظ بآرائك السرية.
لسوء الحظ، ذلك أيضاً كان موقف محاكم التفتيش الإسبانية ومطاردي الساحرات، الذين بحثوا عن كل الطرق الممكنة للكشف عن الكُفر المختبئ. لذا نميز هذه الأيام، بصفة عامة، الأفكار (أو المعتقدات) عن التعبير عنها. التعبير قابل للتنظيم، في حالة التحريض على الكراهية، مثلاً، لكن الرأي مقدس. إنها حرية أساسية، لكنها تتعرض في كل مكان للهجوم.

هكذا تبدأ مؤلفة هذا الكتاب المثير للمدافعة عن حقوق الإنسان، سوزي أليغري، الذي يستعرض تاريخاً موجزاً للحريات القانونية منذ قانون حمورابي، ويفسر الصراعات المفاهيمية الكامنة خلف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ظهر عام 1948. في ذلك الإعلان دفاع عن حرية «الفكر» و«الرأي»؛ فهمت بعض الوفود أن «الفكر» يعني الاعتقاد الديني، في حين رآه البعض الآخر إضافة لا ضرورة لها إلى «الرأي»، كان السوفيات هم من أصرَّ على بقائها «احتراماً لأبطال العلم وشهدائه».
لكن إذا كان «الرأي» مجرد مسألة داخلية شخصية؛ فلماذا كانت حريته بحاجة إلى الحماية أساساً؟ كان ذلك، حسب أليغري، بناء على طلب البريطانيين الذين «أصروا على أنه (من المؤكد أن الآراء في البلدان الشمولية تخضع للسيطرة من خلال القيود الدقيقة على مصادر المعلومات)، مؤكدين على أن التدخل قد يحدث حتى قبل تشكيل الآراء». كان البريطانيون، بما كان لديهم من مكتب للدعاية، وبعد ذلك وزارة الإعلام، إلى جانب أنهم أنتجوا شخصاً اسمه جورج أورويل، يعرفون عمّا يتحدثون.
لكن إن تمكنت الدعاية من تقويض حق الحرية في الرأي، فستكون تلك مشكلتنا جميعاً. وتلك إحدى المسائل الرئيسية التي تتابعها أليغري. بيئة الإنترنت الحديثة، الملوثة بالأخبار الكاذبة، تنتهك حقنا في التوصل إلى أفكار يُعتمد عليها. من هذه الزاوية يكون أولئك الذين اقتحموا مبنى الكونغرس في يناير (كانون الثاني) 2021، مدفوعين، كما يبدو، بالاعتقاد الصادق بأن الانتخابات سرقها جو بايدن، كانوا ضحايا، كما هم الملايين من الروس العاديين الذين يعتقدون بما تقوله لهم وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة حول ما تُسمى «العملية الخاصة في أوكرانيا».
عالم الإنترنت، كما تقول أليغري، يؤذي حرياتنا بطرق عديدة، وهو متسق مع التاريخ القاسي الذي تصفه لفراسة الدماغ وجراحات فصوص الدماغ وتجارب «سي آي إيه» للسيطرة على المخ. وقد نقل مؤخراً أن نادين دوريس، الوزيرة البريطانية لحروب الثقافة، اقتحمت فجأة اجتماعاً لـ«مايكروسوفت» وطالبت بمعرفة متى سيتخلصون من «اللوغاريتمات»، وليس ذلك بالإمكان طبعاً بالنسبة لشركة حاسب، لأن كل برامج الحاسب تتكون من لوغاريتمات، لكن القصة تعكس الشكوك المتزايدة لدى كثيرين حول الطرق التي تُستعمل بها الآلات للتأثير فينا.
الباحثون في التعرف على الملامح بأنظمة الذكاء الاصطناعي، مثلاً، يدّعون أنهم قادرون على قراءة الانتماء السياسي من الصورة، وشركات التواصل الاجتماعي تحلل ما يُنشر بحثاً عن مؤشرات على سمات الشخصية، متتبعو اللياقة يحاولون الانتقال إلى تتبع الأمزجة، وفي المحاكم الهندية استعمل المدعون العامون «كاشفات الكذب» المكلّفة التي تعمل عبر مسح المخ، الأمر الذي يمكن القول إنه تعدٍ على الحق في تفادي التجريم الذاتي. حتى لو كانت الدعاوى المتعلقة بتقنيات كهذه مبالغاً بها، فإنها جميعاً تمثل محاولات جديدة لاقتحام ما يُنظر إليه عادة على أنه فضاء ذهني خاص.
تقتبس أليغري هنا ببراعة من رواية «1984» والمناقشة التي تتضمنها للتوأمة التي تناقش بصورة أقل بين جريمة وفكر في عبارة «جريمة فكر» thought crime التي يسميها أورويل «جريمة وجه» facecrime: «من الخطورة الشديدة أن تسمح لأفكارك بالابتعاد حين تكون في مكان عام وضمن نطاق جهاز تفحّص عن بعد. يمكن لأصغر الأشياء أن تخونك: نبضة عصبية، نظرة قلق لا واعية، عادة، همهمة ذاتية - أي شيء يحمل معه ما يوحي بالخروج عن المألوف، وجود شيء مخبأ».
من «جريمة وجه» (فيس كرايم) إلى «فيسبوك» وما يسميه أورويل «برولفيد» (الترفيه التافه والأخبار الزائفة التي يوزعها الحزب على الجماهير) إلى أخبار «تويتر»، تمتد مسافة قصيرة ومقلقة.
من الطريف أن يكون في الإعجاب بصفحة «فيسبوك» تُسمى «أن تكون مرتبكاً بعد الصحو من إغفاءات» تنبؤ بالنزوع الجنسي الذكوري إلى الجنس الآخر، لكن الأمر يغدو مدعاة للكآبة حين نعلم أن وثيقة مسرَّبة من «فيسبوك» تضمنت تفاخراً بأنها قادرة على استهداف «لحظات يكون فيها صغار السن بحاجة إلى دفعة من الثقة بالنفس» نيابة عن المعلنين. كل معلومة نغذي بها حوت التواصل الاجتماعي الذي يلتهم كل شيء، حسب أليغري، «ستُحلل ليكشف عن سمات نفسية أو حالات عقلية عابرة ستُستعمل بدورها للتأثير في سلوكنا، أو ليقال للآخرين كيف يحبون أن يعاملونا». ويصير هذا فظيعاً، حين يكون الأطفال هم المستهدفين بتتبع السلوك.
في كل مرة تسمع شركات التقنية تدعي الاهتمام بـ«الأخلاقيات»، تقول أليغري محذرة، عليك أن تشك في الأمر. «ليس من الضروري أن تكون ساخراً لترى السبب الذي يجعل القواعد الإرشادية المتعلقة بالأخلاق أكثر جاذبية لشركات التقنية الضخمة من القوانين الفعلية. الأخلاقيات اختيارية»، لذا يصير العلاج القانوني مطلوباً. العلاج الأهم، كما ترى، متطرف جداً وعلى نحو مثير: منع صريح لـ«الدعايات الاستكشافية» - النوع الذي يعتمد على المتتبعات وسجلات التتبع (الكوكيز) التي ترسل معلوماتك الشخصية لمئات الشركات، كلما حمّلت صفحة على الإنترنت. لم نطلبها ولا نحبها. فقط اجعلوها مخالفة للقانون، هي والأجزاء الأخرى المهمة من «البانوبتيكون» الرقمي، مثل تقنية «التحليل العاطفي» في الأماكن العامة، أو أجهزة «أليكسا» لدى «أمازون» التي يمكن تشغيلها صوتياً. تقول أليغري وبقوة: «حين سألتْ ابنتي لماذا لا يمكنها شراء جهاز (أليكسا) مثل صديقاتها، قلت لها: لأن (أليكسا) يسرق أحلامك ويبيعها».
لقد مشينا جميعاً إلى هذه الحكاية الكئيبة كما لو كنا نائمين، وقد حان الوقت للاستيقاظ. لكن مع ذلك تتبقى أسئلة حول المدى الذي ينبغي أن تصل إليه القوانين، لأنه من المستحيل كما يبدو مراقبة كل التهديدات المضاعفة لاستقلالنا الإدراكي التي تحددها أليغري. بعض تلك غير محصورة فعلاً بالعصر الرقمي ككل. تقول: «إذا كان من الممكن التوصل إلى استنتاجات حول عالمنا الداخلي على أساس مظهرنا؛ فليس من المهم ما تفكر به أو تشعر. حريتك بأن تكون ما تريد تتضاءل نتيجة حكم المجتمع عليك». ربما يكون ذلك صحيحاً، لكنه حتمي للأسف إذا كنت تريد أن تعيش في المجتمع أساساً.
لكن إذا كان من الضروري في تلك الأثناء عدم السماح لـ«الحكومات والشركات أو الناس» بأن يسعوا إلى «التلاعب بآرائنا»، على أساس أن هذا يخالف حقنا بأن نفكر بحرية، فإن المرء يتساءل عن نوع الخطاب الإقناعي الذي سيسمح به في عالم شجاع كذلك العالم. أليست الحجاجات بأنواعها - السياسي والعلمي والفني - محاولات للتلاعب بآراء الآخرين؟ كيف يمكن لنا تمييز التلاعب الجيد من التلاعب السيئ؟ لو كان هناك فيلسوف – ملك كريم فسيكشف لنا ذلك، لكن في غيابه المؤسف لا يبدو من المحتمل أن يرغب كثير من الناس في أن يتركوا الأمر للسلطة القانونية، سواء سميناها وزارة الحقيقة أو غير ذلك.
* عن صحيفة «الغارديان»
31 مارس (آذار) 2022



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».