إب اليمنية في مواجهة مع مساعي التغيير المذهبي الحوثي

TT

إب اليمنية في مواجهة مع مساعي التغيير المذهبي الحوثي

تحدى السكان في مدينة إب اليمنية (192 كلم جنوب صنعاء) مساعي الميليشيات الحوثية الرامية إلى فرض مذهبها عليهم عبر مشرفها الذي أرسل من محافظة صعدة (شمال) وقرروا مقاطعة المساجد رداً على استدعاء أئمة المساجد، إلى أقسام الشرطة وإرغامهم على تحرير تعهدات بتنفيذ التوجيهات المذهبية للمشرف والتي تقضي بتأخير موعد الإفطار عن موعد أذان صلاة المغرب في حادثة لم يسبق أن أقدم عليها أحد في هذه المحافظة السنية.
وقال ثلاثة من سكان المدينة لـ«الشرق الأوسط» إن ما يسمى بالمشرف الثقافي الحوثي أحمد الحمران وهو من أصهار زعيم الميليشيات كان فرض على أئمة المساجد السماح بترديد شعار الميليشيات في نهاية خطبة الجمعة، وتضمينها تمجيداً وإشادة بالسلالة التي ينحدرون منها، ما تسبب في مقاطعة مجاميع كبيرة من المصلين للمساجد.
وبحسب المصادر نفسها، استدعى الحمران مؤذني مساجد المدينة إلى قسم شرطة «17 يوليو (تموز)» وألزمهم بتحرير تعهدات بتأخير موعد الإفطار عن أذان المغرب المعتمد والمعمول به منذ قرون واعتبر تقديم الإفطار مخالفة للمذهب الذي يعتنقه وهدد كل من يخالف ذلك التوجيه بالعقاب والفصل من العمل.
وجاءت هذه الخطوة - وفق المصادر - بعد ثلاثة أيام من محاولة هذا القيادي الحوثي إلزام أئمة المساجد بتنفيذ التوجيهات المذهبية، في حين تداعى السكان لمقاطعة الصلاة في المساجد رداً على هذه الخطوة وقرروا الإفطار في منازلهم وفي التوقيت المعتاد للمدينة، حيث رأوا في هذه الإجراءات سعياً من الميليشيات لفرض معتقداتها ومذهبها عليهم باعتبار أن ذلك المذهب يمنحهم التفويض الإلهي والحصري بالحكم.
وقال أحد السكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط» «إن تبني نشطاء عاصمة المحافظة التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من ثلاثة ملايين شخص الدعوة لتحدي تلك التوجيهات وإعلان موعد الإفطار وفقاً لما حددته وزارة الأوقاف يعد «تأكيداً على عدم وجود حاضنة شعبية لهذه الجماعة في المحافظة، فضلاً عن فشلها في فرض مذهبها وتغيير معتقدات السكان عن طريق ما تسميها الدورات الثقافية والحملات الإعلامية والضخ المتواصل لخطابات زعيمها، ولهذا لجأت إلى محاولة إكراه الناس بهذه الطريقة».
ويؤكد أحد السكان في المدينة ويدعى يحيى أنه «لا أحد يقبل بالحوثيين، وأنهم يعرفون أنهم مكروهون، وأنه مهما عملوا لن ينجحوا لأن الناس يفطرون في الوقت المحدد». ويتابع بالقول: « هؤلاء لا يخجلون يريدون تغيير معتقدات الناس، بعد أن عجزوا عن توفير أي شيء».
ويطالب ساكن آخر في المدينة اسمه أكرم عبد الله جميع السكان بألا يلتزموا بتوجيهات مشرف الميليشيات حتى لو استخدمت القوة، واقترح أن يخرج السكان إلى الشارع للإفطار في التوقيت المعتاد، وأن يرغموا المشرف الحوثي على العودة إلى صعدة».
ووسط الغضب الشعبي المتصاعد من مساعي التغيير القسري لمعتقدات السكان خرج محمد الحوثي القيادي البارز في الميليشيات ليدافع عن صهره وقال إن وقت الإفطار عندنا - في إشارة إلى مذهب الميليشيات - لا يكون إلا بعد حلول الظلام، مسفهاً كل الأحاديث النبوية التي تحض المسلمين على تقديم الفطور وتأخير السحور، وهو أمر قوبل بانتقادات حادة اتهمته بالجهل وسخر المعلقون من الأخطاء اللغوية الفاضحة في منشوره على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبوه بصرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين الموقوفة منذ ستة أعوام بدلاً من محاولة فرض مذهبه على الناس.
ومنذ انقلابها على السلطة الشرعية أقدمت الميليشيات على تغيير أئمة المساجد بآخرين من أتباعها كما فرضت على الموظفين حضور دورات تعبئة مذهبية، تسمى دورات ثقافية، كما قامت بتغيير المناهج الدراسية وفقاً لمعتقداتها المذهبية وألزمت ملايين الطلاب بدراستها، كما حولت وسائل الإعلام المملوكة للدولة إلى منصات للتعبئة المذهبية وتقديس السلالة التي ينحدرون منها.
ورغم فشل الميليشيات في فرض معتقداتها على الغالبية العظمى فإنها قامت بتغيير مشرفيها في المحافظات بآخرين استقدمتهم من محافظة صعدة في محاولة جديدة لتغيير معتقدات السكان، كما تعمل على تغيير التركيبة الديموغرافية لمدينة صنعاء لتحويلها إلى حاضنة مذهبية لسلالة زعيمها التي تدعي أحقية المنتسبين إليها في الحكم والتميز عن بقية سكان البلاد.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».