انهيار مستوى المعيشة في دمشق يفاقم معدلات الجريمة

TT

انهيار مستوى المعيشة في دمشق يفاقم معدلات الجريمة

تصاعدت معدلات الجرائم بكل أشكالها في مناطق سيطرة الحكومة السورية، بسبب الانفلات الأمني، وانتشار المخدرات والسلاح، إضافة إلى انهيار الأوضاع المعيشية بشكل غير مسبوق.
ومنذ بداية أبريل (نيسان) الجاري وحتى أمس السبت، أعلنت وزارة الداخلية عن حدوث 22 جريمة، بينها 4 جرائم قتل وحالة انتحار، و11 جريمة سرقة و6 جرائم تعاطي وترويج مخدرات، بينما وثق نشطاء «المرصد السوري لحقوق الإنسان» 5 جرائم قتل في مناطق متفرقة ضمن سيطرة الحكومة في الفترة نفسها.
وذكر المرصد أنه في 2 أبريل، وقعت جريمة قتل بالرصاص استهدفت سائق سيارة أجرة في حي الحمدانية في مدينة حلب، ارتكبها شخصان مجهولان كانا يستقلان السيارة مع المغدور، قبل أن يلوذا بالفرار، من دون معرفة دوافع القتل. وأشار إلى أنه في الثالث من الشهر ذاته، قُتلت طفلة في بلدة كناكر في ريف دمشق، حيث أقدم المدعو «ش.ز» من مواليد 2005، وهو صاحب دكان بقالة في البلدة، على الاعتداء على طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، حيث اعتدى عليها بعد خنقها، قبل أن يقوم برميها بين أشجار الزيتون في المنطقة غائبة عن الوعي.
كما ألقي القبض على المدعو «ع.ه» (من مواليد 2007)، في الخامس من الشهر ذاته لإقدامه على قتل ابن خالته بسبب خلافه على تقاسم المسروقات في حي الحميدية في دير الزور، في حين عُثر بتاريخ 6 أبريل على جثة مواطن في منزله الواقع في قرية خربة الأكراد في ريف طرطوس، حيث وجد الرجل البالغ من العمر 52 عاماً مقتولاً على سطح منزله، بعد تعرضه لضرب مبرح، ما تسبب بأضرار دماغية أدت إلى وفاته، وفقاً للمرصد.
وذكر المرصد أن جريمة قتل وقعت بتاريخ 8 أبريل في منطقة الحرمون في ريف دمشق، حيث أقدمت امرأة بالتعاون مع زوجها على قتل شخص لأسباب مجهولة، ورمي جثته في أسفل الوادي في مجرى الماء بين الصخور. وأقرت المرأة بأن الجريمة تمت بمشاركة زوجها، وذلك بعدما استدرجا القتيل إلى منزلهما.
وكان لافتاً في الخامس من أبريل إعلان وزارة الداخلية عن انتحار الخوري جورج رفيق حوش بإطلاق الـنار على نفسه في كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في اللاذقية غرب البلاد.
وقالت الوزارة في إعلانها: «ورد إخبار إلى قسم شرطة الشيخ ضاهر في اللاذقية حول إقدام الكاهن جورج رفيق حوش، وُلد 1956 على إطلاق النـار على نفسه ضمن كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس».
وأضافت الوزارة في إعلانها أنه «تم على الفور إرسال دورية من القسم والأدلة الجنائية من فرع الأمن الجنائي، ولدى وصولهم للمكان شوهد المذكور جالساً على كرسي ضمن الكاتدرائية ومصـاباً بطلــق نـاري في الصدر والمسدس ملقى على الأرض بجواره».
وأشارت الوزارة إلى حضور هيئة الكشف الطبي والقضائي إلى المكان، حيث تبين أن سبب الوفاة «صدمة رضية نازفة تالية لطلـق نـاري نافذ بالصدر باتجاه الظهر».
وقالت: «من خلال التحقيق بإشراف قائد شرطة محافظة اللاذقية بالذات، تبين إقدام الكاهن على إطـلاق النـار على نفسه من مسدسه الخاص عيار 7.5 مم بسبب ضغوطات نفسية واجتماعية، حيث عثر بحوزته على قصاصات ورقية مكتوبة بخط يده تؤكد ذلك».
وكان المرصد قد وثق خلال شهر مارس (آذار) الماضي، وقوع 13 جريمة قتل في عموم مناطق سيطرة الحكومة، بعضها ناجم عن عنف أسري وحالات اغتصاب وبدوافع سرقة، وأخرى مجهولة.
واللافت في مناطق سيطرة الحكومة تزايد الإعلان الرسمي عن جرائم سرقة متنوعة، إذ يكاد لا يمر يوم إلا ويتم الإعلان عن جريمة أو جريمتين، وأحياناً ثلاث، بعضها بدافع السرقة، مثل سرقة دراجات نارية وهوائية وسيارات ومنازل ومحال تجارية. كما تحصل بين فترة وأخرى جرائم خطف أطفال وشبان وفتيات بغرض قبض فدية مقابل الإفراج عنهم، عدا عن تفاقم جريمة الرشوة التي انتشرت بشكل غير مسبوق في دوائر المؤسسات الحكومية وباتت تتم بشكل علني.
ويشكو كثير من سكان المناطق المحيطة بمدينة دمشق من تزايد جرائم السلب بالقوة في فترات النهار والليل، والتي يقوم بها أشخاص مسلحون بأسلحة نارية فردية، وبعضهم بسلاح أبيض، بالإضافة إلى قيام أشخاص آخرين نافذين في الأحياء بإجبار الأهالي على دفع إتاوات لهم، وتهديد من يرفض الدفع بقطع المياه والكهرباء عنه والتعامل معه بطريقة غير أخلاقية.
وفي حين يكاد لا يخلو يوم من إعلان رسمي عن توقيف أشخاص بتعاطي وترويج المواد المخدرة، لوحظ منذ فترة بعيدة تزايد نسبة متعاطي المخدرات في شوارع دمشق وحدائقها، وظهورهم العلني، وتهجم كثير منهم على صيدليات لرفضها إعطائهم حبوباً مخدرة.
وكشفت وزارة الداخلية في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي عن تفاصيل جريمة مروعة وقعت في درعا جنوب سوريا، كان دافعها الأساسي تجارة المخدرات.
ووفقاً للوزارة، فإن أماً وبناتها الأربع اللواتي يتعاطين المخدرات، أقدمن على قتل الأب والصهر بالاشتراك مع موظفين في المشفى الوطني في درعا، بسبب تضييقه عليهن وعدم السماح لهن بالخروج للعمل في تجارة المخدرات، في حين نشر «تجمع أحرار حوران» في الحادي عشر من مارس الماضي تقريراً بعنوان «رحى المخدرات تطحن الشباب في درعا… وجرائم بالجملة».
وصرح اختصاصيون اجتماعيون وحقوقيون لـ«الشرق الأوسط»، أن من أبرز أسباب تزايد معدلات الجرائم في مناطق سيطرة الحكومة «الانفلات الأمني، الذي تعاني منه جميع مناطق سيطرة النظام، لأن الأخير ليس لديه الإمكانيات اللازمة للانتشار في كل تلك المناطق وضبط الوضع الأمني».
ويلفت هؤلاء إلى أن انتشار المخدرات بشكل كبير، سواء للتعاطي أو التجارة، وكذلك انتشار السلاح بشكل عشوائي في أيدي المواطنين، أسهم بشكل كبير في تزايد معدلات الجرائم.
ويوضح الاختصاصيون أن «سنوات الحرب الطويلة وحالة الفوضى والنزوح، أدت إلى حدوث تفككك مجتمعي خطير، ومن ضمن ما أدى إليه هذا التفكك المجتمعي غياب الرادع الأخلاقي الذي يمنع الأشخاص من ارتكاب هذه الجرائم».
ويضيف الخبراء أن «الأوضاع الاقتصادية المنهارة في البلاد والأوضاع المعيشية المتردية بشكل كبير تسهم بشكل كبير في ازدياد معدل الجريمة».
وذكرت إدارة الأمن الجنائي في دمشق في إحصائيات لها نهاية عام 2021، أنه تم تسجيل 7500 جريمة منذ مطلع العام وحتى أواخر ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، فيما أشار حسين جمعة، رئيس قسم الإحصاء في الإدارة، إلى أنه ومنذ بداية عام 2021 وحتى أواخر شهر أغسطس (آب) من نفس العام، تم تسجيل 366 جريمة قتل و3663 حالة سرقة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، في حين تشير الأرقام الرسمية إلى تسجيل أكثر من 332 جريمة قتل خلال عام 2020 بينها 50 حالة، وفقاً لرئيس الطبابة الشرعية في سوريا زاهر حجو، فيما كان عدد جرائم القتل الشخصي والانتقامي خلال عام 2010 في العاصمة دمشق 30 جريمة فقط.
واحتلت سورية المرتبة العاشرة عالمياً في معدل الجريمة منذ مطلع العام الحالي، وفق موقع «نامبيو» المتخصص بمؤشرات الجريمة حول العالم، في حين كانت تحتل المرتبة 12 على مستوى العالم عام 2020، والمرتبة 11 في عام 2021، وحلت في المرتبة الثانية في آسيا بمعدل الجريمة بعد أفغانستان، وفي المرتبة الأولى في منطقة غرب آسيا.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».