أعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات جديدة من المنتظر أن يفرضوها على روسيا بسبب مقتل مدنيين في شمال أوكرانيا، فيما وصفها الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأنها «جرائم حرب» تستدعي عقوبات متناسبة.
وتتعرض مدينة ماريوبول الجنوبية لهجوم بريّ وجويّ روسيّ مستمر منذ أيام الغزو الأولى قبل ستة أسابيع تقريباً، مما أدى إلى محاصرة عشرات الآلاف من السكان دون طعام أو ماء أو كهرباء.
وقالت المخابرات العسكرية البريطانية اليوم (الأربعاء): «الوضع الإنساني في المدينة يزداد سوءاً». وأضافت: «معظم السكان المتبقين البالغ عددهم 160 ألفاً ليس لديهم كهرباء أو اتصالات أو دواء أو تدفئة أو ماء. القوات الروسية تمنع وصول المساعدات الإنسانية، ومن المرجح أن تضغط على المدافعين (عن المدينة) للاستسلام».
واكتسبت العقوبات الغربية على روسيا، بسبب غزوها لجارتها قبل نحو ستة أسابيع، قوة دافعة جديدة هذا الأسبوع بعد اكتشاف مقتل مدنيين بالرصاص من مدى قريب في بلدة بوتشا الأوكرانية بعد استعادتها من القوات الروسية.
ونفت روسيا استهداف المدنيين في بوتشا، ووصفت الأدلة المقدَّمة بأنها «تزوير شنيع» عمد إليه الغرب لتشويه سمعتها.
وقال البيت الأبيض إن العقوبات الجديدة المقرر الكشف عنها اليوم هي في جانبٍ منها رد على ما حدث في بوتشا. وأضاف أن الإجراءات المنسّقة بين واشنطن ومجموعة الاقتصادات السبعة المتقدمة والاتحاد الأوروبي ستستهدف البنوك والمسؤولين الروس وتحظر الاستثمارات الجديدة في روسيا.
ومن شأن عقوبات الاتحاد الأوروبي المقترحة، والتي يجب أن توافق عليها دوله السبع والعشرون، أن تحظر شراء الفحم الروسي وتمنع السفن الروسية من دخول موانئ الاتحاد.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن التكتل يعمل على حظر واردات النفط أيضاً. وتخشى أوروبا، التي تحصل على نحو ثُلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، من التأثير الاقتصادي الذي قد يجلبه الحظر الشامل على الطاقة الروسية.
لكن في إشارة إلى اشتداد عزم الاتحاد الأوروبي، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن حظر الفحم ما هو إلا خطوة أولى نحو فرض حظر على جميع واردات الوقود الأحفوري الروسي. وتقول أوكرانيا إن حظر الغاز الروسي أمر حيوي للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في محادثات السلام.
وبعد كلمة وجهها عبر الإنترنت لمجلس الأمن الدولي أمس (الثلاثاء)، قال زيلينسكي في ساعة مبكرة من صباح اليوم إن العقوبات الجديدة «على روسيا يجب أن تتناسب مع جسامة جرائم الحرب التي ارتكبها المحتلون»، واصفاً إياها بأنها «لحظة حاسمة» للزعماء الغربيين. وأضاف: «إذا عملت البنوك الروسية بعد ذلك كالمعتاد، وإذا استمر عبور البضائع إلى روسيا بشكل طبيعي، وإذا دفعت دول الاتحاد الأوروبي بعد ذلك لروسيا مقابل الطاقة كما جرت العادة، فإن المصير السياسي لبعض القادة لن يسير في مساره الطبيعي».
في غضون ذلك، قالت نيوزيلندا اليوم (الأربعاء)، إنها ستفرض رسوماً نسبتها 35% على جميع الواردات من روسيا وستمدد حظر التصدير على المنتجات المرتبطة بالصناعات الروسية الاستراتيجية.
وقالت وزيرة الخارجية نانايا ماهوتا، في بيان: «الصور والتقارير التي تظهر عن الفظائع التي ارتُكبت بحق المدنيين في بوتشا ومناطق أخرى في أوكرانيا بغيضة ومستهجنة، ونيوزيلندا تواصل الرد على أعمال العدوان الطائشة التي ارتكبها (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين».
وفي واشنطن، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أمس، إن الولايات المتحدة وافقت على تقديم 100 مليون دولار إضافية لمساعدة أوكرانيا، بما يشمل أنظمة «جافلين» المضادة للدروع.
وقالت شركة «إنتل» الأميركية لصناعة الرقائق إنها علّقت العمليات التجارية في روسيا، لتنضم إلى عدد كبير من الشركات في الخروج من ذلك البلد.
وفي مدينة كالوجا الروسية الصغيرة، حصل الآلاف من عمال السيارات على إجازة مؤقتة في ظل تأثير العقوبات الغربية على شركات صناعة السيارات الأجنبية فيها.
تحول المعارك
فشلت روسيا منذ بدء غزوها في 24 فبراير (شباط) في الاستيلاء ولو على مدينة رئيسية واحدة فيما تسميها «عملية عسكرية خاصة» تهدف إلى نزع سلاح أوكرانيا و«تخليصها» من النازيين.
وترفض أوكرانيا والغرب ذلك الموقف بوصفه ذريعة لغزو غير مبرر أدى إلى تشريد ربع سكان البلاد.
وانسحبت القوات الروسية في الغالب من مناطق قريبة من كييف الأسبوع الماضي بعد تعثرها بسبب المقاومة الأوكرانية، وحوّلت هجومها نحو جنوب أوكرانيا وشرقها.
وفي ميناء ماريوبول الجنوبي، حيث يُحاصَر عشرات الآلاف وسط نقص شديد في الغذاء والمياه، غرقت سفينة شحن ترفع علم الدومنيكا أمس، بعد استهدافها بضربات صاروخية روسية، حسبما أفادت الإدارة البحرية في الدولة الواقعة في البحر الكاريبي التي سجلت السفينة لديها.
ولم تردّ روسيا بعد على طلب للتعليق. وقالت قواتها المسلحة أمس، إنها أسقطت طائرتي نقل عسكريتين أوكرانيتين كانتا تحاولان مغادرة المدينة.
وقالت هيئة أركان القوات المسلحة الأوكرانية إن الهجمات في ماريوبول مستمرة، لكنها لم تذكر أي تفاصيل.
وفي الشرق، حيث توجد خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا ومن بين أهداف روسيا الرئيسية، قالت هيئة الأركان العامة إن القوات الأوكرانية دمّرت ثلاث دبابات روسية ونحو 20 عربة مدرعة أخرى.
دفن الجثث
يقول مسؤولون أوكرانيون إن ما بين 150 و300 جثة ربما تكون في مقبرة جماعية قرب كنيسة في بوتشا شمال العاصمة كييف.
وقالت شركة أميركية خاصة إن صور الأقمار الصناعية التي التُقطت قبل أسابيع تُظهر جثثاً لمدنيين في أحد شوارع البلدة، مما يقوّض مزاعم روسيا بأن القوات الأوكرانية تسببت في سقوط قتلى أو أن المشهد مدبَّر.
وشاهد مراسلو «رويترز» أربع ضحايا على الأقل أُصيبوا بطلقات نارية في رؤوسهم في بوتشا أحدهم مقيَّد اليدين خلف ظهره.
وروى سكان عن حالات قتل أشخاص آخرين، بعضهم أُصيب بطلق ناري في الرأس وتعرّض أحدهم للضرب حتى الموت والتشويه على ما يبدو.
ودفن الأوكراني سيرهي لاهوفسكي، أمس، جثة صديق طفولته الذي أُصيب برصاصة في فمه من مسافة قريبة بعد أن اختفى عندما احتلت القوات الروسية البلدة. وقال منتحباً: «لماذا أطلقت عليه هذه الحيوانات النار؟ هذه ليست روسيا، هذا وحش».
ولم يتسنَّ لـ«رويترز» التحقق بشكل مستقل من تفاصيل رواية لاهوفسكي أو المسؤول عن عمليات القتل في بوتشا.