البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

أقام في سرت وفشل في حل الخلافات بين مبايعي البغدادي وأنصار الظواهري

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض
TT

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

كشفت مصادر ليبية في العاصمة المصرية القاهرة، متخصصة بمتابعة نشاط تنظيم داعش، عن أن تركي البنعلي - البحريني الأصل - القيادي المهم في التنظيم الأم بالعراق والشام، يضغط على «داعش ليبيا» للإسراع في التصالح مع باقي المجموعات المتطرفة، وذلك لبسط النفوذ على مزيد من المدن الليبية، إلا أنه يواجه صعوبات في هذا الأمر لأسباب تتعلق بتوازنات بين الجماعات المتشددة في البلاد التي تعاني من الفوضى منذ مقتل العقيد معمر القذافي في 2011.

مصادر الجيش الليبي تقول إنه لا توجد معلومات مؤكدة عن انتقال البنعلي لقيادة «داعش» في ليبيا، وأوضح المستشار في الجيش الوطني الليبي، صلاح الدين عبد الكريم، قائلا لـ«الشرق الأوسط» حول ما أفادت به مصادر أخرى عن انتقال البنعلي لليبيا، إن «مثل هذه الأنباء أصبحت منتشرة، لكن لا توجد معلومات تؤكدها على الأرض». وكشف عن قيام الجيش قبل يومين بتوجيه ضربات لأربعة مراكب كانت تحمل متطرّفين وأسلحة متجهة من مدينة مصراتة لدعم المقاتلين المتشدّدين في بنغازي.
ولكن وفقا للمصادر، يسعى البنعلي، الذي عمل بالقرب من «الخليفة» المزعوم أبو بكر البغدادي، كرئيس لجهاز الحسبة في تنظيم داعش، لشق طريق للتعاون بين المقاتلين المتطرّفين، خاصة في مدن درنة وسرت وبنغازي شمالا، ومدينتي سبها وأوباري جنوبا، وحل الخلافات بين مبايعي البغدادي من جانب وأنصار زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري من جانب آخر. إلا أن الأوضاع المعقدة على الأراضي الليبية، وتزايد قدرة الجيش الوطني على ضرب مواقع المتطرفين، تعرقل من مهمة البنعلي.
وعما إذا كان «داعش» قد ولَّى البنعلي - البالغ من العمر 31 سنة - على ليبيا، قالت مصادر مطلعة إن تردّد الرجل على البلاد «يأتي على ما يبدو في إطار إشرافه على شؤون التنظيم في عدة بلدان خاصة في أفريقيا، بعدما بايعت حركة (بوكو حرام) النيجيرية المتطرفة (داعش) في الفترة الأخيرة». وأوضحت أنه على رأس أهداف البنعلي توسيع قاعدة التنظيم في ليبيا لأهميتها في المنطقة وفي البحر المتوسط وقربها من أوروبا، وأنه بحث مع أتباعه الاستعانة بـ«بوكو حرام» لتعضيد معارك «داعش» ليبيا، بعد تعرّض التنظيم للحصار ولعدة هزائم خلال الأسابيع الأخيرة.
في هذه الأثناء، يراقب سلاح الجو في الجيش الليبي عدة موانئ، منها درنة وسرت وبنغازي، مما أصبح يزيد من صعوبة دخول المتطرفين الأجانب من أمثال البنعلي للبلاد. لكن المستشار عبد الكريم يقول، ردًا على أسئلة «الشرق الأوسط»، إن «المشكلة تكمن في ميناء مصراتة البحري الذي تدخله سفن ترفع العلم التركي، ونحن في الجيش الليبي لا نريد أن نتعرّض لها كي لا ندخل في مواجهة عسكرية مع تركيا العضو في حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي).. نحن نعلم أن العدو ينتظر أي خطأ من جانبنا».
من جهة ثانية، تشير جهات ترصد تحركات «داعش» إلى أن تركي البنعلي يتخذ من مدينة سرت مقرًا لإقامته حين يزور ليبيا، ويتحرك انطلاقًا منها إلى عدة مواقع توجد للتنظيم سيطرة فيها، من بينها درنة وصبراتة وسبها وأوباري. وللعلم، فإن سرت هي مسقط رأس القذافي ومكان مقتله. ويتحرّك البنعلي، وفق هذه الجهات، تحت حراسة مجموعة من المتطرّفين الذين يحتلون مباني حكومية في المدينة الواقعة بشمال وسط ليبيا، وتطل على البحر المتوسط، وتعدّ معبرًا مهمًا للمقاتلين في أرجاء البلاد.
وتشير إجابات المستشار عبد الكريم عن الأسئلة إلى أن قيادات من تنظيم «الجماعة الليبية المقاتلة» الموالية لتنظيم القاعدة، ويشتبه في تسهيلها ظهور «داعش» في ليبيا، ما زالت تقف وراء فتح الأبواب للمقاتلين الأجانب لنشر مزيد من الفوضى في البلاد. وحاليًا تقود عناصر من «الجماعة الليبية المقاتلة» بالتحالف مع جماعة الإخوان قوات ما يعرف باسم «فجر ليبيا» المحسوبة على مدينة مصراتة الساحلية، وتنفذ عمليات ضد الجيش.
ويقول عبد الكريم إن «المنفذ المتبقي لدخول المتطرفين الأجانب، مثل البنعلي، هو غالبًا ميناء مصراتة الذي يستقبل سفنًا تحمل العلم التركي بعيدًا عن إشراف الدولة الليبية وسلطاتها الشرعية». ويضيف أن «المتطرفين الآن يدخلون من مصراتة كغطاء لهم، لأنهم يخشون الدخول من الموانئ الأخرى التي أصبحت تحت أعين رجال الجيش الليبي».
جدير بالذكر أن تركي البنعلي يحظى بشهرة واسعة في أوساط المتطرّفين في المنطقة بعدما كان طرفًا في مفاوضات جرت العام الماضي بشأن الإفراج عن الرهينة الأميركي وعامل الإغاثة بيتر كاسيغ، الذي نحره التنظيم لاحقًا. كذلك يعرف عنه حب الخطابة وإصدار المطويّات التي تتضمن تعليمات وشروحا لجنود التنظيم في مسائل العقيدة والقتال والتكفير وغيرها.
وتستبعد المصادر أن يكون الرجل قرّر الإقامة الدائمة في ليبيا، وتشير إلى أن زياراته نفسها، حتى الآن، تحاط بالكتمان لأن الأوضاع داخل ليبيا، خاصة أن عملية التنقل تتم عبر المدن والطرق الطويلة، أصبحت تحت أعين الجيش الوطني وتمثل خطرا.. «وهذا، على الرغم من أن للبنعلي علاقات خاصة وقديمة مع عدد من قيادات الجماعة المقاتلة، وذلك حتى من قبل أن تعلن جماعات المتشدّدين في درنة وسرت عن مبايعة البغدادي».
ويوضح المستشار عبد الكريم أن الجيش تمكن أخيرًا من السيطرة على الطريق الساحلي، وذلك من غرب طرابلس، حتى قرب الزاوية. ويوضح أن «عمليات الجيش أصبحت غير متوقعة بالنسبة للجماعات المتطرفة، ولذلك فإن تحركاتهم محفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة للمتطرفين الأجانب. أما في البحر، فقد قام الجيش قبل يومين بتوجيه ضربات لأربع جرافات (مراكب) محملة بإرهابيين وأسلحة ودعم، كانت آتية من مصراتة إلى المجموعات التي تقاتل الجيش في بنغازي. وجرى ضرب هذه المراكب في البحر بين منطقتي القوارشة والترية، بعدما اكتشفتها البحرية الليبية، ومن ثم أغرقتها جميعا».
وحسب مصادر عسكرية ليبية أخرى فإنه حتى لو تمكن البنعلي من دخول البلاد فإن تأثيره سيكون محدودًا بعد أن تعرض التنظيم ومعاونوه لخسائر. ومن جانبه يوضح المستشار عبد الكريم أن هذا الأمر لا توجد دلائل عليه، لأن الوضع لم يعد في صالح المتطرفين، فـ«الجيش يتقدم ويدحر مواقعهم. وبالأمس حققنا انتصارًا رهيبًا. لقد وجّهنا ضربات شديدة للإرهاب.. واستولى الجيش على أكبر معسكر وهو المعسكر المعروف باسم 27، وكان تابعا لأحد قيادات (الجماعة الليبية المقاتلة) واسمه شعبان هدية. وكذلك استرد الجيش آليات وأسلحة وقتل الكثيرين من التكفيريين».
من جانب آخر، تشير المصادر نفسها إلى أن عمليات الدخول والإقامة والتنقلات للبنعلي تتولّى تنظيمها، بشكل سري، مجموعة تعرف باسم «جماعة التوحيد» تتخذ من سرت مقرًا لها. وقامت خلال الفترة الأخيرة بترتيب عدة لقاءات له مع متشدّدين منتمين لتنظيم القاعدة ولم يبايعوا البغدادي صراحة، من بينهم الليبي سفيان بن جومة، أحد أكبر قيادات المتطرّفين في درنة، والجزائري مختار بلمختار، القيادي لمجموعات من المتطرّفين في سبها.
ووفقا لجهات على علاقة بالجماعات المتطرفة، يبحث البنعلي خلال زيارته لليبيا أيضا فتح قنوات اتصال على الأرض بين الجنوب الليبي وتنظيم «بوكو حرام» ومقره نيجيريا، من خلال رجل مالي الجنسية يقيم بالقرب من مدينة أوباري بجنوب ليبيا، ويدعى انتهمدين الأنصاري، ويبلغ من العمر 48 سنة، ويترأس جماعة «أنصار الحق» (أو ما يعرف باسم «أزواد مالي») الموالية لـ«داعش» أيضا.
على صعيد آخر، كانت مملكة البحرين قد جرّدت البنعلي من الجنسية البحرينية مع اثنين من أشقائه، على خلفية تقارير ظهر فيها وهو يطلب البيعة للبغدادي وتوليه مواقع عليا في التنظيم، وترؤسه لجهاز الحسبة. ووفقا لقائمة إسقاط الجنسية التي تضم 72 شخصا وأعلنتها وزارة الداخلية البحرينية، جاء اسم البنعلي تحت الرقم 17 وشقيقه علي تحت الرقم 50 وشقيقه الثاني محمد تحت الرقم 60.
وحسب المصادر الليبية يستعين البنعلي في تحركاته واتصالاته في المنطقة أيضا بعلاقاته القديمة مع فروع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، والتي تعود إلى نحو سبع سنوات مضت، ومن بينها «الجماعة الليبية المقاتلة»، و«القاعدة في بلاد المغرب»، والمجموعات التي كانت تتّخذ من شمال مالي مسرحا لعملياتها ضد الشركات الفرنسية والجزائرية.
وفي المقابل، يتميز نشاط «جماعة التوحيد»، وهي مجموعة من الشبان المقاتلين في سرت ممن أصبحوا موالين لـ«داعش» منذ العام الماضي، في العمل الدعوي والتجنيد عبر المحطة الإذاعية المحلية التي يحتلها التنظيم حين كان يحمل اسم «أنصار الشريعة» منذ أواخر عام 2013. ولقد قدّم البنعلي العديد من الدروس والخطب عبر هذه الإذاعة، وكذلك من خلال مسجدي «التوحيد» و«الرباط» بالمدينة على مرات متفرقة طوال الشهور الماضية، وحسب المصادر لوحظ في الأسابيع الأخيرة كثرة تردد الرجل على سرت، حيث يعقد أيضا لقاءات مع متطرفين من جنسيات مختلفة.
والملاحظ أن الاسم نفسه الذي تطلقه «جماعة التوحيد» على نفسها وعلى مسجدها في سرت تطلقه أيضا على إذاعتها المحلية التي كانت تابعة للحكومة في عهد القذافي قبل أن يسيطر عليها المتطرفون الليبيون. ووفقا لمصادر الإذاعة بالمدينة فقد بدأ البنعلي إلقاء الخطب والدروس من هنا منذ سنتين، وواصل بعد ذلك التردّد على ليبيا على فترات متباعدة، ومن بين الخطب التي ألقاها حينذاك خطب عما سماه «غُربة الدين»، و«نواقض الإسلام» و«الانقياد للشرع».
ولكن، منذ مطلع هذا العام، ظهر مجدّدا في سرت أكثر من مرة وبشكل مكثّف. واقترنت زياراته بترتيب لقاءات مع قادة ميدانيين من «داعش» و«القاعدة»، وشدّد في الكلمات التي ألقاها في عدة مناسبات وسط عدد من عناصر المتشددين على العمل على تطبيق الشريعة. وتضمّنت خطبه هذه المرة الدعوة لـ«مبايعة الخليفة (البغدادي)» قائلا إن «من لا يبايع الخليفة يموت على الجاهلية»، إضافة لتقديمه دروسا عن «شروط وموانع التكفير»، وغيرها.
ومن جانبها، أضافت المصادر أن مهمة البنعلي ليست سهلة لأن الجماعات الليبية المتطرفة معروف عنها الانقياد للعمل تحت إمرة قيادات محلية، لا أجنبية، وأن هذا الأمر يعد من أهم العراقيل التي تواجه «داعش ليبيا»، مشيرة إلى تحفّظ بن جومة، القيادي الكبير في درنة، على مبايعة بعض المجموعات التي كانت تعمل تحت إمرته من «أنصار الشريعة» للبغدادي العام الماضي، مع أن بن جومة لم يصرّح أو يعلن أنه على خصومة مع «داعش» الذي ينخرط فيه كثير من السوريين والمصريين والتونسيين والجزائريين وغيرهم ممّن وفدوا إلى ليبيا خلال الشهور الماضية.
وللعلم، تهيمن على درنة، في الأساس، مجموعات متباينة من المتطرفين، وكانت الكلمة العليا في هذه المدينة منذ سقوط نظام القذافي لسفيان بن جومة، وهو سجين سابق في غوانتانامو. ولقد حاول قياديّون جدد وفدوا من دول عربية سحب البساط من تحت أقدام بن جومة، مما تسبب في غضب الرجل وهجره للمدينة لعدة أشهر، واعتكافه في مدينة صبراتة (أحد معاقل المتطرفين قرب الحدود الليبية التونسية)، قبل أن يعود في محاولة لإعادة ترتيب الأوضاع في درنة، وهو أمر يبدو أنه يقلق تنظيم داعش، ودفع البنعلي لتكثيف زياراته لليبيا.
وتقول مصادر على علاقة بالمتطرفين الليبيين إن بن جومة لم يشعر بالارتياح بعدما فتح الباب لدخول من سماهم «المجاهدين» الذين اندفعوا لتولي القيادة بدلا منه، بعد أن كانوا محاصرين في سوريا والعراق، أو بعد أن فروا من بلادهم إلى درنة، مثل المصريين، الذي جاءوا إلى هنا بعد الإطاحة بنظام حكم محمد مرسي. ومن بين الشخصيات التي زاحمت بن جومة على الزعامة في درنة رجل خليجي يلقب بـ«أبو حبيب». تضيف المصادر أنه، مع ذلك، كانت هناك اتصالات بين بن جومة و«داعش»، وأن التنظيم يتعامل معه على أنه «أكبر من الخلافات التي يتسبّب فيها بعض القادة الصغار».
ولم يظهر بن جومة مرة أخرى في الصورة أثناء وقوع هذه الخلافات والتحذيرات الأخيرة من جانب المتمردين على «داعش» في معقله في درنة. وتقول المصادر إن الرجل البالغ من العمر نحو خمسين سنة يحاول أن تكون له الكلمة العليا على الفصائل المتطرفة في المدينة، دون أن يعلن الانحياز لأي منها، سواءً لمبايعي «الخليفة» أو من أنصار الظواهري، حيث ما زال يوفر لجميع الأطراف «المأوى والغطاء للتحرك داخل المدينة أو بين المدن التي ينشط فيها التنظيم»، وأنه لهذا السبب يحظى بمكانة وأهمية لدى البنعلي و«داعش»، رغم ما قد يراه البعض من حالة جفاء بينهم.
وحسب المعلومات المتواترة بعد وصول البنعلي إلى سرت في الفترة الأخيرة، فإنه اجتمع بعدد من قادة «داعش» في درنة من دون أن يكون بينهم بن جومة، وهو ما أجّج الخلافات بين زعماء «داعش» وفريق من زعماء «القاعدة» في درنة، وترتب على هذا الأمر الإعلان عن تأسيس ما سمّوه «مجلس شورى مجاهدي درنة»، وهجوم هذا المجلس على عناصر «داعش» في المدينة، ووصفهم بـ«غلاة التكفيريين»، ورفض ما سبق أن أعلنته هذه العناصر من مبايعتها للبغدادي، قائلة إنهم ادّعوا مبايعة «الخليفة» دون مشورة المسلمين، وبالتالي تكون هذه الخلافة باطلة. واعتبر معلق متابع أن «هذه التطورات ضد طموحات البنعلي سواء أتى إلى ليبيا أو لم يأت».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».