«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن

تنتشر الجماعات المتطرفة في الأردن بشكل رئيسي في خمس مناطق ومدن أساسية

«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن
TT

«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن

«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن

يبدو أن نجاح الأجهزة الأمنية الأردنية في القبض على خلية تنظيم داعش داخل مخيمات اللجوء السوري في الأردن، تثير الكثير من التساؤلات حول خطورة استثمار الجماعات المسلحة مخيمات اللجوء الإنساني لتحقيق عمليات اختراق وتجنيد للحواضن الشعبية المختلفة. وهذا ما يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل تشكل «داعش» تهديدًا حقيقيًا للأردن في ظل التهديدات المتواصلة التي تطلقها له، ما حجمها وطبيعتها؟
لا شك أن العالم أصبح اليوم بأسره ساحة مفتوحة لانتقال مَن يحلو لهم أن يتسموا بـ«المجاهدين» عبر الحدود، بأفكارهم وأجسادهم وأفعالهم غير مكترثين بالحدود التي يصفونها بـ«صنيعة الاستعمار / سايكس بيكو». ولقد كسروها بالآيديولوجيا عبر مختلف الحواضن (الاجتماعية والفكرية والدينية والأمنية والعسكرية) مستخدمين العالم الافتراضي، ثم الواقعي، لنشرها واعتبارها ساحة مشروعة لأعمالهم العنيفة، حتى باتت آيديولوجيا «فقه الدماء» معولمة عبر انتشار مؤيديها وأنصارها وفروع الجماعات التي تؤمن بها وأفعالها في مختلف أنحاء العالم.
تعتبر الساحة الأردنية كغيرها من ساحات الدول، عرضة لتهديدات الجماعات المسلحة، إذ أحبطت الأجهزة الأمنية عددا كبيرًا من المحاولات الفاشلة في تنفيذ هجمات «إرهابية»، في حين نجح تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» في تنفيذ ثلاث هجمات في الماضي غير البعيد استهدفت فنادق مدنية، ذهب ضحيتها نحو 60 شخصًا وجرح العشرات.
إلا أن الساحة الأردنية خصوصية تختلف عن غيرها من الدول الأخرى، حيث ارتبطت الكثير من القيادات الفكرية والميدانية بها، وهذه القيادات حاضرة بقوة إلى يومنا في المشهد العسكري والأمني والسياسي في المنطقة.
وبالتالي، فإن المعركة الأمنية بين أجهزة الدولة والناشطين من الجماعات المسلحة في أوجها. والمقاربة تتخذ مسار الرصد والمتابعة والملاحقة الأمنية والقانونية، إذ نشهد كيف أن الاعتقالات مستمرة وترتفع وتيرتها مع تجدد التهديدات أو المحاولات الفاشلة في تنفيذ هجمات أو عمليات تجنيد واستقطاب، كما تشهد أروقة محكمة أمن الدولة عشرات القضايا المتعلقة بالتنظيمات «الإرهابية».
ونشير هنا، إلى أن الأردن شكّل بالفعل حاضنة للأفكار وصناعة القيادات المتطرّفة، ويعزا ذلك إلى عوامل جيو - سياسية واجتماعية ودينية وغير ذلك. فالأردن من الدول المجاورة للأراضي الفلسطينية المحتلة، ولديها ارتباط قانوني إداري بفلسطين منذ «مؤتمر أريحا» عام 1949م، واستمر لفترة طويلة امتدت حتى لمرحلة ما بعد الاحتلال الصهيوني، جرى فكه عام 1988م بقرار من الملك الراحل الحسين بن طلال، بناءً على طلب من الدول العربية، على اعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
فضلاً إلى ذلك، ثمة جملة من الأسباب المولّدة للعنف والإرهاب التي تزامنت مع الدولة القطرية والنظم الشمولية، في فترات طويلة وصفت بالاستبداد والقمع والتنكيل، واستئثار السلطة والثروة بأيدي شريحة صغيرة تتوارثها.
وفي حقبة الثّمانينات أسهم «الجهاد الأفغاني» ضدّ الاحتلال السوفياتي في إعطاء زخمٍ كبير للمدارس المتطرفة، التي شارك فيها عبد الله عزّام، أحد أهم أقطاب ومنظّري التطرف، وهو الأردني المتحدّر من أصلٍ فلسطيني، وعمل على تأسيس «مكتب الخدمات»، منذ وصوله الى أفغانستان عام 1984.
تمكَّن عزام من استقطاب عدد كبير من الراغبين في «الجهاد» من شتى أنحاء العالم الإسلامي ومنها الأردن حيث بلغ عدد الأردنيين نحو الألف، وشكلت هذه الأعداد نواة حركية التطرف المعاصرة في الأردن. ثم، عقب حرب الخليج الثانية جاء من الخليج عدد من أتباع التيارات المتشددة، وبالنتيجة شهد عقد التسعينات انطلاقة التطرف الحركي الأردني. وهنا لا بد من ذكر أنه سبق أن أسّس محمد سالم الرحّال في بداية الثمانينات تنظيم «الجهاد الإسلامي» في الأردن، الذي يعدّ امتدادا للتنظيم الذي أسس في مصر. إلا أن الأجهزة الأمنية أقدمت على اعتقال أعضائه وتفكيك التنظيم وحله عام 1984م، وكانت بداية انتشار كتب مثل «الفريضة الغائبة» لمحمد عبد السلام فرج، وغيره من أدبيات تنظيمي «الجهاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية» في الأردن.
ويعتبر أبو محمد المقدسي، أحد أهم منظري التطرف الحركي في الأردن، بالاشتراك مع أبو قتادة الفلسطيني، إذ تبلورت على يديهما هذه المدرسة في الأردن بعدما كانت مشتتة من دون روابط آيديولوجية واضحة، وتنظيمية صريحة. ولقد شهد الأردن عشرات الخلايا المتطرفة في مطلع عقد التسعينات، وفي مقدمتها جماعة «جيش محمد» و«الأفغان الأردنيين»، إلا أن الولادة الحقيقيّة لهذا التيار كانت مع ما عرف بقضية «بيعة الإمام» عام 1994م، وكان من أبرز أعضائه «أبو محمد المقدسي» و«أبو مصعب الزرقاوي» اللذين التقيا في باكستان في أوائل التسعينات، واتفقا على بدء العمل في الأردن فور عودتهما. وهو ما تحقق من خلال الدروس وتوزيع الكتب والنشرات التي كان يكتبها المقدسي، والتي تدعو إلى إقامة «الدولة الإسلامية» وفق منهجٍ ثوريٍّ، يستند إلى تكفير النّظام، والتحضير لتغييره عن طريق العنف الثوري، وقد نجحت هذه الحركة في استقطاب عددٍ من الأعضاء وتجنيدهم في صفوف الحركة، فشهدت التسعينات انتشارًا واسعًا للتيار المتطرف في معظم المدن الأردنيّة، كعمّان والزرقاء والسّلط وإربد ومعان.
وعلى الرغم من العداء الظاهر والتنافر الواضح بين النظام السياسي الأردني الجماعات والتيارات المتطرفة الأردنية، استطاع الطرفان تبني علاقة على نحو ما في التعامل أحدهما مع الآخر. ومعلوم أن ما أسهم في انتشار التيارات المتطرفة ونموها مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي أثرت على جملة من التحولات الأساسية في طبيعة النظام السياسي الأردني، ففي نهاية الثمانينات (1989) دخل الأردن أزمة اقتصادية خانقة أسفرت عن تدني سعر صرف الدينار ورفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، الأمر الذي أدخل الأردن في برنامج التصحيح الاقتصادي الهيكلي، وإخضاعه المباشر لسياسات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. وهو ما أفضى بالتالي، إلى إلحاق الاقتصاد السياسي في الأردن بالسوق الرأسمالية العالمية، وحلول عصر العولمة. وكان الأردن قبل هذه الأزمة يعيش حالة من الأحكام العرفية (الطوارئ) التي تتسم بمنع التعددية السياسية وغياب الحياة البرلمانية والديمقراطية.
وتزامن مع حرب الخليج الثانية عودة مئات الأردنيين الذين شاركوا في «الجهاد الأفغاني» لإخراج السوفيات من أفغانستان، وهو ما أطلق عليه ظاهرة «الأفغان العرب»، حيث ظهر في هذه الفترة عدد من الجماعات المتطرفة المسلحة، كـ«جيش محمد» و«الأفغان الأردنيين» وصولاً إلى حركة «بيعة الإمام» 1994، التي مثلت ذروة التطرف الحركي في الأردن، وضمت في صفوفها يومذاك أبو محمد المقدسي وكذلك أبو مصعب الزرقاوي.
خلال التسعينات حوّلت عشرات الجماعات المتطرفة إلى محكمة أمن الدولة، إلا أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، شكّلت تحولاً في مسار الحركة المتطرفة في البلاد تمثل بظهور تيارين أساسين: الأول، يسعى إلى الاندماج في تيار التطرّف العالمي ويعتبر الزرقاوي أبرز ممثليه، وكان يتبنى استراتيجية قتالية لا مجال فيها للتصالح مع النظام الأردني والنظم العالمية. والثاني، اتجاه يميل إلى انتهاج مسار سلمي في الدعوة، ولا يرى ضرورة الدخول في مواجهة مسلحة مع النظام في الوقت الحالي ويمثله أبو محمد المقدسي، على الرغم من اشتراك التيارين في مجمل الآيديولوجيا النظرية المتعلقة بالواقع الاجتماعي والسياسي، كتكفير الأنظمة بآيديولوجياتها المختلفة، سواء كانت ديمقراطية أو اشتراكية أو قومية.
وتنتشر الجماعات المتطرفة في الأردن بشكل رئيسي في خمس مناطق ومدن أساسية، هي: ضواحي العاصمة عمّان وبخاصة المناطق الشرقية، والمدن ذات الصفة الشعبية، مثل الزرقاء والرصيفة - التي سكنها الزرقاوي والمقدسي - والسلط ومعان وإربد، حيث كان ينتمي معظم الذين اعتقلوا على خلفية الانتماء لهذه الجماعات إلى هذه المناطق أو المدن.
ثم إن مثل هذه التيارات ظهرت في عمّان قديمًا، وبخاصة في المناطق الشعبية وبعض المخيمات الفلسطينية وبالذات، مخيم الوحدات ومخيم البقعة، حيث أبصر النور خلال فترة الثمانينات والتسعينات بعض التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها ما عرف باسم تنظيم «جيش محمد»، الذي شكله أشخاص كانوا عادوا من المشاركة في القتال في أفغانستان، وقاموا بالتخطيط وتنفيذ عدة عمليات متفرقة استهدفت بعض دور السينما وأماكن بيع الخمور، واستهدفوا قساوسة وضابط مخابرات في منطقة بيادر وادي السير. وبرز من مدينتي عمّان المسؤول الشرعي في تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» عمر جمعة الذي اشتهر باسم «أبو أنس الشامي»، الذي قتل عام 2004م في غارة أميركية في العراق، كما اشتهر أيضا رئيس الهيئة الشرعية لدى تنظيم «جبهة النصرة لأهل الشام»، الدكتور سامي العريدي، الذي كان يسكن في عمّان الغربية، وبالتحديد في منطقة بيادر وادي السير.
أما عن مدينتي الزرقاء والرصيفة، من أبرز المدن التي ينشط فيها هذا الفكر المتطرف وانطلقت منهما جماعة «بيعة الإمام» التي أسسها المقدسي والزرقاوي. ويذكر أن الزرقاوي اسمه الحقيقي أحمد فضيل نزال الخلايلة واختار لقب «أبو مصعب الزرقاوي» كناية عن أن أصله من مدينة الزرقاء. ثم إن معظم الذين قتلوا في العراق كانوا يسكنون هاتين المدينتين، كما أن الذين قتلوا الدبلوماسي الأميركي كانوا يقطنون الرصيفة، ومحاولة «الخلية» التي خططت لاغتيال عدد من ضباط المخابرات منها أيضا.
وأما ما يتعلق بالشمال، وتحديدًا محافظة إربد وبعض القرى المحيطة بها، كان عدد من المنظّرين الثانويين يقطنونها. وعلى رأس هؤلاء عبد القادر شحادة الطحاوي، المعروف باسم «أبو محمد الطحاوي»، وكذلك الشيخ عمر مهدي زيدان، وأشقاؤه، وهو يتولى حاليًا مسؤولية هيئة المعاهد الشرعية في تنظيم داعش ومقره الموصل، وكان شقيقه محمود قد قتل في وزيرستان (بغرب باكستان) بواسطة الطائرات الأميركية، وكان عضو مجلس الهيئة الشرعية في جماعة طالبان باكستان، وله شقيق آخر اسمه إبراهيم مكث في سجن غوانتانامو ست سنوات على خلفية اعتقاله في أفغانستان بتهمة الانتماء لـ«القاعدة». أضف إلى هؤلاء محمد الزهيري، الذي يطلق عليه لقب «شاعر القاعدة» وهو يسكن في إربد.
أما عن العلاقة التي تربط المتطرفين في الأردن، الذين يصفون أنفسهم بـ«مجتمع الموحدين» من ناحية، والجماعات المتطرفة المسلحة في العراق وسوريا وفي مناطق أخرى من ناحية ثانية، لا تعدو في أغلب الأحوال أن تكون علاقة تلتقي في الأفكار ومنهجية العمل، ولا يوجد أي علاقة تنظيمية.
وبالنسبة لهذه المجموعات قد يصح أن توصف بأنها شبكة علاقات اجتماعية منتشرة في بعض المحافظات والمدن، وتصبح علاقة الفرد تنظيمية فور أن يقرر الالتحاق بالجماعات خارج الأردن، لأن من يتولى عملية التجنيد وتقديم الدعم اللوجيستي، لا بد وأن يحظى بعلاقة تنظيمية تنسق وترتب العملية، ونسبتهم لا تتجاوز الواحد في المائة من مجموعهم.
إن آيديولوجيا «فقه الدماء» أصبحت بالفعل عابرة للحدود دون قيود على حركتها وسط تنامي نشاطاتها عبر العالم الافتراضي في الشبكة العنكبوتية.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».