إسرائيل تتعامل بـ«حساسية شديدة» مع السيادة في القدس

قيّدت حركة المحافظ وجددت إغلاق 28 مؤسسة فلسطينية

عناصر من الأمن الإسرائيلي تعتقل فلسطينياً في البلدة القديمة بالقدس )أ.ف.ب(
عناصر من الأمن الإسرائيلي تعتقل فلسطينياً في البلدة القديمة بالقدس )أ.ف.ب(
TT

إسرائيل تتعامل بـ«حساسية شديدة» مع السيادة في القدس

عناصر من الأمن الإسرائيلي تعتقل فلسطينياً في البلدة القديمة بالقدس )أ.ف.ب(
عناصر من الأمن الإسرائيلي تعتقل فلسطينياً في البلدة القديمة بالقدس )أ.ف.ب(

اتخذت السلطات الإسرائيلية جملة من القرارات تستهدف الوجود الرسمي أو شبه الرسمي الفلسطيني في مدينة القدس. فاعتقلت محافظ المدينة عدنان غيث، الذي يمثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المدينة، وسلّمته قراراً بمنع دخوله إلى الضفة الغربية حتى نهاية يوليو (تموز) المقبل، وجددت إغلاق 28 مؤسسة وجمعية وهيئة فلسطينية ناشطة هناك، في مقدمتها «بيت الشرق» الذي كان يعد مقراً غير رسمي للسلطة، و«نادي الأسير» الذي تموله السلطة.
وداهمت قوات إسرائيلية منزل المحافظ غيث في بلدة سلوان جنوب القدس المحتلة، وفتشته، وعبثت بمحتوياته، قبل اعتقاله ثم اقتادته إلى التحقيق وسلّمته تجديداً لقرار منعه من «دخول الضفة الغربية» المفروض عليه منذ أشهر طويلة ثم أفرجت عنه.
وقال غيث بعد الإفراج عنه: «اعتقالي يأتي من ضمن المسلسل الإجرامي الذي ينفذه الاحتلال بحق شعبنا، لكن لا ضير، نحن هنا لن نبرح المكان، وسنبقى على أرضنا نجسد سيادتنا رغماً عن أنف كل هذه الإجراءات وهذه القوى الظلامية».
وكانت إسرائيل منعت غيث من دخول الضفة الغربية 3 سنوات، حيث صدر القرار الأول فور مباشرته عمله عام 2018، وتعرض خلال هذه الفترة لـ28 اعتقالاً. كما اتخذت بحقه عدة قرارات ومنها فرض الإقامة الجبرية عليه داخل بلدة سلوان ومنعه من التحرك في القدس ومنعه من السفر ومنعه من التواصل مع عشرات المسؤولين الفلسطينيين.
وترفض إسرائيل أي وجود فلسطيني رسمي أو شبه رسمي أو حتى رمزي في القدس، وتحارب أي نشاط هناك باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ولا يسمح للسلطة الفلسطينية أو من يمثلها بالعمل هناك لأن ذلك يمس السيادة الإسرائيلية.
وتضمنت قرارات سابقة لإغلاق مؤسسات فلسطينية، تأكيداً على أن إسرائيل ستستمر في إفشال أي محاولة تدخل للسلطة الفلسطينية لانتهاك سيادتها في العاصمة.
وبناء عليه، جددت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق 28 مؤسسة وجمعية وهيئة فلسطينية ناشطة في مدينة القدس. وأعلنت أنها أغلقت هذه المؤسسات مطلع الشهر الحالي، وستواصل سياسة تمديد إغلاقها لأنها لن تسمح بالمس بالسيادة الإسرائيلية على القدس الموحدة.
وأظهرت إحاطة شاركت بها أجهزة أمنية ووزارات إسرائيلية الحساسية الشديدة التي تتعامل بها إسرائيل مع الوضع في القدس فيما يخص السيادة.
واعتبر مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي، قرار سلطات الاحتلال تجديد إغلاق 28 مؤسسة مقدسية، «محاولة جديدة لفرض السيادة الإسرائيلية على القدس والمقدسيين».
وقال الرويضي في بيان، أمس الثلاثاء، «إن إغلاق المؤسسات يخالف تعهدات إسرائيلية رافقت التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1995 قدمها وزير الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت برسالة مكتوبة إلى وزير خارجية النرويج التي احتضنت اتفاق أوسلو بعدم التعرض للمؤسسات المقدسية أو منعها من العمل».
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه، شمعون بيرس، أرسل إلى وزير الخارجية النرويجي يوهان هولست، رسالة مؤرخة بـ11-10-1993، حول المؤسسات الفلسطينية في القدس، وأكد فيها أن «المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية وكذلك مصالح فلسطينيي القدس الشرقية ومنافعهم تُعتبَر على درجة كبيرة من الأهمية، وسيتم الحفاظ عليها».
وأضاف: «وبناء عليه، فإن جميع المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية - بما فيها المؤسسات الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والثقافية والأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية - تؤدي مهمّة حيوية للفلسطينيين. وغني عن القول إننا لن نعيق نشاطها، وبالعكس، فإننا سنقوم بتشجيعها على تأدية هذه المهمّة الهامة».
وشدد الرويضي على أن «هذا الإغلاق يشكل مخالفة للقانون الدولي الذي يعتبر القدس محتلة، بموجب قرارات عدة صدرت عن مجلس الأمن والمحاكم الدولية المختصة، التي اعتبرت إسرائيل قوة احتلال يلزمها القانون الدولي بعدم التعرض للحقوق المدنية والاجتماعية للشعب المحتل، وهذا يفرض التزامات على الدول جميعا بموجب عضويتها بالأمم المتحدة بالضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بالتراجع عن إجراءاتها المخالفة في القدس الشرقية».
وأضاف: «لدينا قناعة بأن إسرائيل القوة المحتلة تريد تهجيرنا من أرضنا، ومنع مؤسساتنا الاقتصادية والشبابية والمجتمعية والثقافية من خدمة المجتمع المقدسي، وإيجاد بدائل مؤسساتية تخدم المشروع الإسرائيلي تحت عنوان المراكز الجماهيرية ومؤسسات تعليمية تفرض المنهاج الإسرائيلي على التعليم في القدس، وهذا الوجه العنصري لهذا الاحتلال الذي يعتقد واهما بقدرته على كسر إرادة المقدسين وفرض الأمر الواقع عليهم».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.