جوردي كرويف: برشلونة لا يزال استثنائياً... واللاعبون مستعدون للتضحية بالأموال

جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)
جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)
TT

جوردي كرويف: برشلونة لا يزال استثنائياً... واللاعبون مستعدون للتضحية بالأموال

جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)
جوردي كرويف (يسار) يرحب بضم أوباميانغ إلى النادي الكاتالوني (إ.ب.أ)

يقول المستشار الرياضي لنادي برشلونة، جوردي كرويف: «في النهاية، هناك شعور بالارتياح، ونحمد الله على ما وصلنا إليه. وإذا كانت الصفقات الجديدة مناسبة وقدمت مستويات جيدة، فسوف تشعر بأن العمل قد تم بشكل جيد». كان يتبقى دقيقة واحدة فقط قبل منتصف الليل في اليوم الأخير لفترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، عندما وصلت الأوراق أخيراً وعرف برشلونة أنه بإمكانه تسجيل بيير إيمريك أوباميانغ، ليكون المهاجم الغابوني هو الصفقة الرابعة التي يبرمها برشلونة في يناير (كانون الثاني). وبعد ستة أسابيع، سجل أوباميانغ هدفين وصنع هدفاً آخر لفيران توريس، المنضم أيضاً لبرشلونة في فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، في المباراة التي سحق فيها النادي الكاتالوني غريمه التقليدي ريال مدريد برباعية نظيفة على ملعب «سانتياغو برنابيو».
وشهدت هذه المباراة إحراز أوباميانغ لهدفه التاسع منذ انتقاله لـ«كامب نو»، كما كانت المباراة رقم 12 لبرشلونة من دون هزيمة. وبالتالي، تشير كل المؤشرات إلى أن النادي الكاتالوني بدأ يستعيد عافيته ويعود إلى المسار الصحيح. إنها ليست مهمة سهلة على الإطلاق، حيث تتطلب اتخاذ قرارات يمكن أن «تحطم القلب»، كما لا يزال برشلونة يعاني من أزمة، وإن كانت بدرجة أقل. وفي الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي، تولى جوردي كرويف منصب المستشار الرياضي للنادي، ثم عُيِن مديراً لكرة القدم الدولية، وأصبح الآن سكرتيراً فنياً بحكم الأمر الواقع، حيث يعمل جنباً إلى جنب مع المدير الفني للفريق، تشافي هيرنانديز، ومدير الكرة، ماتيو أليماني، فيما يتعلق بإبرام الصفقات الجديدة. لكن الاستعدادات تعود إلى ما هو أبعد من ذلك - فقد كان كرويف لاعباً ومدرباً ومديراً رياضياً.
يتحدث كرويف ببلاغة عن كيفية تعلمه من المدير الفني الاسكوتلندي السير أليكس فيرغسون، الذي يصفه بأنه «رجل سابق لعصره» و«لا يرحم»، لكنه «إنسان»، حتى لو لم يكن يدرك آنذاك أنه يتعلم مثل هذه الدروس. وكان والده يوهان، الذي توفي قبل ستة أعوام وكان سيكمل عامه الخامس والسبعين هذا العام، الشخصية الأكثر تأثيراً في عالم كرة القدم. لقد تركت مؤسسة كرويف إرثاً كبيراً، وهي تحتفل الآن بمرور ربع قرن من الزمان على إنشائها، ومن المؤكد أن جوردي كرويف هو أكثر شخص يشعر بأهمية هذا المكان.
لقد بنى يوهان كرويف برشلونة الحديث، والآن يساعد نجله جوردي في إعادة بناء الفريق مرة أخرى. وتجب الإشارة إلى أن المهمة صعبة للغاية، فقد رحل النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بعدما عجز النادي عن دفع راتبه ورواتب لاعبين آخرين؛ ووصل حجم الدين إلى 1.35 مليار يورو في أغسطس (آب) الماضي، وحصل النادي على مزيد من القروض منذ ذلك الحين؛ واضطر اللاعبون إلى تخفيض رواتبهم، وعندما أعلنت رابطة الدوري الإسباني الممتاز مؤخراً عن سقف الرواتب، كان برشلونة قد تجاوز هذا السقف بـ144 مليون يورو - النادي الوحيد الذي يمتلك أرقاماً سلبية في هذا الصدد. باختصار شديد، لا يملك النادي أموالاً. لذلك، دعونا نطرح السؤال التالي: كيف تمكن برشلونة رغم هذه الأزمة المالية الطاحنة من التعاقد مع فيران توريس مقابل 55 مليون يورو؟ وكيف تعاقد مع داني ألفيش، وأداما تراوري، وأوباميانغ؟
يقول كرويف: «يمكن تلخيص الأمر في عبارة واحدة وهي: استهلاك الدين، حيث نقسم التكلفة على عدد معين من السنوات ونعمل من هذا المنطلق». لكن العملية معقدة للغاية، حيث يضع النادي خططاً طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى تعمل بالتوازي بعضها مع بعض، وهو التوازن المنشود بين إعادة بناء الفريق وخفض الديون. إن الصفقات التي عقدها برشلونة في فترة الانتقالات الشتوية الماضية تشمل صفقات انتقال نهائية وصفقات على سبيل الإعارة وصفقات مجانية بعد نهاية عقود اللاعبين مع أنديتهم الأصلية، وعُقد بعضها في اللحظات الأخيرة باعتبار ذلك السبيل الوحيدة للخروج من هذه الأزمة. وكانت الصفقة الرابعة التي أبرمها النادي هي داني ألفيش، الذي يبلغ من العمر 38 عاماً ولم يكن يلعب لأي نادٍ، ويريد العودة إلى ناديه السابق من أجل اللعب والمشاركة مع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم.
يقول كرويف عن ذلك: «قواعد اللعب المالي النظيف في إسبانيا والمشكلات الاقتصادية تعني أن كثيراً من الأشياء التي كانت ممكنة بشكل طبيعي في الماضي لم تعد ممكنة الآن». هذه القواعد تعني أن برشلونة يمكنه استثمار يورو واحد فقط مقابل كل أربعة يستطيع ادخارها؛ كما يقول كرويف، الذي يضيف: «الأمر أكثر صرامة مما هو عليه في بقية أنحاء أوروبا، وهو أمر يثير الفضول. الأمر أكثر مرونة في إنجلترا. أما في إسبانيا فيتم حظرك، لذا يجب أن تكون مبدعاً للخروج من هذه الأزمة».
ويضيف: «الآلية معقدة وجديدة بالنسبة لي، لكن ماتيو يفهمها جيداً. من المهم جداً أن يكون لديك فريق جيد، وأن يكون هناك اتصال مباشر، وأن يكون هناك صدق ووضوح مع الجميع. في بعض الأحيان تتوصل إلى حل يتعلق بكرة القدم ولا يمكنك القيام به. عندما تمر بموسم صعب فإنك تعاني بشدة، لكن ذلك يساعدك أيضاً في الرؤية بوضوح ووضع الأولويات المناسبة: قد تكون هناك بعض المراكز التي تريد تدعيمها، لكن ما الذي تحتاجه خلال هذه الأشهر الأربعة؟».
ويتابع: «في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب، والحدود التي تفرضها قواعد اللعب المالي النظيف، يتعين على اللاعبين القادمين لبرشلونة أن تكون لديهم رغبة كبيرة للعب هنا. إنهم يعلمون أنه بإمكانهم الحصول على قدر أكبر من الأموال في أماكن أخرى، كما أن جميع اللاعبين الأربعة الذين تعاقدنا معهم يبذلون جهداً كبيراً من أجل مساعدة الفريق، وهو ما يجب أن نشيد به. لا يزال برشلونة نادياً استثنائياً، وما زال لدى كثير من اللاعبين رغبة في خسارة الأموال من أجل اللعب له».
وكان ألفيش قد أكد أن فريقه برشلونة عاش «ليلة للتاريخ» عقب الفوز الكاسح على ملعب ريال مدريد. وشارك ألفيش بدلاً من جوردي ألبا خلال الدقائق الأربع الأخيرة، بعدما اعتاد اللعب أساسيا مع برشلونة في مواجهات الكلاسيكو خلال فترة احترافه الأولى بين عامي 2008 و2016. ولدى سؤاله عما إذا كان هذا هو الفوز الأفضل على الريال، أوضح ألفيش: «إنه صعب، الفوز هنا دائماً ما يجلب السعادة، لن أختار، لكن هذه اللحظات دائماً ما تكون استثنائية». وأضاف: «لم نفز عليهم منذ فترة... وكسر هذا الحاجز أمر استثنائي».
وتجب الإشارة إلى أن ألفيش يحصل على الحد الأدنى للراتب الذي يسمح به الدوري الإسباني الممتاز، كما وافق أوباميانغ على الحصول على راتب أقل بكثير مما كان يحصل عليه مع آرسنال من أجل الانضمام لبرشلونة. وهذا يعني أن الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق، فالصفقة التي كانت تبدو مستحيلة في فترة ما بعد الظهيرة لليوم الأخير من فترة الانتقالات تم إحياؤها وإنهاؤها بنجاح قبل دقائق معدودة من الموعد النهائي وضم اللاعب بشكل نهائي بدلاً من ضمه على سبيل الإعارة، واضطر المهاجم الغابوني إلى إلغاء عقده مع آرسنال.
يقول كرويف: «الاعتماد على أطراف ثالثة في اليوم الأخير من فترة الانتقالات أمر صعب. كما أن التعاقد مع اللاعب بشكل دائم يكون أكثر تعقيداً بكثير من التعاقد على سبيل الإعارة وحسم الموقف النهائي في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز). أنت تنتظر، ويكون هناك شعور بالتوتر، وفترة الانتقالات على وشك الإغلاق، ولا يمكنك البحث عن بدائل، خصوصاً أن المهاجمين المميزين يكونون محط أنظار جميع الأندية التي تسعى لتدعيم خط هجومها. لكن القدر كان له دور ونحن سعداء بذلك. الجميع يشعر بالراحة عندما بدأت الأمور تسير بشكل جيد».
ويضيف: «فيران توريس يمثل حلاً قصيراً ومتوسطاً وطويل الأجل، وهو يمثل إضافة كبيرة للنادي. ولو لم يتعرض للإصابة لكان من الصعب جداً التعاقد معه. لولا تلك الإصابة فإنه كان سيلعب ويسجل الأهداف، وبالتالي كان مانشستر سيتي سيرفض بيعه. في بعض الأحيان ترى فرصة يجب اغتنامها بسرعة في سوق الانتقالات. إنه مصاب، وفريقه يفوز من دونه، وهي الظروف التي تخلق موقفاً لا يأتي دائماً، لكنه حدث هذه المرة». ويتابع: «دائماً ما تكون فترة الانتقالات الشتوية صعبة، لأن الأندية لن توافق على أن تمنحك لاعباً على سبيل الإعارة، وهو يلعب معها بشكل أساسي. لذلك، لديك لاعبون لا يلعبون كثيراً، لكن الدوري الإنجليزي الممتاز يتمتع بسرعة هائلة ويعتمد كثيراً على القوة البدنية، بحيث يكتسب اللاعب الذي يلعب هناك منذ بضع سنوات عادات وظروفاً معينة. هذا لا يعني أننا لم نفكر في التعاقد مع لاعبين جيدين آخرين من دوريات أخرى، لكن التعاقد مع لاعب قادم من الدوري الإنجليزي الممتاز يكون أكثر أماناً لأنك تعلم أن اللاعبين الذين يلعبون هناك يمتلكون القوة المطلوبة».
وخلال ثلاث مباريات لعبها في إسبانيا، أسهم آداما تراوري في عدد من الأهداف يعادل نفس عدد الأهداف التي أسهم فيها خلال آخر 25 مباراة له في الدوري الإنجليزي الممتاز. وفي المقابل، فإن عدد الأهداف التي سجلها اللاعب البرازيلي فيليب كوتينيو خلال عشر مباريات مع أستون فيلا يعادل عدد الأهداف التي سجلها خلال الموسمين الماضيين بالكامل مع برشلونة. يقول كرويف: «يمكن أن يحدث ذلك في عالم كرة القدم، وهذا ليس ذنب أحد». ومن المؤكد أن هذا الأمر يسعده أيضاً لأن تألق كوتينيو سيساعد برشلونة على بيعه بمقابل مادي جيد يساعد النادي في التغلب على مشاكله المالية.
كانت هناك اقتراحات بأن يتولى كرويف قيادة برشلونة بشكل مؤقت بعد إقالة رونالد كومان. وبدلاً من ذلك، تولى سيرجي بارخوان قيادة الفريق مؤقتاً حتى جاء تشافي. وتحسنت الأمور بشكل كبير تحت قيادة المدير الفني الإسباني الشاب، الذي يعمل معه كرويف عن كثب. يقول كرويف: «لقد كنت لاعباً ومدرباً ومديراً رياضياً، لكن لاعب كرة القدم هو أجمل شيء على الإطلاق، ولا أعرف ما الدور الذي سأقوم به في غضون 10 سنوات من الآن، لكن ما أعرفه حقاً هو أنني أركز بشكل كامل على أي دور أقوم به هنا، ولا أشتت انتباهي بأي شيء آخر. والقاعدة الأولى التي أؤمن بها دائماً هي ألا أنظر إلى وظيفة شخص آخر. ما يساعد أي مدير فني هو أن يضع نصب عينيه هدفاً معيناً يسعى لتحقيقه، وأن يكوّن فريقاً من 11 لاعباً متفاهمين للغاية فيما بينهم. قد تعتقد أن هذا اللاعب أو ذاك جيد للغاية، لكنه لا يناسب الطريقة التي يلعب بها فريقك. ومن المفيد مناقشة الأمور مع المديرين الفنيين بلغتهم الأصلية. هذا لا يعني بالضرورة أنك ستفهم الأمر بشكل صحيح، لكنه يساعدك في فهم اللاعب والمدرب بصورة أفضل ومعرفة احتياجات كل منهما».
من المؤكد أن برشلونة قد حقق نجاحاً كبيراً في فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، والدليل على ذلك أن الفريق لم يتعرض لأي خسارة منذ اليوم الأخير لفترة الانتقالات، حتى لو أكد كرويف أن الأمر لا يتعلق فقط باللاعبين الأربعة الجدد، والدليل على ذلك أن سيرجيو بوسكيتس وجيرارد بيكيه وجوردي ألبا يقدمون مستويات رائعة. يشير كرويف إلى أن إلقاء اللوم على اللاعبين القدامى هو «أسهل شيء»، مضيفاً: «يستحق المدير الفني الإشادة. صحيح أن اللاعبين الجدد ساعدوا في رفع مستوى الفريق وأضافوا قوة كبيرة وطاقة جديدة، لكن جميع اللاعبين أصبحوا يقدمون مستويات أفضل. يجب أن يكون هناك توازن».
ربما يكون «التوازن» هو أكثر شيء يحتاج إليه برشلونة في الوقت الحالي. لا يزال النادي يعاني من القيود المالية، ويتعين عليه التعامل مع هذه الأزمة في الوقت نفسه الذي يبحث فيه عن الالتزام بقواعد اللعب المالي النظيف لتسهيل إعادة بناء الفريق، ومدركاً أن مخاطر تعميق الديون لا تزال قائمة. هناك لحظة يتحدث فيها كرويف عن المشاكل الموروثة والتعاقدات التي ثبت فيما بعد أنها تمثل عبئاً كبيراً على النادي، وهو الأمر الذي يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل التعاقدات التي يبرمها الفريق حالياً يمكن أن تكون مشكلة فيما بعد؟ وماذا لو تحول الإصلاح قصير الأجل إلى التزام طويل الأجل؟ يقول كرويف: «الآن، يتم التحكم في الأمور بحيث لا ترتد علينا بشكل سلبي في المستقبل. يجب التحكم في الرواتب أيضاً، كما تجب إعادة هيكلة الأجور. هذه هي الطريقة التي يجب أن تسير بها الأمور، وإلا سيحدث تأثير سلبي».
تسير الأمور بشكل جيد حتى الآن، لكن لا تزال هناك طريق طويلة يتعين على النادي السير فيها، وإن كان هناك مسار واضح بشكل كبير الآن. دائماً ما ينظر رئيس برشلونة خوان لابورتا إلى يوهان كرويف على أنه مرشد روحي، ودائماً ما يسأل نفسه: ماذا كان سيفعل يوهان كرويف في هذا الموقف أو ذاك؟ ويعترف جوردي بأنه ينظر إلى يوهان كرويف بالنظرة نفسها، حيث نشأ وهو يرى قدرة والده على التنبؤ بما سيأتي. لذا، ماذا كان يوهان كرويف سيقول الآن؟ يقول جوردي ضاحكاً: «ما سيقوله بالضبط عن هذا الموقف، سأحتفظ به لنفسي. لكنه كان إيجابياً في جميع الأوقات وفي كل شيء. كنت دائماً مندهشاً من ذلك: حتى في أصعب لحظات حياته، كان متفائلاً».



عراقي فقد بصره يحقّق حلمه بتأسيس أول فريق كرة قدم للمكفوفين (صور)

أعضاء الفريق (أ.ف.ب)
أعضاء الفريق (أ.ف.ب)
TT

عراقي فقد بصره يحقّق حلمه بتأسيس أول فريق كرة قدم للمكفوفين (صور)

أعضاء الفريق (أ.ف.ب)
أعضاء الفريق (أ.ف.ب)

قبل 16 عاماً، فقد عثمان الكناني بصره فألمّ به خوف من فقدان صلته بكرة القدم التي يهواها منذ صغره. لكن إصراره على عدم الاستسلام دفعه إلى توظيف شغفه في تأسيس أوّل فريق للمكفوفين في العراق وإدارة شؤونه.

ويقول الرجل الذي يبلغ حالياً 51 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عندما فقدت بصري، عشت سنة قاسية، نسيت فيها حتى كيفية المشي، وأصبحت أعتمد في كل شيء على السمع».

أعضاء الفريق (أ.ف.ب)

في عام 2008، فقد المدير السابق لمكتبة لبيع الكتب واللوازم المدرسية، البصر نتيجة استعمال خاطئ للأدوية لعلاج حساسية موسمية في العين، ما أدّى إلى إصابته بمرض الغلوكوما (تلف في أنسجة العصب البصري).

ويضيف: «ما زاد من المصاعب كان ابتعادي عن كرة القدم». ودام بُعده عن رياضته المفضّلة 8 أعوام.

شكّل الكناني فريقاً لكرة الهدف حيث يستخدم اللاعبون المكفوفون أيديهم لإرسال الكرة إلى الهدف (أ.ف.ب)

لكن بدعم «مؤسسة السراج الإنسانية» التي شارك في تأسيسها لرعاية المكفوفين في مدينته كربلاء (وسط) في 2016، شكّل الكناني فريقاً لكرة الهدف، حيث يستخدم اللاعبون المكفوفون أيديهم لإرسال الكرة إلى الهدف.

وظلّ يلعب مع هذا الفريق حتى شكّل في عام 2018 فريقاً لكرة القدم للمكفوفين وتفرّغ لإدارة شؤونه.

ويتابع: «أصبحت كرة القدم كل حياتي».

واعتمد خصوصاً على ابنته البكر لتأمين المراسلات الخارجية حتى تَواصلَ مع مؤسسة «آي بي إف فاونديشن (IBF Foundation)» المعنيّة بكرة القدم للمكفوفين حول العالم.

يتّخذ الفريق من ملعب مخصّص للعبة خماسي كرة القدم في بغداد مكاناً لتدريباته 3 مرات أسبوعياً (أ.ف.ب)

وكانت «الفرحة لا توصف» حين منحته المؤسسة في عام 2022 دعماً ومعدات من أقنعة تعتيم للعيون وكُرات خاصة.

ويوضح: «هكذا انطلق الحلم الرائع».

ويؤكّد أن تأسيس الفريق أتاح له «إعادة الاندماج مع الأصدقاء والحياة»، قائلاً: «بعد أن انعزلت، خرجت فجأة من بين الركام».

4 مكفوفين... وحارس مبصر

وانطلق الفريق بشكل رسمي مطلع العام الحالي بعدما تأسّس الاتحاد العراقي لكرة القدم للمكفوفين في نهاية 2023، وتشكّل من 20 لاعباً من محافظات كربلاء وديالى، وبغداد.

ويستعد اليوم لأوّل مشاركة خارجية له، وذلك في بطولة ودية في المغرب مقرّرة في نهاية يونيو (حزيران).

ويتّخذ الفريق من ملعب مخصّص للعبة خماسي كرة القدم في بغداد، مكاناً لتدريباته 3 مرات أسبوعياً. ومن بين اللاعبين 10 يأتون من خارج العاصمة للمشاركة في التمارين.

يصيح اللاعبون بكلمة «فوي» («أنا أذهب» بالإسبانية) بغية تحديد أماكن وجودهم في الملعب (أ.ف.ب)

ومدّة الشوط الواحد 20 دقيقة، وعدد اللاعبين في المباراة 5، منهم 4 مكفوفون بالكامل بينما الحارس مبصر.

وخلال تمارين الإحماء، يركض اللاعبون في مجموعات من 4 ممسكين بأذرع بعضهم مع أقنعة على أعينهم.

وتتضمّن قواعد لعبة كرة القدم للمكفوفين كرات خاصة، ينبثق منها صوت جرس يتحسّس اللاعب عبره مكان الكرة للحاق بها.

ويقوم كلّ من المدرّب والحارس بتوجيه اللاعبين بصوت عالٍ.

يبلغ طول الملعب 40 متراً وعرضه 20 متراً (أ.ف.ب)

بعد ذلك، يأتي دور ما يُعرف بالمرشد أو الموجّه الذي يقف خلف مرمى الخصم، ماسكاً بجسم معدني يضرب به أطراف المرمى، لجلب انتباه اللاعب وتوجيهه حسب اتجاه الكرة.

ويصيح اللاعبون بكلمة «فوي» («أنا أذهب» بالإسبانية) بغية تحديد أماكن وجودهم في الملعب لئلّا يصطدموا ببعضهم.

وحين يمرّ بائع المرطبات في الشارع المحاذي للملعب مع مكبرات للصوت، تتوقف اللعبة لبضع دقائق لاستحالة التواصل سمعياً لمواصلة المباراة.

تمارين الإحماء لأعضاء الفريق (أ.ف.ب)

وبحسب قواعد ومعايير اللعبة، يبلغ طول الملعب 40 متراً وعرضه 20 متراً، بينما يبلغ ارتفاع المرمى 2.14 متر، وعرضه 3.66 متر (مقابل ارتفاع 2.44 متر، وعرض 7.32 متر في كرة القدم العادية).

لا تردّد... ولا خوف

وخصّصت اللجنة البارالمبية العراقية لألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة راتباً شهرياً للاعب قدره ما يعادل 230 دولاراً، وللمدرب ما يعادل تقريباً 380 دولاراً.

لكن منذ تأسيس الفريق، لم تصل التخصيصات المالية بعد، إذ لا تزال موازنة العام الحالي قيد الدراسة في مجلس النواب العراقي.

ويشيد رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم للمكفوفين طارق الملا (60 عاماً) بالتزام اللاعبين بالحضور إلى التدريبات «على الرغم من الضائقة المالية التي يواجهونها».

اللاعبون يملكون روح الإصرار والتحدي (أ.ف.ب)

ويوضح: «البعض ليست لديه موارد مالية، لكن مع ذلك سيتحمّلون تكاليف تذاكر السفر والإقامة» في المغرب.

ويضيف: «أرى أن اللاعبين لديهم إمكانات خارقة لأنهم يعملون على مراوغة الكرة وتحقيق توافق عضلي عصبي، ويعتمدون على الصوت».

ويأمل الملّا في أن «تشهد اللعبة انتشاراً في بقية مدن البلاد في إطار التشجيع على ممارستها وتأسيس فرق جديدة أخرى».

ودخل الفريق معسكراً تدريبياً في إيران لمدة 10 أيام، إذ إن «المعسكر الداخلي في بغداد غير كافٍ، والفريق يحتاج إلى تهيئة أفضل» للبطولة في المغرب.

وعلى الرغم من صعوبة مهمته، يُظهر المدرّب علي عباس (46 عاماً) المتخصّص بكرة القدم الخماسية قدراً كبيراً من التفاؤل.

خلال تمارين الإحماء يركض اللاعبون في مجموعات من 4 ممسكين بأذرع بعضهم مع أقنعة على أعينهم (أ.ف.ب)

ويقول: «اللاعبون يملكون روح الإصرار والتحدي، وهذا ما يشجعني أيضاً».

ويشير عباس، الذي يكرس سيارته الخاصة لنقل لاعبين معه من كربلاء إلى بغداد، إلى أن أبرز صعوبات تدريب فريق مثل هذا تتمثل في «جعل اللاعبين متمرّسين بالمهارات الأساسية للعبة لأنها صعبة».

وخلال استراحة قصيرة بعد حصّة تدريبية شاقّة وسط أجواء حارّة، يعرب قائد الفريق حيدر البصير (36 عاماً) عن حماسه للمشاركة الخارجية المقبلة.

ويقول: «لطالما حظيت بمساندة أسرتي وزوجتي لتجاوز الصعوبات» أبرزها «حفظ الطريق للوصول من البيت إلى الملعب، وعدم توفر وسيلة نقل للاعبين، والمخاوف من التعرض لإصابات».

ويطالب البصير الذي يحمل شهادة في علم الاجتماع، المؤسّسات الرياضية العراقية الحكومية «بتأمين سيارات تنقل الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أماكن التدريب للتخفيف من متاعبهم».

ويضيف: «لم تقف الصعوبات التي نمرّ بها حائلاً أمامنا، ولا مكان هنا للتردد، ولا للخوف».