أبو زيد يحشر «التيار الوطني» ويحاصر مرشحه في جزين

النائب السابق أمل أبو زيد (الوكالة المركزية)
النائب السابق أمل أبو زيد (الوكالة المركزية)
TT

أبو زيد يحشر «التيار الوطني» ويحاصر مرشحه في جزين

النائب السابق أمل أبو زيد (الوكالة المركزية)
النائب السابق أمل أبو زيد (الوكالة المركزية)

أعاد النائب اللبناني السابق أمل أبو زيد بسحب ترشيحه عن المقعد الماروني في دائرة جزين - صيدا (5 مقاعد نيابية)، خلط الأوراق اقتراعاً بعد أن اكتمل تسجيل اللوائح بأسماء المرشحين لدى وزارة الداخلية والبلديات، وتسبب في حشر «التيار الوطني الحر» في الزاوية؛ لأنه، كما قال في تغريدته إلى مؤيديه، «لا يشرفني أن أكون في نفس اللائحة مع السيئ الذكر»، في إشارة مباشرة إلى غريمه المرشح الماروني النائب زياد أسود الذي يواجه صعوبة في إيجاد الحليف الصيداوي لضمه إلى لائحته ولم يعد من خيار أمامه سوى التعاون مع مرشحين من «أهل البيت» يفتقدون التأثير في الشارع الصيداوي.
فأبو زيد، المقرب من رئيس الجمهورية ميشال عون ويشغل حالياً منصب مستشاره للشؤون الروسية، استبق قراره سحب ترشيحه بتكليف نجله حكمت أبو زيد بالتواصل مع عدد من الشخصيات الصيداوية لوضعها بالنيابة عن والده في الأسباب الجوهرية التي أملت عليه الانسحاب.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر صيداوية أن أبو زيد كان يدرس منذ أسابيع عدة سحب ترشيحه في حال أن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لم يعط أهمية لحصيلة اللقاءات التي عقدها مع الشخصيات الصيداوية والمراجع الروحية في عاصمة الجنوب، خصوصاً أن المداولات التي جرت تمت على مسمع من ممثل باسيل في جزين جورج نمر الذي رافق أبو زيد في جولاته الصيداوية.
وكشفت المصادر الصيداوية عن أن جميع المرجعيات أجمعت على توجيه انتقادات شديدة اللهجة للنائب أسود على خلفية مواقفه المتطرفة التي لا تخدم الحفاظ على السلم الأهلي وتهدد العيش المشترك بين صيدا وجزين، بإعادة إحياء خطوط التماس بينهما.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن المرجعيات الصيداوية وصفت مواقف أسود بالعدائية وبعدم مراعاته للذين تحالفوا معه في دورة الانتخابات السابقة، وأكدت أن أبو زيد سعى لجس نبض القوى السياسية وما إذا كانت مستعدة للتعاون معه في حال أنه قرر الافتراق عن النائب أسود.
وقالت إنه لقي كل ترحيب للتعاون معه، لكنها رأت أنه من السابق لأوانه تحديد موقفها النهائي بالتعاون معه ما لم يقرر انفصاله عن أسود وعدم التحالف معه على لائحة واحدة، وقالت إن تريثها يعود إلى أن الرئيس عون سيضغط على أبو زيد للتعاون مع أسود، وكذلك الحال بالنسبة إلى باسيل، رغم أن موفده إلى صيدا برفقة أبو زيد توصل إلى قناعة بأن هناك استحالة لإيجاد حليف صيداوي للائحة المدعومة من «التيار الوطني» ما دام أسود باقياً كرقم صعب على اللائحة.
وعدّت المصادر نفسها أن عزوف أبو زيد لم يأت من فراغ، وإنما جاء تتويجاً لقراءته للتوجهات التي تحكم الشارع الصيداوي الرافض مبدأ التعاون مع أسود، وقالت إن استمراره في المعركة يخدم أسود بذريعة أنه سيستفيد من الحاصل الانتخابي في حال تأمن له الفوز بالمقعد الماروني إلى جانب مرشح كتلة «التنمية والتحرير» النائب إبراهيم عازار، وبالتالي «لم يعد من خيار له سوى الخروج من المبارزة الانتخابية؛ وإلا فسيتحول إلى سائق (باص) لإيصال أسود إلى الندوة البرلمانية».
لذلك ارتأى أبو زيد الانسحاب من المعركة؛ لأنه، كما قال في تغريدته، «من غير الوارد أن أترافق معه ونلتقط الصور معاً ونقوم بجولات معاً في ظل هذا العداء الشخصي والمهني والسياسي»، من دون أن ينسحب قراره على الخروج من «التيار الوطني».
وعليه؛ يبقى السؤال: هل سيؤمن أسود الحاصل الانتخابي في حال أن نسبة الاقتراع كانت مرتفعة عما كانت عليه في الانتخابات السابقة؟ وأين يقف «حزب الله» من قرار أبو زيد؟ وهل سيضطر للتعويض عن انسحابه بتجيير ما لديه من أصوات شيعية في قضاء جزين لمصلحة باسيل ممثلاً بأسود الذي قرر الدخول في مهادنة انتخابية مع الحزب بعد أن شكل رأس حربة وتزعم فريق الصقور بداخل «التيار الوطني» في شن أعنف الحملات السياسية ضده في سياق مطالبته بإعادة النظر في ورقة التفاهم؟
فخروج أبو زيد من المنازلة الانتخابية أدى إلى حشر باسيل في الزاوية وشكل حصاراً انتخابياً لمرشحه أسود، وهذا ما يقود للسؤال عن موقف «حزب الله» المؤيد لعازار ولائحته، فهل سيضطر لتهريب الأصوات ولو من تحت الطاولة للنائب أسود، أم سيلتزم بتحالفه الاستراتيجي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري؟
لكن قرار أبو زيد استدعى تدخلاً من الرئيس عون وباسيل لثنيه عن انسحابه مع أن الضغوط التي استهدفته لن تؤدي إلى استيعاب التداعيات التي خلفتها القنبلة التي فجرها بإعلان انسحابه، وبالتالي ستبقى شظاياها حاضرة لصعوبة ترميم علاقته بحليفه «اللدود» النائب أسود، وبالتالي هناك استحالة لجمعهما على لائحة واحدة لئلا يعرض مصداقيته إلى اهتزاز يرفع من منسوب التكاليف السياسية التي سيدفعها إذا ما استجاب للضغوط، خصوصاً أنه لن يجد ما سيقوله للرأي العام لتبرير تراجعه.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.