«عقد اجتماعي» جديد و«انتخابات ديمقراطية» محلية في شرق الفرات

قيادية كردية: يتمسك بوحدة الأراضي السورية ولا يتعارض مع اللجنة الدستورية

TT

«عقد اجتماعي» جديد و«انتخابات ديمقراطية» محلية في شرق الفرات

بعد انتهاء اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف نهاية الشهر الماضي وعدم تحقيق أي اختراق يذكر في أعمالها، ودخول الحرب السورية عامها الثاني عشر، واستمرار التقسيمات العسكرية، وثبات خطوط النار بين مناطق النفوذ الثلاث، يتجه أبناء مناطق شمال شرقي البلاد، التي باتت تعرف بـ«شرقي الفرات»، إلى تنظيم انتخابات محلية، لاختيار أعضاء المجلس العام (بمثابة برلمان مصغر) ومجالس الأقاليم والمقاطعات، وهي عبارة عن هياكل حكم محلية لإدارتها مدنياً، بعد انتهاء لجنة متخصصة من كتابة مسودة «العقد الاجتماعي» الذي ينتظر تصديق المجلس الحالي وانتزاع اعتراف شرعي من سكان المناطق وقادة المجتمع المحلي وممثلي الأطياف والأديان.
تقول فوزة يوسف، عضو اللجنة المصغرة لكتابة «العقد الاجتماعي»، في حديثها مع «الشرق الأوسط»، إن هذا العقد بمثابة دستور محلي ناظم واتفاق ضمني بين أفراد المجتمع وهياكل الحكم المحلية، لتحديد علاقة بعضهم ببعض وعلاقتهم مع سلطات الإدارة الذاتية التي تدير المنطقة شرق الفرات منذ سنوات، وهذه المناطق تخضع عسكرياً لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن. وأقرّ المجلس العام الحالي، ومقره مدينة الرقة، الواقعة شمال سوريا، في شهر يونيو (حزيران) العام الماضي، تكليف لجنة لكتابة مسودة «العقد» التي انتهت من إعداد وكتابة المسودة بداية العام الحالي.
وعن عدد أعضاء اللجنة وتمثيلها، قالت فوزة يوسف إنها كانت مؤلفة من الأحزاب السياسية وممثلي المجتمع المدني والحركة النسوية ومجالس الشعب للأقاليم، «على هذا الأساس تم تحديد (كوتا) لهذه الكيانات، فاللجنة مشكلة من 158 عضواً، وفي الاجتماع التأسيسي الأول تم إقرار اختيار 30 شخصاً كلجنة مصغرة لإعداد وكتابة المسودة، وعلى مدار 9 أشهر ناقش أعضاؤها مواد وبنوداً لتنظيم عمل الإدارة من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة»، وتضيف: «النقطة الرئيسية أبعد من مجرد فرض السلطة الحاكمة والذات، بقدر ما توصلنا إلى نتيجة أن يقنع بعضنا بعضاً، لحاجتنا إلى عقد ينظم العلاقة بين الأفراد والمؤسسات والسلطات الحاكمة».
وعن مراجع المصادر الدستورية والتشريعات التي اعتمدت عليها اللجنة، أكدت القيادية الكردية أنهم اطّلعوا على دساتير بعض دول الجوار، من بينها العراق لقربها الجغرافي، وبعض الدساتير الأوروبية، مثل سويسرا والنرويج والسويد، «حتى أكون دقيقة أكثر اعتمدنا على نماذج الدول ذات النظام الفيدرالي كالعراق وسويسرا، ولم نعتمد على الدستور السوري كونه يحمل خطاباً مركزياً لكننا اطلعنا عليه من الجانب القانوني بشكل مفصل»، والمقاربة التي تلخصت في العقد الجديد تلخصت في 3 نقاط رئيسية؛ أولها اعتماد بعض المبادئ العالمية في الحقوق والحريات، ثانيها الاستفادة من التجارب الديمقراطية العالمية الأكثر عدلاً ومساواة بين شعوبها، وثالثها عدم تقليد أي تجربة.
وتابعت يوسف حديثها لتقول: «حرصنا على مقاربة نابعة من احتياجاتنا ونظرتنا ورؤيتنا الخاصة للأمور بعد تجربة سنوات في الحكم، لإضافة قيم ومبادئ نابعة من تجربة أبناء المنطقة في الحكم الرشيد»، وضربت أمثلة بعدم وجود نموذج الرئاسة المشتركة بين رجل وسيدة بالحكم في العالم وهذا شيء جديد أضافوه، «كذلك نسبة الـ50 في المائة (كوتا) ثابتة بالنسبة للنساء، وهي لا توجد في تجربة بلد آخر، فهذه أيضاً إضافة جديدة»، وتخصيص مقاعد للمجتمع المدني في المجالس وتضمين تمثيل جميع شرائح المجتمع، وهذه الأمور ذات أهمية بالغة في نجاح تجربة الإدارة، بحسب عضو اللجنة المصغرة.
ومنذ بداية العام 2014، يدير «حزب الاتحاد الديمقراطي السوري» أحد أبرز الأحزاب السياسية الكردية بالتحالف مع جهات وأحزاب سياسية عربية ومسيحية وكردية شريكة، مناطق شاسعة شرق الفرات، تضم 7 مدن وبلدات حضرية منتشرة في 4 محافظات سورية بريف حلب الشرقي والشمالي، ومدينة الرقة وقسم من ريفها وريف دير الزور الشرقي ومحافظة الحسكة وكامل ريفها، وتقدر مساحتها ثلث الأراضي السورية البالغة 185 ألف كيلومتر مربع.
وبعد تجربة هذه السنوات، تقول يوسف: «توصلنا لنتيجة مفادها أن يكون لكل فرد دور في بناء هذا المجتمع، وألا نعمل على جعل البعض سلطة والآخر معارضة، يعني ألا يكون العقد الاجتماعي عقداً بين أحزاب سياسية بقدر ما يكون دستور جامعاً، وعدم تكرار الأخطاء السابقة».
ولطالما حذّرت الحكومة السورية والمعارضة وداعموهم روسيا وتركيا، على حدّ سواء، من أن تؤدي هذه الخطوات إلى تقسيم البلاد، عبر فرض أمر الواقع وترسيخ نظامها السياسي، لكن يوسف قالت: «في ديباجة العقد والخاتمة وفي كثير من البنود وضعنا مبادئ أساسية، أننا مؤمنون ومتمسكون بوحدة الأراضي السورية، وأن شمال شرقي البلاد جزء لا يتجزأ من وحدة سوريا أرضاً وشعباً»، ولفتت إلى بنود ومواد واضحة، يتضمنها العقد الاجتماعي، تنص على: «عند التوافق على مستوى البلاد على دستور توافقي، فإن هذا العقد الاجتماعي سيتم تغييره تماشياً مع المصلحة الوطنية العامة».
لكنها شككت بنفس الوقت من قرب انتهاء الحرب الدائرة في بلدها، وزادت قائلة: «هذه الأزمة ستطول أكثر، لذلك نحن مضطرون للتعامل مع الأمر لتنظيم حياتنا ومؤسساتنا الشعبية، وبالعودة إلى أبرز مطالب الحراك الشعبي ببدايته 2011 فأساسه كان تغيير الدستور»، ونقلت أن المكون الكردي في سوريا قبل الأزمة كانت حقوقهم غير مصانة، «فكيف لنا أن نعترف بدستور لا يعترف بنا أصلاً، أما أعضاء المكون العربي فلم يجدوا أنفسهم ممثلين بالدستور، وخاصة أبناء دير الزور والرقة والحسكة، لأنهم كانوا خارج صناعة القرار المركزي الذي كان يصدر من دمشق». وأوضحت أن ثروات البلاد التي منبعها هذه المحافظات، شمال شرقي البلاد، لم تعد خيراتها على أبناء هذه المناطق، «عكس هذه المحافظات التي كانت نائية ومهمشة وبعيدة عن دائرة صنع القرار»، على حد تعبيرها.
والمسودة كُتبت بغياب ممثلي أحزاب تحالف «المجلس الوطني الكردي» المعارض، أحد أبرز الكيانات السياسية، وينضوي في الائتلاف السوري المعارض، و«الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي»، ويُعد من بين أكبر الأحزاب الكردية في سوريا و«المنظمة الآثورية الديمقراطية» المنضوية في صفوف المعارضة.



إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)

اعترضت إسرائيل صاروخين باليستيين أطلقتهما الجماعة الحوثية في سياق مزاعمها مناصرة الفلسطينيين في غزة، السبت، قبل يوم واحد من بدء سريان الهدنة بين تل أبيب وحركة «حماس» التي ادّعت الجماعة أنها تنسق معها لمواصلة الهجمات في أثناء مراحل تنفيذ الاتفاق في حال حدوث خروق إسرائيلية.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تشن الجماعة المدعومة من إيران هجمات ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي، وتطلق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، وتهاجم السفن الحربية الأميركية، ضمن مزاعمها لنصرة الفلسطينيين.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان متلفز، عصر السبت، بتوقيت صنعاء، إن جماعته نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع «ذو الفقار»، وإن الصاروخ وصل إلى هدفه «بدقة عالية وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي له»، وهي مزاعم لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

وأضاف المتحدث الحوثي أن قوات جماعته تنسق مع «حماس» للتعامل العسكري المناسب مع أي خروق أو تصعيد عسكري إسرائيلي.

من جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي باعتراض الصاروخ الحوثي، ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن صافرات الإنذار والانفجارات سُمعت فوق القدس قرابة الساعة 10.20 (الساعة 08.20 ت غ). وقبيل ذلك دوّت صافرات الإنذار في وسط إسرائيل رداً على إطلاق مقذوف من اليمن.

وبعد نحو ست ساعات، تحدث الجيش الإسرائيلي عن اعتراض صاروخ آخر قبل دخوله الأجواء، قال إنه أُطلق من اليمن، في حين لم يتبنّ الحوثيون إطلاقه على الفور.

ومع توقع بدء الهدنة وتنفيذ الاتفاق بين إسرائيل و«حماس»، من غير المعروف إن كان الحوثيون سيتوقفون عن مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، وخليج عدن؛ إذ لم تحدد الجماعة موقفاً واضحاً كما هو الحال بخصوص شن الهجمات باتجاه إسرائيل، والتي رهنت استمرارها بالخروق التي تحدث للاتفاق.

1255 صاروخاً ومسيّرة

زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي استعرض، الخميس، في خطبته الأسبوعية إنجازات جماعته و«حزب الله» اللبناني والفصائل العراقية خلال الـ15 شهراً من الحرب في غزة.

وقال الحوثي إنه بعد بدء سريان اتفاق الهدنة، الأحد المقبل، في غزة ستبقى جماعته في حال «مواكبة ورصد لمجريات الوضع ومراحل تنفيذ الاتفاق»، مهدداً باستمرار الهجمات في حال عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري.

جزء من حطام صاروخ حوثي وقع فوق سقف منزل في إسرائيل (أ.ف.ب)

وتوعّد زعيم الجماعة المدعومة من إيران بالاستمرار في تطوير القدرات العسكرية، وقال إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1255 صاروخاً وطائرة مسيرة، بالإضافة إلى العمليات البحرية، والزوارق الحربية.

وأقر الحوثي بمقتل 106 أشخاص وإصابة 328 آخرين في مناطق سيطرة جماعته، جراء الضربات الغربية والإسرائيلية، منذ بدء التصعيد.

وفي وقت سابق من يوم الجمعة، أعلن المتحدث الحوثي خلال حشد في أكبر ميادين صنعاء، تنفيذ ثلاث عمليات ضد إسرائيل، وعملية رابعة ضد حاملة الطائرات «يو إس إس ترومان» شمال البحر الأحمر، دون حديث إسرائيلي عن هذه المزاعم.

وادعى المتحدث سريع أن قوات جماعته قصفت أهدافاً حيوية إسرائيلية في إيلات بـ4 صواريخ مجنحة، كما قصفت بـ3 مسيرات أهدافاً في تل أبيب، وبمسيرة واحدة هدفاً حيوياً في منطقة عسقلان، مدعياً أن العمليات الثلاث حقّقت أهدافها.

كما زعم أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «ترومان» شمال البحر الأحمر، بعدد من الطائرات المسيرة، وهو الاستهداف السابع منذ قدومها إلى البحر الأحمر.

5 ضربات انتقامية

تلقت الجماعة الحوثية، في 10 يناير (كانون الثاني) 2025، أعنف الضربات الإسرائيلية للمرة الخامسة، بالتزامن مع ضربات أميركية - بريطانية استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء وعمران ومحطة كهرباء جنوب صنعاء وميناءين في الحديدة على البحر الأحمر غرباً.

وجاءت الضربات الإسرائيلية الانتقامية على الرغم من التأثير المحدود للمئات من الهجمات الحوثية، حيث قتل شخص واحد فقط في تل أبيب جراء انفجار مسيّرة في شقته يوم 19 يوليو (تموز) 2024.

مطار صنعاء الخاضع للحوثيين تعرض لضربة إسرائيلية انتقامية (أ.ف.ب)

وإلى جانب حالات الذعر المتكررة بسبب صفارات الإنذار وحوادث التدافع في أثناء الهروب للملاجئ، تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ حوثي، في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كما أصيب نحو 20 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في الـ21 من الشهر نفسه.

واستدعت الهجمات الحوثية أول رد من إسرائيل، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتَي توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

دخان يتصاعد في صنعاء الخاضعة للحوثيين إثر ضربات غربية وإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر 2024، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.