البرهان يلوّح بطرد المبعوث الأممي من السودان

في خطوة تهدف إلى تحجيم دور البعثة في العملية السياسية

فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» (أ.ف.ب)
فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» (أ.ف.ب)
TT

البرهان يلوّح بطرد المبعوث الأممي من السودان

فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» (أ.ف.ب)
فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» (أ.ف.ب)

هدد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، بطرد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، فولكر بيرتس، من البلاد، في خطوة تهدف إلى تحجيم دور البعثة في العملية السياسية بين الأطراف السودانية لحل الأزمة.
وقال البرهان بصفته القائد العام للقوات المسلحة السودانية، خلال مخاطبته حفل تخريج ضباط من الكلية الحربية أول من أمس: «إن على رئيس البعثة الأممية فولكر أن يكف عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة، والتدخل السافر في الشأن السوداني»، مضيفاً أن ذلك «سيؤدي إلى طرده» من البلاد؛ داعياً الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتسهيل الحوار بين السودانيين، وتجنب تجاوز تفويضهم والتدخل في شؤون البلاد.
وجدد البرهان التأكيد على أن القوات المسلحة «لا تريد حكم البلاد وحدها، ولم تتوقف عن دعوة لجان المقاومة والقوى الوطنية للحوار والتوافق الوطني المنشود»، مؤكداً عدم وجود أي اعتراض على أي مبادرة تحقق هذا الهدف.
وشدد على أن الصراعات القبلية والمعاناة التي تحدث، هي نتيجة مزايدات القوى السياسية التي ما زالت تتمنع عن التفاوض والحوار.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخارجية السودانية عن اتجاه لاتخاذ إجراءات تروم تحجيم الدور السياسي للبعثة الأممية في البلاد. وقالت إنها شرعت على الفور في إعادة توجيه عمل البعثة إلى الجوانب الأساسية في تفويضها، مثل دعم اتفاق جوبا للسلام، ودعم تنفيذ البرتوكولات الملحقة بالاتفاق، والترتيبات الأمنية وقضايا النازحين واللاجئين والأرض، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات، بدل تركيز جل نشاطها في الجانب السياسي.
وأعلنت البعثة الأممية في السودان «يونيتامس» عن إطلاق المرحلة الثانية للمحادثات بين الأطراف السودانية في غضون الأسبوعين المقبلين. وسبق لمجلس السيادة الانتقالي في السودان أن طالب بإشراك الاتحاد الأفريقي في المبادرة الأممية لحل الأزمة في البلاد.
وأثار تقرير رئيس البعثة الأممية لمجلس الأمن، الأسبوع الماضي، بخصوص الوضع في السودان الذي كشف فيه عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية والإنسانية، حالة من الغضب في دوائر الحكم العسكري؛ حيث تحدث التقرير عن استمرار القمع العنيف من قبل السلطات العسكرية في مواجهة المتظاهرين المطالبين بإنهاء الحكم العسكري في الخرطوم، وقال إن المحتجين يُقتلون أو يعانون من إصابات خطيرة بالذخيرة الحية، مبرزاً أن الاعتقالات تستهدف لجان المقاومة والقادة السياسيين بتهم جنائية، إلى جانب تقارير عن ازدياد التوترات بين مختلف قوات الأمن وداخلها.
ورهنت البعثة نجاح المحادثات بوقف العنف، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء تدريجي لحالة الطوارئ الراهنة في البلد. وتحظى مبادرة الأمم المتحدة بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي ومنظمة «إيقاد» لتسيير العملية السياسية بين الفرقاء السودانيين، بدعم دولي كبير.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم البعثة الأممية، فادي القاضي، أول من أمس، ترحيبه بتجديد تأييد أعضاء «مجموعة أصدقاء السودان» المتواصل للعملية السياسية التي يقودها السودانيون، والتي تيسرها «يونيتامس» والاتحاد الأفريقي و«إيقاد» معاً، باعتبارها وسيلة لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة، واستعادة الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وتضم «مجموعة أصدقاء السودان» كلاً من: كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والسعودية، وهولندا، والنرويج، وإسبانيا، والسويد، والإمارات، وبريطانيا، وأميركا، والاتحاد الأوروبي.
وحثت المجموعة جميع الأطراف السودانية على المشاركة في المرحلة الثانية من المشاورات، والتعاون مع المسيرين الدوليين والإقليميين لإنجاح علمية سياسية، تؤدي إلى استعادة حكومة انتقالية ذات مصداقية متفق عليها، تمهد الطريق لاستعادة المساعدات الاقتصادية، وتخفيف الديون الدولية.
وحذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من خطورة الأوضاع في السودان، ودعت جميع الأطراف للدخول في مفاوضات لإيجاد حل عاجل للأزمة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.