«المنظمة الدولية» ترحّل من ليبيا60 ألف مهاجر في 7 أعوام

وسط استمرار تدفق المئات بقصد الفرار إلى أوروبا

TT

«المنظمة الدولية» ترحّل من ليبيا60 ألف مهاجر في 7 أعوام

في ظل تدفق مئات المهاجرين غير النظاميين على السواحل الليبية بشكل شبه يومي، قالت المنظمة الدولية للهجرة إنها ساعدت في ترحيل 60 ألف مهاجر من ليبيا إلى بلدانهم خلال السنوات السبع الماضية بطريقة «آمنة وكريمة»، عبر برنامج العودة الإنسانية الطوعية.
وأنقذ حرس السواحل الليبي نهاية الأسبوع الماضي 203 مهاجرين غير نظامي شمال منطقة أبوكماش البحرية بأقصى غرب البلاد، في عمليتين مستقلتين.
وتتكرر عمليات إنقاذ المهاجرين غير النظاميين من وقت لآخر قبالة السواحل الليبية، حيث يتم إعادة المهاجرين، واحتجازهم في مراكز للإيواء لحين تسهيل عملية عودتهم لبلدانهم، أو إلى بلد ثالث مستضيف، وفقاً لبرنامج العودة الطوعية الذي ترعاه منظمة الهجرة.
ووصفت المنظمة الدولية في بيان لها مساء أول من أمس هذا البرنامج الطوعي، الذي تم تفعيله منذ عام 2015 بأنه «شريان حياة حاسم» للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل من 46 دولة مختلفة عبر أفريقيا وآسيا ويرغبون في العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم.
وقال فيديريكو صودا، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، إن «الدعم الذي تقدمه تزداد أهميته بالنظر إلى التقارير المقلقة عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين في ليبيا». ورأى أن «توفير الوصول إلى العودة الإنسانية والكريمة، وإعادة الإدماج يسمح لأولئك الذين تقطعت بهم السبل أو المحتجزين في ليبيا بالعودة إلى ديارهم». مبرزاً أن نحو 47 في المائة من المهاجرين غير النظاميين، الذين تمت مساعدتهم على العودة من خلال البرنامج، كانوا يقيمون في مراكز للاحتجاز، بينما كان الباقون يعيشون طلقاء في المدن الليبية الحضرية. لكنه قال إنه منذ ظهور جائحة «كورونا» في مارس (آذار) 2020. تزايدت طلبات الراغبين بشكل طفيف للعودة الطوعية من الفئات المقيمة في الحضر.
ونوهت المنظمة الدولية بأن القيود المفروضة على التنقل خلال العامين الماضيين بسبب الجائحة عطّلت عملية ترحيل المهاجرين، مما تسبب في تراكم أعداد الذين ينتظرون دورهم في العودة، لافتة إلى أنها وسعت من عملياتها للانتهاء من قوائم الانتظار.
ويُمول برنامج العودة الإنسانية الطوعية من قبل الاتحاد الأوروبي في إطار المبادرة المشتركة بين الاتحاد والمنظمة الدولية للهجرة لحماية المهاجرين وإعادة الإدماج. ونقلت المنظمة الدولية جانباً من معاناة المهاجر النيجيري أولواتوبي (26 عاماً)، الذي غادر بلاده عام 2016 للبحث على عمل في ليبيا. وروى أولواتوبي تفاصيل رحلته التي استغرقت 8 أيام وسط الصحراء المترامية، التي بدأت من أغاديز بنيجيريا، وصولاً إلى مدينة سبها بجنوب ليبيا، في أجواء وصفها بأنها «مخيفة ومليئة بالمخاطر».
وقال أولواتوبي إنه بعد فترة من الإقامة في سبها، انتقل إلى بنغازي بشرق البلاد، وهناك تمكن من الحصول على عمل، قبل أن يظهر «كوفيد - 19» الذي أصاب الاقتصاد المحلي بالركود، وأضر بسوق العمل، ليجد أولواتوبي نفسه في حاجة ملحة للعمل قصد إعالة أسرته في نيجيريا، وأضاف موضحاً: «كنت أتقاسم غرفة نوم واحدة مع 10 أصدقاء آخرين»؛ غير أنه بمجرد أن تعرف على برنامج العودة الطوعية، فضل العودة إلى بلده «بطريقة أكثر أمناً» بحسب منظمة الهجرة.
وسبق لجهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة مناقشة تفعيل عمل الدوريات الصحراوية على القواطع الحدودية، وتتبع مسارات تهريب المهاجرين، ومكافحة العصابات التي تمتهن الاتجار بالبشر، وذلك في اجتماع موسع، ضم منتسبي الجهاز على مستوى ليبيا من مديري الإدارات ورؤساء المكاتب، والضباط وضباط الصف، وموظفين تابعين للمناطق الغربية والوسطى والجنوبية.
وتمكن 97 مهاجراً، من بينهم 37 امرأة و9 قاصرين، من الوصول إلى سواحل جزيرة لامبيدوزا الصقلية قبل نهاية مارس (آذار) الماضي، وفقاً وكالة «آكي» الإيطالية. ونقلت الوكالة عن مصادر أمنية أن المهاجرين «وصلوا من خلال ثلاث عمليات رسو مختلفة، بعد اعتراضهم قبالة جزيرة لامبيوني وسواحل لامبيدوزا، حيث نقلوا بعد إجراءات طبيبة أولية إلى منطقة إيمبرياكولا، التي تستضيف حاليا 124 شخصاً».
وتنشط العصابات المتاجرة بالبشر في مناطق عديدة بالبلاد بقصد خطف المهاجرين وإعادة بيعهم، أو تسهيل عملية نقلهم سراً إلى السواحل الليبية بقصد التمهيد لفرارهم عبر قوارب إلى الشواطئ الأوروبية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.