وجد الشعر الشعبي منذ عرف الإنسان المقدرة الفنية على الإبداع، والتصق بالوجدان العام وأصبح أكثر قرباً من الجماعة البشرية، معبراً عن أحلامها وهمومها الوطنية والإنسانية في مختلف البلدان والثقافات. هذا ما يذهب إليه الباحث أمين رسمي عبد الصمد في كتابه «الشعر الشعبي في الواحات البحرية». وحول هذا النوع من الشعر وأين نشأ؟ يرى الباحث أن البداية كانت في الجزيرة العربية قديماً، حيث اللهجات المتنوعة تم امتصاصها وهضمها في لغة شبه قياسية هي اللغة الرسمية، ثم دخلت لهجات أخرى مع تطور العرب وتوسع دولتهم في العصور المختلفة حتى ظهر ما يسمي «لحن الكلام» خارج سياق اللهجة المعتمدة. وهكذا نشأ الشعر الشعبي وكان يعرف باسم «الرجز» وكان يشيع في أغاني الأفراح والاحتفالات والحِداء وأغاني العمل وأناشيد الحروب التي كانت تبث الحماسة في نفوس المقاتلين، كما عرف بـاسم «الفنون الملحونة» وتفرعت عنه أشكال فنية في شرق العالم العربي وأشهرها المواليا «الموال» وفي المغرب العربي ظهر «الزجل» وهو أيضاً من أشهر تلك الأشكال.
وهكذا، يتضح أن الشعر الشعبي وجد منذ ظهرت للإنسان المقدرة الفنية على الإبداع ومن ثم فهو قديم قدم التعبير الإنساني. وتتعدد التعريفات الخاصة بالشعر الشعبي لكنها لا تخرج عن كونه فناً قولياً يقوم على اللغة الشعبية، ويتخذ من الإيقاع أساساً للتشكيل الرمزي، وهو من أنواع الأدب وأحد أجناس الفن الذي تنتجه الجماعة الشعبية على أساس التجانس الاجتماعي والثقافي الذي يجمع أفرادها. وترى الباحثة الأميركية روث فينجيان أن الشعر الشعبي هو الشعر الشفاهي وهو «عبارة عن قصائد غير مكتوبة سواء كان ذلك بسبب أن الثقافات التي تظهر فيها غير كتابية جزئياً أو كلياً أو بسب أن الأشكال الشفاهية تحفظها الذاكرة رغم الكتابية التامة للشعوب والمجال الدقيق لهذا المصطلح محل خلاف، ولكنه يشمل في الغالب الشعر الذي يؤلَّف ويؤدَّى شفاهياً في الأساس، وذلك الذي وصل إلينا عن طريق التناقل المكتوب مثل بعض الملاحم المبكرة».
وينتقل الباحث إلى تطبيق تلك المفاهيم النظرية على إبداعات الواحات البحرية في مصر التي تقع في الصحراء الغربية وهي عبارة عن منخفض وسط الصحراء يميزها مناخ قاري، شديد الحرارة صيفاً، قارس البرودة شتاءً. ويرصد الباحث عدة أشكال فنية للقصيدة الشعبية بين سكان هذه الواحات مثل «المجرودة» و«حداء الإبل» و«القصدان» و«الموال»، حيث كان يستعين الشاعر في إلقائها بالطرق على آنية معدنية لصنع إيقاع قبل أن تدخل الآلات الموسيقية مثل الأورج والطبلة والأرغول والسمسمية.
وأما عن أشهر موضوعات وأغراض الشعر الشعبي في الواحات البحرية فيمكن اختزالها في الغزل والهجاء والفخر والكرم والروح الوطنية.
الكتاب صدر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 364 من القطع المتوسط.
«الشعر الشعبي» ظهر مع مقدرة الإنسان على الإبداع فنياً
«الشعر الشعبي» ظهر مع مقدرة الإنسان على الإبداع فنياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة