حنين لـ«الشرق الأوسط»: جميل أن نقلب الصفحة ونقوم بحالة عبور

تنكبّ حالياً على كتابة أغانيها

تتمنى حنين أن تطلق حفلاً غنائياً من لبنان بعنوان «حنين حول العالم»
تتمنى حنين أن تطلق حفلاً غنائياً من لبنان بعنوان «حنين حول العالم»
TT

حنين لـ«الشرق الأوسط»: جميل أن نقلب الصفحة ونقوم بحالة عبور

تتمنى حنين أن تطلق حفلاً غنائياً من لبنان بعنوان «حنين حول العالم»
تتمنى حنين أن تطلق حفلاً غنائياً من لبنان بعنوان «حنين حول العالم»

قدمت الفنانة حنين أخيراً حفلة ناجحة ضمن نشاطات «إكسبو دبي 2020»، في الجناح العالمي بالتحديد، شاركها فيها أومارا بورتوندو من كوبا وسيرجيو كاتالان من إسبانيا. فهي مغنية لا تشبه غيرها، وتتمتع بهوية فنية خاصة بها. عُرفت بتقديمها الأغاني الطربية الأصيلة، وإتقانها أداءً مزيجاً من الموسيقى اللاتينية والعربية. كل ذلك ألّف خلطة فنية عالمية، بحيث لا تمر مرور الكرام أمام مستمعها ومشاهدها.
تألقت حنين في تقديم أغنيات وطنية تتناول فيها لبنان وتواكب التطورات الحاصلة على أرضه. وبين «محكمة الشعب» و«لما تكون لبناني» و«بيلا تشاو» خاطبت اللبنانيين بلسان حالهم، وحفزتهم على عدم الخنوع والقبول بالغلط. وتعلق لـ«الشرق الأوسط»، «شعرت أن هذه الموضوعات تنبع من الواقع وتترجم ما نمر به. نحن كفنانين علينا أن نلعب دوراً ونواكب بأعمالنا ما يحصل على الأرض. حالياً نحن أمام استحقاق انتخابات نيابية؛ ما يتيح لنا أن نحقق التغيير المطلوب. أتمنى أن يكون الناس قد فقدوا الأمل وما عادوا يتحملون ما يجري في وطنهم. هذا الأمر سيحفزهم على التمسك بالتغيير المنشود، فيعطون الفرصة، لأشخاص يستطيعون تحمل مسؤولياتهم بكل ما للكلمة من معنى تجاه شعبهم».
كلام واقعي تردده حنين في أغانيها بعيداً عن التجريح والإساءة للغير، كتبته بنفسها بعد أن انكبّت أخيراً على التأليف. يقول مطلع أغنيتها «لما تكون لبناني» «لما تكون لبناني بتلقطها عالطاير، وكل الدنيي بيتك، وين ما تكون مسافر».
وعن قصص ولادة هذه الأغاني، تخبر «الشرق الأوسط» «أغنية (لما تكون لبناني) قدمتها على لحن برازيلي علق في ذاكرتي عندما كنت في زيارة هناك. يومها رأيت نساءً متقدمات في السن يطفن في الشوارع، وهن يرتدين فساتين بيضاء من الفولكلور البرازيلي، يهتفن بكلمات بالبرازيلية على هذا اللحن».


تغني حالياً حنين أغاني خاصة بها بعدما اشتهرت بأغاني الـ«كوفر»

بحثت حنين عن اللحن ولم تستطع إيجاده، فاتكلت على ذاكرتها كما حفظته، وقدمته على طريقتها. وشرحت ضمن الكلام عن أصول هذه الأغنية وعلاقتها بمدينة سلفادور باهيا، حيث كانت تحيي حفلة في مهرجان «مركاتو الثقافي».
ولأغنية «محكمة الشعب» قصة مغايرة؛ إذ كتبها لها والدها عندما زارته في إحدى الصباحات، إثر اندلاع ثورة 17 تشرين في لبنان. طلبت منه أن يجدد فيها كي تواكب المرحلة التي نعيشها؛ لأن جزءاً منها كان سبق وألفه. ومما يرد فيها «شوية إحساس يلي قاعد عالكراسي، من مال الناس وانت بتعرف مش ناسي، عمرت قصور حجارها من مال الدولة، محكمة الشعب بدها تربح هالجولة». «أخبرني والدي يومها أن المتظاهرين من عمال مصنع غندور في منطقة الشويفات في عام 2015، كانوا يهتفون بمطالبهم على هذه النغمة، التي تعود إلى لحن رحباني (هلي عالريح)».
وعن أغنيتها «بيلا تشاو» التي تقول فيها «التقينا صدفة قبل المعارك وقلتلي تشاو بيلا تشاو، مشتاق وتارك ومحروق بنارك» توضح «هي إيطالية المنشأ، ومشهورة أيضاً في ثورات الفلاحين وحركات التحرر. أما الكلام الذي ألفته لها فيشبه بشكل كبير معنى كلامها الأصلي».
وتشير حنين إلى أنها عندما تغني كلمات من تأليفها تكون المتعة أكبر؛ لأنها تشعر بأنها جزء منها. وتقول «الاستمتاع بأي كلام أغنيه هو ضرورة؛ لأنني أختاره بين مجموعة كبيرة. ولكن في حالة كتابتي نص أغنية أؤديها، أحس بأنها تمُت إلي بصورة مباشرة».
موهبة الكتابة تملكها حنين منذ زمن «أتقن العربية بشكل متين، من قبل كنت أكتفي بكتابة النثر. أما اليوم فتوسعت وصولاً إلى نوع من الشعر الذي أجسد فيه حالة ما تراودني. لدي نصوص قد أعطيها لبعض الفنانين في المستقبل القريب. فأنا أستوحي موضوعاتي من محيطي الذي أعيش فيه، كما أن عندي مخزوناً من التجارب أستعين به».
منذ أن انفصلت حنين عن منظم الحفلات والمنتج الفني ميشال الفتريادس في عام 2016 تقول، إن هامش الحرية عندها كبر. وتضيف «لا شك أن تجربتي معه كانت غنية، ولكني اليوم أصبحت المسؤولة الأولى عن أعمالي وإنتاجاتي. استنتجت أنه كلما تقدم الإنسان بالعمر، نضج وتبلورت الأمور بشكل أفضل في ذهنه، واتجه نحو الأحلى. نعم قلبت الصفحة، ومن الجميل أن نقلبها ونعبر إلى مكان آخر. اليوم انتقلت من أغاني الكوفر (إعادة غناء أعمال معروفة)، التي اعتدت غناءها، إلى أخرى خاصة بي. وهو أمر يسعدني».
لم تتخل حنين عن الفن الأصيل الذي التصق بها منذ بداياتها، ولا عن حنين التراث ومزيج «اللاتينو أرابيك» المشهورة فيه. تقول «بالعكس، احتفظت بها جميعها، وأضفت إليها التأليف في اللحن والكلمة. صارت أعمالي في غالبيتها من تأليفي، كما فعلت في فترة الحجر مع أغنية (لحالا) التي سجلتها عن بعد. كذلك قصيدة (لا شيء إلا الحب) من ألحاني وكلمات المهندس غسان حمادة. طيلة فترة الحجر كنت أعمل بشكل دائم، حتى أني كتبت أغنية (طفل زغير) بعد أن استنبطتها من حالات الفقر والحزن المحيطة بنا».
غزارة كتاباتها وألحانها طالت أيضاً موضوعات رومانسية، وأخرى تحمل رسائل إنسانية. «كتبت (بيلا) الأغنية الموجهة إلى المرأة بشكل عام؛ كي تحافظ على كل ما يميزها عن غيرها. فلا تتخلى عن أحلامها وطاقتها مهما كلفها الأمر».
انصرفت المغنية اللبنانية إثر انفصالها عن الفتريادس، إلى إحياء حفلات تكريمية لفنانين عمالقة راحلين، أمثال زكي ناصيف، وصباح، وسمير يزبك، ونصري شمس الدين، وغيرهم على مسرح فردان البيروتي.
ومن ناحية ثانية، تؤكد حنين أنها تشعر بالسعادة عندما ترى بلداناً عربية تعيش فرح الفن بكل تفاصيله، كما في السعودية ودولة الإمارات. وتقول «هذا الازدهار يزودني بالأمل ولا يزعجني بتاتاً. ولكني في المقابل أتمنى أن يحصل التغيير في بلادنا، سيما وأننا نمر بظروف صعبة».
وعن الفنان ورأيه السياسي، تشير حنين إلى أنها مع حرية التعبير، سيما وأن الفنان هو مواطن أيضاً. «من حقه أن يعبر ويعطي رأيه؛ إذ لا يجب أن يحتفظ بآرائه ويخبئها في أعماقه. لا أحب الشخص الرمادي، ولا صاحب الأسلوب غير الواضح. بل أشد على يد الفنان الصريح. وأنا شخصياً منحازة لحزب الناس».
تتمنى حنين أن تطلق من لبنان قريباً، مجموعة من أغانيها الجديدة، ضمن استعراض فني يحمل اسم «حنين حول العالم». وتقول لـ«لشرق الأوسط»، «لا أعرف إذا كنت أملك الصبر كي أفرج عن أعمالي هذه إلى ذلك الحين. فأوضاعنا الاجتماعية والسياسية لا تسمح لنا اليوم بتنظيم مهرجانات فنية. وهي غائبة تماماً اليوم عن الساحة الفنية عندنا».
حنين التي تعطي دروساً بالأداء الصوتي (Vocal coatch)، تؤكد أن هناك مواهب فنية كثيرة مزروعة في أرضنا وبينها من وصل صوته إلى العالم، «عندنا ملحنون ومغنون وأصوات رائعة، وأتمنى أن يبقى لبنان يزخر بهذه المواهب نابضاً بالفن الجميل».



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل أمس، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.