الغزو الروسي لأوكرانيا يطيح مدير المخابرات العسكرية الفرنسية

وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (إ.ب.أ)
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (إ.ب.أ)
TT

الغزو الروسي لأوكرانيا يطيح مدير المخابرات العسكرية الفرنسية

وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (إ.ب.أ)
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي (إ.ب.أ)

أوقعت حرب روسيا على أوكرانيا، التي دخلت أسبوعها الخامس، ضحية عن بُعد. فالجنرال الفرنسي أريك فيدو، الذي كان يرأس، حتى أول من أمس، جهاز المخابرات العسكرية، أُقيل من منصبه بناء على رغبة رئيس أركان الجيوش الفرنسية، الجنرال تييري بوركهارد، وبالطبع بموافقة وزيرة الدفاع فلورانس بارلي، والرئيس إيمانويل ماكرون، القائد الأعلى للقوات الفرنسية. واللافت أن الجنرال فيدو الذي كان يشغل سابقاً منصب قائد قوات التدخل الخاصة (الكوماندوس) لم يبقَ في منصبه سوى سبعة أشهر، ما يعني أن إزاحته مرتبطة بأدائه وأداء مديرية المخابرات العسكرية التي كان يرأسها.
بيد أن هذه المديرية المرتبطة مباشرة برئاسة الأركان ليست وحدها الفاعلة في مجال الاستخبارات الخارجية؛ إذ إن هناك مديرية أخرى إلى جانبها، هي «المديرية العامة للأمن الخارجي»، التابعة هي الأخرى لوزارة الدفاع، ولكن يديرها مدني، هو السفير برنار أيميه، الذي تنقل في مناصب عدة من بيروت إلى أنقرة ولندن.
تفيد التقارير المتوفرة بأن إزاحة الجنرال فيدو سببها عدم الرضا عن المعلومات والتحليلات التي كان يرفعها عن احتمال قيام روسيا بغزو أوكرانيا.
وبحسب التقارير المشار إليها، كان يؤخذ عليه «غياب الدقة والعمق» علماً بأن المديرية التي كان يرأسها لها اليد العليا في استخدام أقمار التجسس الاصطناعية، وعلى الطائرات والغواصات المنوط بها جمع المعلومات، إضافة إلى إدارة الأشخاص المكلفين مهمات تجسسية في الخارج. وتفيد معلومات متداولة في باريس بأن رئاسة أركان القوات الفرنسية والمستوى السياسي عبّرا عن سلبيتهما تجاه الجنرال المقال منذ عدة أشهر، وتحديداً منذ أن تخلّت أستراليا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، عن صفقة الغواصات الفرنسية التي كانت قد وُصفت بأنها «صفقة القرن»، لصالح شراء غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي، وقيام تحالف ثلاثي بين هذه الأطراف استُبعدت منه فرنسا. ومن الناحية العملية فإن قصور مديرية المخابرات العسكرية في أنها كانت تؤكد أن القوات الروسية لن تغزو أوكرانيا، بعكس ما كانت تؤكده واشنطن ولندن، اللتان كانتا تسرّبان معلومات تؤكد حتمية الغزو الروسي.
وفي مقابلة سابقة مع صحيفة «لوموند»، عبّر رئيس الأركان الفرنسي عن أسفه لمستوى المعلومات التي قدمها الجهاز المذكور، والتي لم تصل لما حصل عليه الأميركيون من معلومات. وبحسب الجنرال بوركهارد، فإن المخابرات الفرنسية كانت تستبعد الغزو «بسبب الكلفة الهائلة التي ستتحملها روسيا، علماً بأنه تتوافر لديها وسائل أخرى لإسقاط نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي».
المؤسف، كما تقول مصادر فرنسية، أنه كان لنقص المعلومات المخابراتية والأخطاء التي ارتُكبت في استشراف الخيارات الروسية تبعات سياسية على أعلى المستويات؛ فالرئيس ماكرون كان حريصاً على استمرار التواصل مع نظيره الرئيس الروسي، وقد سعى لاستبعاد الخيار العسكري وطرح بدائل دبلوماسية، باعتبار أن المجال ما زال مفتوحاً لمبادرات من هذا النوع.
ولذا، فقد زار موسكو في 7 فبراير (شباط)، وحصل على وعد من فلاديمير بوتين بأن قواته التي قُدرت بـ150 ألف رجل، المتمركزة على الحدود الروسية مع أوكرانيا ومع بيلاروسيا، ستعود إلى ثكناتها بعد انتهاء المناورات، في الوقت الذي كان الجانب الأميركي يؤكد أن الغزو واقع، وقد قدم عدة تواريخ لذلك.
وتبين مع انطلاق الغزو أن الأميركيين كانوا الأكثر اطلاعاً ودقّة، وكانت مواقفهم السياسية وتحذيراتهم التي وُصِفت أحياناً في باريس وعواصم أوروبية أخرى بـ«الهستيرية» تستند إلى معلومات مؤكدة، وهي ما ثبتت صحتها لاحقاً. واعتمد الأميركيون والبريطانيون سياسة «التدرج» في الكشف عن المعلومات الاستخبارية وسيلة ضغط على الرئيس بوتين.
حقيقة الأمر أن سيناريو الحرب الروسية أوجد فجوة واسعة بين الأوروبيين «خصوصاً فرنسا وألمانيا» من جهة، والأميركيين والبريطانيين من جهة أخرى، وذلك رغم أن الطرفين تقاسما المعلومات الاستخبارية بشكل منتظم، منذ الخريف الماضي.
وخلال الأشهر المنقضية، جرت اجتماعات دورية ضمت الأجهزة المختصة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ولكن من غير أن يفضي ذلك إلى تبني مقاربة مشتركة. ففي حين اعتبرت واشنطن ولندن أن الغزو قادم، وأن لا فائدة من المفاوضات، ومن المحاولات السياسية والدبلوماسية، واظبت باريس وبرلين على ضرورة إبقاء خيار الحوار مع بوتين قائماً، الأمر الذي تجلى في استمرار التواصل الثنائي (الفرنسي - الألماني) مع القيادة الروسية.
وخلال الاجتماعات الاستخبارية المتلاحقة، مثل لوران نونيز، منسق المخابرات والحرب على الإرهاب الطرف الفرنسي. وكتبت صحيفة «لوموند»، في تقرير لها يعود للرابع من مارس (آذار) الماضي، أن المندوبة الأميركية أبلغت نظراءها أن «التصريحات المهادنة للرئيس الروسي غرضها كسب الوقت». ونقلت الصحيفة عن دومينيك غريف، رئيس اللجنة البرلمانية البريطانية لمراقبة أجهزة المخابرات البريطانية، أن البريطانيين والأميركيين الذين توقعوا العملية العسكرية «تقاربوا بشكل مبكر مع الأجهزة الأوكرانية»، وأن وحدات بريطانية أرسلت إلى أوكرانيا لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، كذلك عمد البريطانيون والأميركيون إلى إرسال أجهزة تنصت ومعدات عسكرية كان لها دورها في الأسبوع الأول من المعارك حيث نجحت القوات الأوكرانية في إنزال خسائر كبيرة بالقوات الغازية.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.