السيسي والبرهان يؤكدان التمسك باتفاق «قانوني ومنصف» لسد النهضة

مصر تدعم جهود السودان لـ {تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي}

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي والبرهان يؤكدان التمسك باتفاق «قانوني ومنصف» لسد النهضة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)

توافقت مصر والسودان حول استمرار التشاور المكثف والتنسيق المتبادل بشأن تطورات ملف سد النهضة خلال الفترة المقبلة، وأكدا على الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني، باعتبارها مسألة أمن قومي، وتمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانوني عادل ومنصف وملزم لعملية ملء وتشغيل السد، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف. كما أكدت مصر ضرورة العمل المشترك على «ألا تؤثر التطورات الجارية على الساحة الدولية على جهود دعم السودان لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، وذلك في ظل الإدراك الكامل للظرف الدقيق الذي يمر به حالياً».
جاء ذلك خلال استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، وفي أعقاب المباحثات أصدر الجانبان بياناً مشتركاً، أفاد بأن الجانبين «استعرض مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، حيث تم الإعراب عن الارتياح لمستوى التنسيق القائم بين الجانبين، مع تأكيد أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري بما يرقى إلى مستوى الزخم القائم في العلاقات السياسية والروابط التاريخية، التي تجمع الشعبين الشقيقين لوادي النيل. فضلاً عن تعظيم جهود تحقيق التكامل الزراعي، والربط السككي والكهربائي بين البلدين، إلى جانب تعميق التعاون المشترك على الصعيدين الأمني والعسكري، بما يساهم في تحقيق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين».
وفي هذا الإطار أكد الجانب المصري على «إدراك مصر الكامل للظرف الدقيق، الذي يمر به السودان حالياً، وضرورة العمل المشترك على جهود دعم السودان لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، مـع استمرار مصـر فـي إرسـال حـزم المساعدات والـدعم اللوجستي والإنساني للخرطوم، إلى جانب تقديم الدعم الفني للكوادر السودانية وتفعيل جميع برامج التعاون الثنائي، انطلاقاً من مساندة مصر غير المحدودة للسودان في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة، وكذا الارتباط الوثيق للأمن القومي المصري والسوداني».
من جهته، أعرب الجانب السوداني عن «اعتزازه بالتقارب الشعبي والحكومي الراسخ بين مصر والسودان»، مشيداً في هذا الصدد بـ«الجهود المتبادلة للارتقاء بأواصر التعاون المشترك بين البلدين، والدعم المصري الصادق والحثيث، من خلال مختلف المحافل للحفاظ على سلامة واستقرار السودان».
كما شدد الجانب السوداني على «وجود آفاق رحبة لتطوير التعاون المشترك بين البلدين الشقيقين، وحرص السودان على توفير المناخ الداعم لذلك في مختلف المجالات التنموية الاستراتيجية، فضلاً عن تعويله على الاستفادة من نقل التجربة المصرية في الإصـلاح الاقتصادي، وتدريـب الكوادر السودانية والمساعدة على مواجهة التحديات في هذا الصدد، بما يعكس عمق العلاقات بين البلدين».
كما تناول اللقاء كذلك «التباحث بشأن شؤون الجالية السودانية في مصر، حيث أعرب الجانب السوداني في هذا الإطار عن التقدير للرعاية الكريمة التي تحظى بها»، في حين أكد الجانب المصري على الترحيب الدائم بالجالية السودانية الشقيقة في بلدهم الثاني مصر، وشمولهم بجميع أوجه الرعاية في ظل صلة الدم والرحم الممتدة في أعماق التاريخ بين شعبي وادي النيل.
أما في الشأن الليبي، فقد شدد الجانبان على ضرورة الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها، وأكدا على دعم جميع الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي (ليبي - ليبي)، وأن تتفق جميع الأطراف الليبية على الانطلاق نحو المستقبل، بما يحقق مصلحة ليبيا وشعبها دون أي إملاءات أو تدخلات خارجية، فضلاً عن أهمية دعم دور مؤسسات الدولة الليبية واضطلاعها بمسؤولياتها. كما أكد الجانبان على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدى زمني محدد، تنفيذاً للقرارات الأممية والدولية والإقليمية ذات الصلة، بالإضافة إلى ضرورة استمرار لجنة 5+5 العسكرية المشتركة في عملها، والتزام جميع الأطراف بوقف الأعمال العسكرية حفاظاً على أمن واستقرار ليبيا ومقدرات شعبها.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.