استنهاض الشارع الطرابلسي دونه صعوبات وغالبية المرشحين من «المغمورين»

الحماسة للانتخابات لا تزال متدنية في شمال لبنان

TT

استنهاض الشارع الطرابلسي دونه صعوبات وغالبية المرشحين من «المغمورين»

يكمن الهاجس الأول والأخير لدى المرشحين عن الدوائر الانتخابية اللبنانية ذات الثقل السني في استنهاض الشارع واستنفاره، خصوصاً أن الدعوات لاستنهاضه تبقى حتى الساعة حبراً على ورق، ولم تُترجم إلى خطوات عملية يمكن أن تتجاوز البرودة المسيطرة عليه. وهذا ما ينطبق على دائرة طرابلس - الضنية - المنية (11 مقعداً) من بينها 8 مقاعد مخصصة للسنة وواحد لكل من الموارنة والعلويين والأرثوذكس، مع أن المنافسة ستدور بين 5 لوائح وربما أكثر في حال تعذّر على المجموعات الناطقة باسم المجتمع المدني التوحد في لائحة واحدة.
ومن يتجول في أحياء دائرة طرابلس - الضنية - المنية والمكاتب الانتخابية، سرعان ما يكتشف أن نسبة الحماسة لا تزال متدنية وتكاد تكون معدومة، وأن معظم المرشحين على اللوائح المتنافسة هم من «المغمورين»، وأن لا همّ لهم سوى ضمهم إلى نادي المرشحين للانتخابات النيابية، فيما القلة منهم هم من النواب الحاليين الذين يتطلعون للعودة إلى البرلمان العتيد الموكل إليه انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي ميشال عون المنتهية ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
فدائرة طرابلس - الضنية - المنية تشهد منافسة انتخابية لا تزال دون المستوى المطلوب، وتدور بين عدة لوائح أبرزها تلك المدعومة من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العازف عن الترشح، والأخرى الموزعة على تحالف النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد في مواجهة اللائحة التي يتزعمها القيادي المستقيل من تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش، وأيضاً اللائحة التي يتفرغ الوزير السابق أشرف ريفي لتشكيلها بالتضامن والتكافل مع حزب «القوات اللبنانية»، إضافة إلى اللائحة التي يُفترض أن ترى النور برئاسة أمين عام «الجماعة الإسلامية» عزام الأيوبي.
ومع أن تيار «المستقبل»، كما تقول مصادره، يفضل الوقوف على الحياد بعزوف زعيمه رئيس الحكومة سعد الحريري عن الترشح، فإن إصراره على عدم التدخل ترشحاً لا يحجب الأنظار عن موقفه من المنافسة التي ستشهدها عاصمة الشمال، سواء لجهة مناوأته للائحة ريفي - «القوات»، والأخرى التي يتزعمها علوش، وهذا ما يأخذه ميقاتي بعين الاعتبار بعدم تعاونه انتخابياً مع الأخير بتشكيل لائحة ائتلافية موحدة، وأيضاً مع ريفي برغم أن التواصل بينهما مقطوع ولم يسبق أن التقيا ترشحاً واقتراعاً.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر طرابلسية أن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة كان تواصل مع زميله في نادي رؤساء الحكومات ميقاتي في حضور الوزير السابق أحمد فتفت، وبحث معه في أن يرعى شخصياً لما له من ثقل انتخابي وحضور سياسي تشكيل لائحة ائتلافية بالتعاون مع علوش، لكن ميقاتي نأى بنفسه عن تولي هذه المهمة.
وكشفت المصادر الطرابلسية أن ميقاتي برر عدم رعايته لائتلاف انتخابي يشارك فيه علوش، بمراعاة الحريري وعدم الدخول في تحد معه، وهذا ما ينسحب وإن بشدة على ريفي بتحالفه مع «القوات».
لذلك، فإن اللائحة التي يرعى ميقاتي تشكيلها تبقى متواضعة قياساً بحجمه الانتخابي في دائرة طرابلس، خصوصاً لجهة الحضور السني فيها، باستثناء المرشح كريم كبارة نجل النائب محمد كبارة العضو في كتلة «المستقبل» النيابية الذي يتمتع بحيثية في الشارع الطرابلسي لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، وهذا ما يدفع بالمصادر الطرابلسية للتلويح بأن فيصل كرامي سيكون على رأس المستفيدين من الحضور السني المتواضع في لائحة ميقاتي التي تضم، إضافة إلى كبارة عن السنة، وهيب الططر، أليسار حداد، جلال بقار، كاظم الخير، وعن الموارنة سليمان جان عبيد، وعن الأرثوذكس قيصر خلاط وعن العلويين النائب علي درويش.
وفي المقابل، فإن نواة لائحة تحالف كرامي - الصمد «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) تتشكل، إضافة إلى فيصل كرامي وجهاد الصمد من طه ناجي، أحمد الأمين عن السنة، جورج شبطيني عن الموارنة، رفلة دياب (تيار المردة) عن الأرثوذكس، حسن الطرابلسي عن العلويين على أن تضم مرشحين آخرين عن السنة.
وبالنسبة إلى لائحة علوش، يُفترض أن تضمه إلى جانب رُبى دالاتي، خالد مرعي، علي الأيوبي، النائب سامي فتفت، عبد العزيز الصمد، أحمد الخير، وعن الأرثوذكس شيبان هيكل، وعن الموارنة طوني شاهين، وعن العلويين بدر عيد، فيما يواصل ريفي المتحالف مع «القوات» مشاوراته وهو أوشك على وضع اللمسات الأخيرة تمهيداً للإعلان عن أسماء المرشحين على اللائحة. وكان أبلغ «الشرق الأوسط» أنه لن يذيع الأسماء بالمفرق وإنما بالجملة بعد أن ينتهي من جوجلتها، كاشفاً أن تحفظه على إعلانها قبل أن تصبح لائحته مكتملة يعود إلى قطع الطريق على من يحاول الضغط على بعض المرشحين للانسحاب من اللائحة.
أما بخصوص «الجماعة الإسلامية» فعلمت «الشرق الأوسط» أن مسؤولها في طرابلس إيهاب نافع كان التقى علوش مع بدء إطلاق حملته الانتخابية، وأبلغه انفتاحه على كل من يلتقي معه سياسياً، لكن التواصل انقطع لاحقاً بعد أن قررت «الجماعة» الترشح على لائحة رئيس نادي الأنصار لكرة القدم نبيل بدر في بيروت بدلاً من التعاون مع السنيورة في رعايته لتشكيل لائحة في مواجهة محور الممانعة بزعامة «حزب الله»، وبالتالي لم يعد هناك من داعٍ للتحالف نظراً للترابط الانتخابي القائم بين بيروت وطرابلس.
وعليه، فإن القوى السياسية ومعها المرشحون عن دائرة طرابلس تواجه صعوبة في استنفار الشارع لرفع منسوب الاقتراع، برغم أن «حزب الله» مباشرة بالتعاون مع «سرايا المقاومة» بدأ يكثف حضوره الانتخابي في هذه الدائرة بتقديمه الخدمات الصحية والاجتماعية والتموينية من جهة، وتواصله المباشر مع محور الممانعة واستنفاره لعدد من المجموعات الإسلامية الموالية له لتوفير الدعم لحلفائه في مواجهة خصومه السياسيين الذين يطالبون باسترداد سيادة الدولة على كامل أراضيها، وحصر قرار السلم والحرب بيدها بضبط السلاح المتفلت.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.