طور باحثون أميركيون جهازاً غير مكلف، سيسمح لهم بدراسة سلوك ونشاط الحشرات التي تمثل أكبر مجموعة من الكائنات الحية على هذا الكوكب. ومع وجود أنواع تعيش في كل قارة، بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية، لا يعرف العلماء سوى القليل جداً عن الوقت الذي تكون فيه معظم الحشرات مستيقظة ونشطة، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأنواع الليلية التي تطير تحت حجاب الظلام.
يقول أكيتو كاوهارا، أمين «مركز ماكغواير لقشريات الأجنحة والتنوع البيولوجي» في متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي، في دراسة تم الإعلان عنها في 24 فبراير (شباط) الماضي، بدورية «ميثود أن إيكولوجي آند إيفولوشن»: «ندرس الفراشات والنحل والنمل؛ لأننا يمكننا رؤيتها، ولكن هناك مئات الآلاف من الحشرات الليلية، والتي كان من المستحيل تقريباً تتبعها حتى الآن».
ويوضح في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمتحف، أن «معرفة متى تكون الكائنات الحية أكثر نشاطاً هو الأساس لفهم سلوكياتها وإيقاعاتها اليومية، وهي أنماط تحدد متى تبحث عن الطعام، وتتكاثر، وتلقح الزهور، وأكثر من ذلك، ومن دون هذه المعلومات الأساسية للحشرات، يصعب التنبؤ أو تحديد كيفية تأثير التغييرات في البيئة عليها، مثل زيادة التلوث الضوئي».
ويضيف: «كلما كان الحيوان أصغر حجماً، كان من الصعب تتبعه، وعادة ما تكون الحشرات صغيرة جداً بحيث لا يمكن كشفها بأجهزة التتبع التي من شأنها أن تساعد علماء الأحياء على تتبع تحركاتها، وبدلاً من ذلك، يتعين على الباحثين إغراؤها بالطعم أو الأضواء، والتي ترسم فقط صورة جزئية لنشاطها».
ويقول المؤلف الرئيسي ياش سوندي، من قسم الأحياء بجامعة فلوريدا: «يعتقد أن العثة هي ليلية لأنها تُرى فقط في الليل؛ لكن هذا لا يعني أنها ليست بالخارج خلال النهار، وربما لم تتم رؤيتها».
ولسنوات، حاول كاوهارا العثور على جهاز محمول يسمح له بتتبع الحشرات، أثناء العمل في هذا المجال مع مساعده جيسي باربر، في جامعة «بويز» الحكومية بأميركا، وفي بعض الأحيان كان يحاول إسناد العمل إلى شركات على أمل أن يتمكنوا من بناء جهاز؛ لكن المعدات الحساسة بدرجة كافية لقياس الحركات الدقيقة لأصغر العث، كان من الصعب هندستها بحيث تكون متينة بما يكفي لتحمل البيئات القاسية، وفي الوقت نفسه تعمل في الأماكن النائية من دون كهرباء أو إنترنت. يقول كاوهارا: «عرضت على سوندي محاولة إنشاء هذا الجهاز بنفسه، وكان قادراً على بناء الجهاز كما كنت أتخيل دائماً».
وجمع سوندي حاسوباً صغيراً، وبرنامجاً مفتوح المصدر لتتبع الحركة، وأجهزة استشعار، وكاميرا، وأضواء الأشعة تحت الحمراء المهمة جداً، والتي لا تزعج الحشرات أو تربكها، ووضع كل هذا في قفص شبكي يشبه سلة الغسيل، لينتج جهاز مراقبة نشاط الحركة المحمول، المسمى (pLAM).
ويمكن بناء الجهاز بأقل من 100 دولار، وهو جزء ضئيل من التكنولوجيا المعتمدة على المختبرات والتي تكلف ما بين 1000 دولار و4000 دولار.
وبعد استخدام (pLAM) لمراقبة نشاط الحشرات في المختبر للتأكد من أن المعدات تعمل بسلاسة، اختبرها سوندي وكاوهارا في رحلة بحثية إلى كوستاريكا؛ حيث جمعوا 15 نوعاً، ووضعوا ما بين 4 و8 فراشات من كل منها في شاشات النشاط.
يقول سوندي إن أحد أكثر الأمثلة إثارة للاهتمام كان نوعاً من عثة النمر؛ حيث يُفترض أن هذه العثة ذات الألوان الزاهية، والسامة، تخرج حصرياً خلال النهار؛ لأن الحيوانات المفترسة تبتعد عنها، ويمكنها التحرك دون خوف من أن تؤكل.
ومع ذلك، كشفت البيانات من مراقبي النشاط أنها نشيطة أيضاً عند الغسق، وبعد كل شيء، عليها الهروب من الحيوانات المفترسة الأخرى التي تأتي في الليل، مثل الخفافيش.
يقول سوندي: «كان من الرائع رؤية أنماط النشاط المختلفة، فليس كل شيء باللونين الأبيض والأسود كما نعتقد، فالآن، يمكننا التنبؤ وفهم كل شيء بشكل أفضل، وتحديد متى تكون الحشرات نشطة ثم ربط ذلك بسماتها».
ويبدي كاوهارا تفاؤلاً بأن الجهاز الجديد سيساعد في دعم الجهود لدرء الاتجاه العالمي الأخير لانقراض الحشرات. ويقول: «البيانات الأساسية التي نحتاجها لفهم نشاط الحشرات الصغيرة والكائنات الحية الأخرى محدودة للغاية، فنحن نتحدث عن تأثير التلوث الضوئي والتلوث الضوضائي وتغير المناخ على الحشرات؛ لكننا لا نعرف أي شيء عن كيفية تأثيره على نشاطهم؛ لأننا لم نتمكن من مراقبة نشاط معظم أنواع الحشرات، وسيسمح لنا هذا الجهاز بجمع تلك المعلومات».
جهاز لتتبع الحشرات المراوغة بسهولة
طوره باحثون أميركيون بتكلفة منخفضة
جهاز لتتبع الحشرات المراوغة بسهولة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة