«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب

«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب
TT

«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب

«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب

تدور قصص هذه المجموعة في أجواء شيقة ولافتة، حيث الهوس باقتناء الكتب، والحفاظ على تقاليد القراءة وإرثها التقليدي، في مواجهة طغيان التكنولوجيا التي أصبحت تهدد هذه التقاليد.
وتتساءل المجموعة عن مصير البشرية، لو اختفت الكتب الورقية، في مقابل الاعتماد على «فلاشة» أو ضغطة على زر الكومبيوتر، بينما تختفي تماماً رائحة الكتب، بألفتها وحيويتها، كأنها صدى لرائحة الوجود.
صدرت المجموعة عن دار «الربى» بالقاهرة في 123 صفحة من القطع المتوسط. واتخذ مؤلفها شريف عبد المجيد من هاجس قصة «الببلوماني الأخير» عنواناً لها.
وحول الاسم ودلالته، يوضح أنه حسب مراجع الطب النفسي فإن: «الببلومانيا» هي هوس جمع وحب الكتب على نحو متطرف، ويطلق غالباً على من لديه مكتبة كبيرة تفيض بالكتب، لكن صراعه يكمن في الشعور بالشره الدائم لامتلاك المزيد، ولا يعيقه شيء عن امتلاك أي كتاب يراه، ولا يشترط المهووس نوعاً معيناً من الكتب إنما يودّ امتلاك أي كتاب، تحت ذريعة أنه يمكن أن يحتاج إليه في المستقبل.
وعلى ذلك يرسم المؤلف صورة هذا البطل «الببلوماني»، فهو لا يتحمل رؤية كتاب ليس ملكاً له، أو حتى مجلات أو جرائد، كما أنه غالباً ما يرتدي نظارة طبية ويصاب بصداع مزمن لعدم قدرته على ترك الكتاب الجيد في الوقت المناسب.
ويفترض المؤلف أن هذا الشخص لا يملك رصيداً في البنك أو كونه من الأغنياء، لأنه ينفق كل ما يملك من الأموال على شراء الكتب فقط، إضافةً إلى ذلك نجده يرفض أن يعير أحداً أي كتاب، مهما كان قريباً منه، فهو لا يثق بأحد ولا يأتمنه على كتابه.
في القصة يطالعنا «الببلوماني» الأستاذ الخمسيني المخضرم «محمود أمين»، أمين مكتبة كبرى، منضبط جداً في مواعيده، يرتدي بالفعل نظارة طبية كما يرتدي الملابس القطنية الواسعة صيفاً، وفي الشتاء يرتدي البدل القاتمة القديمة التي تعود إلى فترة التسعينات. وبولع الهوس بالكتب يتودد إلى «خالد» الكاتب الشهير الذي تتصدر رواياته دائماً قائمة الأكثر مبيعاً ويخبره بأن لديه مهمة جليلة تتمثل في الحفاظ على إرث الإنسانية من الاندثار.
لا يبدو «خالد» متحمساً لكنّ الرجل يُطلعه على تنظيم «حراس المعرفة» السرّي الذي أنشأه لحماية الكتب من الانقراض عبر قبو ضخم في فيلا قديمة بحي «جاردن سيتي» بالقاهرة. يتزوج «خالد» من «ليلى» ابنة «محمود» ليصبح حارساً حقيقياً، ثم يموت فجأة بعد أن أنجب لها ابنا هو «نجيب» الذي تعده ليكون خليفة جده في التنظيم!
تتسم لغة المجموعة بلغة سلسة شيقة، تنعكس على مرآتها صور عجيبة لأبطال وشخصيات يرسم المؤلف ملامحها بإيجاز شديد، وفي إيقاع سردي مفعم بالحيوية والتشويق. مثل: «الذوّاق» الذي يقتحم كواليس عالم الطبخ في البرامج الفضائية ثم يقرر أن يتحول إلى حوت يبتلع الجميع بدلاً من أن يظل سمكة صغيرة خائفة، وهناك الخبير الاقتصادي الثري الوسيم الذي يلجأ لمجرم محترف حتى يعينه على تحقيق هواياته السرية، وهناك عامل الدليفري الذي يُخفي إصابته بفيروس «كورونا» فيتعرض للابتزاز من الجميع بدايةً من سائق التاكسي وليس انتهاءً بزوجته.
يشار إلى أن المؤلف الشاب شريف عبد المجيد، يعد أحد الأصوات المميزة على ساحة القصة القصيرة بمصر، وهو أيضاً مصور فوتوغرافي وسيناريست. صدر له من قبل عدد من المجموعات القصصية منها «تاكسي أبيض»، و«فرق توقيت»، و«جريمة كاملة».



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.