راندا... مدوِنة تمزج فنون الطهي بـ«التاريخ والحب»

تجمع بين المطبخين المصري والنمساوي

المدونة راندا المصري
المدونة راندا المصري
TT

راندا... مدوِنة تمزج فنون الطهي بـ«التاريخ والحب»

المدونة راندا المصري
المدونة راندا المصري

حين يتجه السياح إلى النمسا لا تستهويهم فقط الطبيعة الخلابة؛ حيث جبال الألب المزدانة بالثلوج والمراعي الخضراء المورقة، ولا تبهرهم حفلات الموسيقى الكلاسيكية وحدها؛ ففي انتظارهم دوماً أطباق شهية لا تقاوم من المطبخ النمساوي.
لكن إذا لم يكن في مخططك الآن السفر إلى هناك، وتجربة مذاقها في أحد مطاعمها الشهيرة فيمكنك إعداد أحد الأطباق بنفسك بعد متابعة مدونة وقناة «مطبخ راندودة» حيث تقدم صاحبتها وصفات لمأكولات نمساوية رائعة المذاق إلى جانب الأطباق المصرية الشهيرة، ممزوجة بلمحات عن تاريخ البلدين، وتقول عملية الطهي أمر سهل، ولا تتطلب سوى «الحب والصبر».

الدجاج الأشهر في فيينا

وترى راندا المصري لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ النمساوي يعبر عن طريقة الحياة؛ ويتميز بالعراقة والتنوع؛ لأنه يمثل مزيجاً من الثقافات التي اجتمعت معاً خلال الإمبراطورية النمساوية.
وفي إطار جمعها بين المطبخين، تلفت إلى أن «للمطبخ المصري تاريخاً طويلاً ومذاقاً خاصاً تأثر فيه بدول البحر المتوسط والشام وتركيا».
وتمدّ راندا متابعيها بقائمة طويلة ومتنوعة من الأطباق اللذيذة، بداية من كيك الكريست شتولن، والبسكويت الهلالي، وزلابية السبانخ، ووينر شنيتزل، المكون من قطع لحم العجل المقلية مع المربى والبقدونس والليمون، وأحياناً تقدم لهم كاسنوكين، وهو طبق شهي مالح مصنوع من عجينة الزلابية الممتزجة بالجبن المذاب والبصل بالكراميل، أو مارتينيغانسل وميلانج ونودلز الجبن والمخلل على الطريقة النمساوية الممتزج بالشبت والأعشاب، بالإضافة إلى نقانق وشرائح بفتيك فيينا. ومن المطبخ المصري تقدم الفول المدمس والفتة والخضراوات والطواجن والكشري، وفي كثير من الأحيان تقدم أطباقاً جمعت بين المطبخين، ثم تأخذ متابعيها إلى وصفات أخرى من المطابخ حول العالم.
في قناتها ومدونتها على «فيسبوك» يمتزج كل ذلك الثراء، فتصلك رائحة نكهات الأطباق النمساوية عبر وصفات تتخللها لمحات تاريخية، وهو الأمر الذي يسهم في اجتذاب شرائح جديدة من متابعيها، الطامحين في تعلم إعداد أطباق تراثية ومعاصرة من نوع خاص.

نصائح مهمة للحصول على مخبوزات لذيذة

تقول راندا، وهي مديرة سابقة لفرع شركة طيران لوفتهانزا بالدوحة: «والدتي نمساوية، ووالدي مصري، عشت في النمسا حتى السابعة من عمري، وانتقلنا إلى مصر لأتلقى ثقافة تجمع بين البلدين، وأمام ما تقدمه من نصائح ومقاطع فيديو لإعداد وصفاتها يشعر المشاهدون أن الطهي أمر سهل، ولا يتطلب سوى الحب والصبر»، حسب قولها، وتتابع: «منذ إطلاق قناتي ومدونتي أدعو المتابعين للإقدام على طهي طعامهم بأنفسهم، لأنه أكثر صحة وتوفيراً للمال وأكثر روعة في مذاقه أيضاً».
وتشير إلى أنها «تبتعد عن التعقيد؛ بتقديم وصفات بطرق مبسطة للغاية، خطوة خطوة، وبذلك تشرح كل شيء باستفاضة»، وتوضح: «جهودي غالباً موجهة للمبتدئين الذين يتمنون إجادة الطهي؛ لكنهم يخشون الفشل أو يعتقدون أن الأمر غير مناسب لعملهم ووقتهم».
وحدثتنا المدونة راندا المصري عن أنها ظلت لسنوات طويلة لا تدخل مطبخ منزلها، ولا تعرف شيئاً عن فنون الطهي؛ مكتفية بالاعتماد على ما تطهوه والدتها من الأطباق النمساوية والأوروبية، بينما كانت حماتها تمدها بأشهى الأطباق المصرية، لكنها تعلمت كل ذلك مؤخراً من خلال الدراسة والحصول على دورات مختصة في الطهي.
تعتبر المصري تجربتها «ملهمة لكثير من النساء حول العالم ممن تقف حياتهن العملية عقبة أمام تفوقهن في الطبخ؛ حيث اكتشفت بعد سفرها إلى الدوحة مع زوجها وانتقالها للعمل هناك، أنها تستطيع النجاح والتميز في العمل والمنزل من دون تعارض». تقول: «وجدت نفسي لأول مرة وحيدة من دون مساعدة أمي وحماتي، ولم يعد هناك من يقدم لي طعاماً مصرياً أو نمساوياً، بينما اعتادت أسرتي على هذا الثراء الغذائي، ولم يكن أمامي سوى إجادة صنع أطباق من المطبخين معاً».
بدأت في الاتصال يومياً بوالدتها وحماتها إلى جانب إنعاش ذاكرتها حين كانت تلمح إحداهما تطهو إحدى الأكلات في مطبخها، ونالت متابعتها للبرامج الفضائية والمجلات المختصة مساحة أخرى من اهتماماتها، لكنها لم تكتفِ بذلك، تقول: «المدهش أنني وجدت أن اهتمامي بالطهي لا يعوقني عن عملي كما كنت أتصور في الماضي، كما أنني لمست فيه متعة كبيرة، فقررت الحصول على كورسات (أونلاين) من مدارس شهيرة مختصة في الطهي، حتى أصبحت أجيد صناعة أطباق ينبهر بها الجميع؛ أعتقد أنني استخلصت تجارب أمي وحماتي ونصائح كبار الطهاة العالميين».

مقبلات نمساوية لذيذة مع لمسة مصرية

من أهم ما تقدمه في قناتها، ويهم كثير من المتابعين، المخبوزات بأنواعها المختلفة، تقول: «يشتهر المطبخ النمساوي بأنواع الخبز والكيك المتعددة، إلى جانب أنواع أخرى من المخبوزات»، التي تقول إنها «أصعب من الطهي العادي».
وتنصح بمراعاة «الدقة والصبر» الشديدين في عملية الخبز، وأنه «على من يختار وصفة ما أن يلتزم بها كاملة».
إلى جانب ذلك، تقدم راندا أطباقاً أخرى من اللحوم والدجاج من المطبخ النمساوي، ولكي تكتمل ثقافة المتابعين تقدم معلومات تاريخية تعود إلى الإمبراطورية النمساوية، إلى جانب مزجها بذكرياتها الدافئة في طفولتها بأوروبا حين كانت تتناول أطباقها المفضلة مع والدتها وأخواتها، وهو الأمر نفسه تفعله حين تنتقل إلى الطعام المصري حيث يمكنك عند متابعتها أن تتذوق أطباقاً رائعة الطعم، ينبعث منها رائحة عراقة المحروسة وحميمية العواطف والمشاعر. فحتى اسم قناتها اختارته من اسم «الدلع» الذي كانت تناديه به والدتها وعائلتها في النمسا.
وبالرغم أن عناصر كثيرة تجمع بين المطبخين، وأهمها التنوع والتأثر بالمطابخ الأخرى، وفق المصري، فإن هناك أيضاً مساحة شاسعة، تضيف: «المطبخ النمساوي مثل المطبخ الأوروبي بسيط وخطواته قليلة؛ بينما المصري يميل إلى خطوات ومراحل كثيرة، كأنك تطهي عدة أكلات معاً». أما ما يتردد حول أن الطعام المصري غير صحي، فتقول: «هذا خطأ، لأن الأمر بيد صانعه، يستطيع التحكم من خلال مكوناته، كنوع الدهون، إلى جانب طريقة إعداده، فلا داعي للمسبك والمحمر».


طبق مارتينيغانسل

ومن أكثر ما يجذب المتابعين لمدونة راندا، وقناتها، هو مزجها بين المطبخين في بعض الوصفات، فعلى سبيل المثال تقدم طبق الفول المدمس بإضافات مستوحاة من مطبخ النمسا، كما قدمت كيكة الكريست شتولن بالتمر وعين الجمل، بدلاً من الزبيب والفواكه المجففة، فضلاً عن ذلك، فقد حوّلت كثيراً من الأطباق النمساوية الأخرى من الطعم الأوروبي الهادئ إلى المذاق العربي الصارخ القوي، بحسب وصفها، والآن تستعد راندا لأطباق رمضانية مختلطة، مثل التشيز بالكنافة، بجانب الاستعداد لاستعراض أطباق خليجية بصورة جديدة.


مقالات ذات صلة

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».