مبادرة السلام الأزرق: تعاون مائي لتحقيق التنمية المستدامة

ممثلو الدول والمنظمات في «أيام السلام الأزرق» السويسرية
ممثلو الدول والمنظمات في «أيام السلام الأزرق» السويسرية
TT

مبادرة السلام الأزرق: تعاون مائي لتحقيق التنمية المستدامة

ممثلو الدول والمنظمات في «أيام السلام الأزرق» السويسرية
ممثلو الدول والمنظمات في «أيام السلام الأزرق» السويسرية

مبادرة «السلام الأزرق» في الشرق الأوسط، التي انطلقت من مونترو في سويسرا في فبراير (شباط) 2010. كانت محور «أيام السلام الأزرق»، التي استضافها الجناح السويسري في «إكسبو دبي». وقد شكّل الحدث، بما طرحه من فرص وتحديات، تمهيداً لنقاشات منتدى المياه العالمي، الذي عُقد هذا الأسبوع في داكار، عاصمة السنغال.
تهدف مبادرة السلام الأزرق، التي بدأت كشراكة بين الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ومجموعة الاستشراف الاستراتيجي الهندية، إلى تحويل المياه من مصدر محتمل للصراع إلى أداة للتعاون والسلام. وهي تحولت إلى آلية تعاون مائي تديرها دول الإقليم، بقيادة جماعية من العراق والأردن ولبنان وتركيا، بينما يتولى معهد المياه التركي العمل التنسيقي.
- إنجازات وطموحات
منذ 2013، نظّمت مبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط زيارات ميدانية إلى الأحواض العابرة للحدود في جميع أنحاء العالم، مثل أنهار الراين وميكونغ والسنغال والنيل، للاستلهام من تجارب التعاون الإقليمي الناجحة في الأحواض المشتركة.
كما أقامت العديد من المؤتمرات وأصدرت التقارير بشأن فوائد التعاون في مجال المياه العابرة للحدود، ونظّمت برنامج تدريب حول «الأساليب الحديثة لتحسين كفاءة استخدام مياه الري» في مدينة إزمير التركية في 2021. وأصدرت دليلاً تدريبياً للمزارعين. ويبدو أنّ هذه المبادرة ساهمت في تحسين مستوى التعاون في حوض نهر دجلة، عبر الحوار المتعدد المستويات بين تركيا والعراق، ولا سيما على صعيد إنشاء محطات المراقبة وتبادل البيانات بين البلدين، كما تؤكد المهندسة ميسون الزعبي، ممثلة الأردن في المبادرة، التي لمست «مؤشرات واعدة على اكتساب المبادرة زخماً، ومنها إرسال العراق وفداً رفيع المستوى إلى اجتماع دبي».


المتحدثون في حوار «السلام الأزرق» في «إكسبو دبي»

ومن المؤشرات الإيجابية تصديق البرلمان التركي على مذكرة التفاهم المعدّلة والمُوقّعة في 2014 مع العراق بشأن إدارة الموارد المائية، والتوجه إلى إنشاء مركز أبحاث تركي عراقي مشترك للمياه مقرّه بغداد، بغرض تبادل المعلومات والخبرات، حسبما يؤكّد المهندس جمال العاني من وزارة الموارد المائية العراقية. لكن العاني لا يخفي مخاوفه حيال سد سيزر على نهر دجلة والخطة التشغيلية لسد إليسو، والتي تحتاج إلى نقاش مع الأتراك.
ويقول العاني، المتفائل بالتقدّم المحرز مع تركيا، إن بلاده لمست مؤخراً مؤشرات إيجابية للتعاون مع سوريا حول نهر الفرات، مع أن المشاركة السورية المباشرة في المبادرة تعطلت بسبب الحرب. في المقابل، يواجه التعاون المائي مع إيران عرقلة وشللاً بسبب عدم اتخاذ طهران أي خطوة عملية في هذا السياق. لهذا طالب المشاركون بإشراك طهران في مبادرة السلام الأزرق لدفع عجلة التعاون.
- الإرادة السياسية
وزير المياه الفلسطيني السابق، الدكتور شداد عتيلي، طالب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون بمساعدة الفلسطينيين ليكونوا جزءاً من مبادرة السلام الأزرق، وطرح إمكانية دعم الحكومة السويسرية و«مركز دبلوماسية المياه» لبناء قدرات فريق المفاوضات الفلسطيني في مجال المياه العابرة للحدود.
وقد رحّبت المديرة العامة للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، السفيرة باتريشيا دانزي، بدعوات إشراك البلدان المعنية الأخرى ووعدت بالمساعدة لتحقيق ذلك، لأن «سويسرا تتمتع بتاريخ طويل في تعزيز التعاون، ومن خلال مبادرة السلام الأزرق، نلعب دور الوسيط ونقدّم للبلدان دعمنا لإدارة مواردها المائية المشتركة على نحو سلمي ومستدام». في حين اقترح المدير الإقليمي للوكالة السويسرية، أندريه هوبر، «عدم تجاوز اللجنة الإدارية لمبادرة السلام الأزرق، التي يمكنها تسهيل الحوار بين أعضاء المبادرة»، مُضيفاً: «نحن جاهزون لتوفير الدعم المالي، وإذا طلبت أي دولة تدخلنا، سندرس ذلك بإيجابية».
ويُعَدُّ «مركز دبلوماسية المياه» جزءاً من مبادرة السلام الأزرق، وهو تأسس عام 2019 في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، بدعم من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. ويسعى إلى أن يصبح «مركزاً إقليمياً محورياً للبحث والتدريب وللتعاون في قضايا المياه العابرة للحدود»، وفق ما يُشير مديره وعميد كلية الهندسة في الجامعة، الدكتور سهيل كيوان.
ومن مساهمات المركز دراسة مفصّلة عن «مستقبل اليرموك»، بقيادة البروفسور مارك زيتون، المدير العام لمركز جنيف المائي. وهي تدعو لأن تكون شروط استخدام حوض نهر اليرموك، الذي تتقاسمه سوريا والأردن وإسرائيل، أكثر إنصافاً واستدامة. وتوضح أن الاتفاقية الحالية لا تتطابق مع مبادئ الاتفاقات الدولية للمياه العابرة للحدود، كما أظهر عرض لنتائج الدراسة قدمه البروفسور شادي عبد الله في «إكسبو دبي». والثابت أن وجود اتفاقية حول الموارد المائية العابرة للحدود لا يعني التعاون حكماً. ويقول زيتون إنه حتى لو التزمت جميع الأطراف بالاتفاقية حول نهر اليرموك، التي تعود إلى الثمانينات، فهذا لن يفيد الأردن، لأنّها أساساً مجحفة بحقه».
لذلك، فالمطلوب «عملية تكاملية، وإرادة سياسية، وآلية لمأسسة هذا التعاون، وليس فقط الاكتفاء بتطبيق الاتفاقات الموجودة»، كما يؤكّد هوبر، مُتسائلاً: «لقد شاركت في مفاوضات اتفاقية باريس للمناخ، ولكن هل بمجرد توقيعها نجحنا في إنقاذ الكوكب من تغيُّر المناخ؟» ويجيب: «المدخل الأساس يبقى بناء الثقة عبر الحوار بدل التنازع على الحصص».
أمّا الدكتور زياد خياط، مسؤول الشؤون الاقتصادية في «الإسكوا»، الذي شارك في تطوير الإطار القانوني للموارد المائية المشتركة في المنطقة العربية، فنبَّه إلى أنّ «العمل على اتفاقية الأمم المتحدة حول المياه لعام 1992 استغرق 27 عاماً، والأهم من الاتفاقية هو التفاهم السياسي حولها وكيفية تطبيقها».
في ضوء ذلك، كيف سيعمل «مجتمع السلام الأزرق» للترويج للمياه كمحفز للتنمية المستدامة والسلام؟ اعتباراً من عام 2023. سيسلّم معهد المياه التركي الدور التنسيقي إلى الشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه التي تستضيفها الأردن، فيما يواصل الأمير الحسن بن طلال رئاسة اللجنة الاستشارية للسياسات لمبادرة السلام الأزرق، كما ذكرت ميسون الزعبي.
وقد دعا الأمير الحسن في كلمة مسجلة له خلال افتتاحه اجتماعات الهيئة العليا لمبادرة السلام الأزرق دول غرب آسيا إلى «الاستلهام من تجربة أحواض الأنهار الأفريقية التي احتلت مرتبة متقدمة في مجال التعاون المائي السياسي والتنموي»، كما دعا إلى إنشاء آلية إقليمية للتعاون في مجال المياه على النحو المقترح في تقرير السلام الأزرق لعام 2011.
ويوضح خبير المياه الإقليمي في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، المهندس مفلح العلاوين، أنّ المبادرة «تركّز على تحقيق الترابط بين تغيُّر المناخ والغذاء والماء والطاقة»، كاشفاً أنّ «العراق سيتولى صياغة دراسة حول هذا الترابط، بما يعكس احتياجات المنطقة، ويسمح بتبادل المعارف والخبرات والتوصيات بحلول لهذه المحاور الأربعة».
لقد أظهرت النقاشات في دبي أنه لا يمكن لدول المنطقة تحقيق تقدم حقيقي إذا لم تواجه بجدية التحديات في قطاع المياه، أكان من الندرة أو النمو السكاني المتسارع والتوسُّع الحضري والتغيُّر المناخي وسوء إدارة الموارد، التي تفاقمها الصراعات والحروب وما ينجم عنها من موجات نزوح. لذا كان من الطبيعي أن تُختتم «أيام السلام الأزرق» في دبي بالتأكيد على أنّ «ندرة المياه المتزايدة في المنطقة تعرّض السلام والاستقرار للخطر»، وأنّ هذا «يحتّم على صانعي القرار والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص ووسائل الإعلام توحيد الجهود لتعزيز استخدام المياه كحافز للتنمية المستدامة والسلام».


مقالات ذات صلة

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

يوميات الشرق أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست» ببريطانيا، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

خاص ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)

علماء يحذّرون من انهيار سريع لتيار رئيسي في المحيط الأطلسي

أشخاص يسبَحون في المحيط الأطلسي بجنوب غربي فرنسا (أ.ب)
أشخاص يسبَحون في المحيط الأطلسي بجنوب غربي فرنسا (أ.ب)
TT

علماء يحذّرون من انهيار سريع لتيار رئيسي في المحيط الأطلسي

أشخاص يسبَحون في المحيط الأطلسي بجنوب غربي فرنسا (أ.ب)
أشخاص يسبَحون في المحيط الأطلسي بجنوب غربي فرنسا (أ.ب)

دقّ علماء ناقوس الخطر بشأن انهيار أسرع من المتوقع لنظام معقّد من التيارات المحيطية بالمحيط الأطلسي، من شأنه أن يؤدي لعواقب «كارثية» على دول اسكندنافيا الغارقة في البرد، بينما ترتفع درجة حرارة بقية الكوكب.

وفي رسالة مفتوحة إلى قادة مجلس بلدان الشمال الأوروبي الذين يجتمعون، الاثنين، في العاصمة الآيسلندية، ريكيافيك، أكّد نحو 40 باحثاً دولياً أن التأثيرات ستكون «على الأرجح» محسوسة في جميع أنحاء العالم.

ويشكّل «دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي» (AMOC) نظاماً معقّداً من التيارات المحيطية، بما يشمل تيار الخليج الدافئ الذي يساعد على تنظيم الحرارة بين المناطق الاستوائية ونصف الكرة الشمالي، وبالتالي فهو حاسم لظروف المعيشة في القطب الشمالي.

ويُعدّ انهيار هذا النظام، الذي ضعف بالفعل على مدى العقدين الماضيين وفق دراسة نُشرت هذا العام، إحدى نقاط التحوّل التي تُقلق العلماء بسبب سلسلة الكوارث التي يمكن أن تؤدي إلى حدوثها. لكن لا إجماع حول التاريخ الذي يُتوقع أن يحدث ذلك فيه.

وفي تقرير التقييم السادس الذي نُشر في عام 2023، أعرب خبراء المناخ المفوّضون من الأمم المتحدة (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ - IPCC) عن «مستوى متوسط من الثقة في حقيقة أن دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي لن ينهار قبل عام 2100».

ومع ذلك، كما يقول الموقِّعون على الرسالة المفتوحة، فإن بحوثاً أُجريت أخيراً «تشير إلى أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ قد قلّلت من شأن هذا الخطر، وأن تجاوز نقطة التحول هذه هو احتمال جِدّي في العقود المقبلة».

ولفت هؤلاء إلى أن «التأثيرات، خصوصاً على بلدان الشمال الأوروبي، من المرجّح أن تكون كارثية، بما في ذلك التبريد الكبير للمنطقة، بينما تكون المناطق المحيطة دافئة».

وأضاف الموقّعون على الرسالة: «سيمثّل هذا تضخيماً وتكثيفاً للنقطة الباردة (منطقة باردة بشكل غير طبيعي) التي تشكّلت بالفعل فوق المنطقة شبه القطبية في المحيط الأطلسي، ومن المحتمل أن تؤدي إلى ظواهر مناخية متطرفة غير مسبوقة».

وقال الباحثون إن هذا الأمر قد يهدّد «احتمال» استمرارية الزراعة في شمال غربي أوروبا.

لكن آثار ذلك «من المحتمل» أن تكون محسوسة أيضاً على نطاق عالمي، من خلال «التحول في أحزمة هطول الأمطار الاستوائية، وتقليل امتصاص المحيطات لثاني أكسيد الكربون (وبالتالي زيادة أسرع في معدلاته في الغلاف الجوي)، بالإضافة إلى ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر».

ويجمع مجلس الشمال بين الدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد، بالإضافة إلى مناطق عدة في المنطقة (جُزر فارو وغرينلاند وآلاند).

ويجتمع قادة هذه الدول يومَي الاثنين والثلاثاء في ريكيافيك؛ لحضور قمة تمت دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إليها أيضاً.