نحن والصورة

أبيض وأسود بالألوان

نحن والصورة
TT

نحن والصورة

نحن والصورة

معظم الناس باتوا يقتنون كاميرات الديجيتال إن لم يكن على نحو آلة التصوير بحد ذاتها، فمن خلال استخدام الهاتف الجوال بغاية التصوير. السائد هو أن يلتقط المرء الصور بجهازه الجوال أو بالكاميرا الصغيرة إذا ما استحوذ عليها، ثم يحفظ، ويبعث بنسخة منها إلى أصدقائه أو ينشرها على الـ«فيسبوك» العزيز ثم يلتفت لغيرها.
هذا هو التصوير اليوم موجزًا.
ليس هناك من حالات إبداع إلا في محيط محدود. قليلون من المستخدمين يصوّرون لأنهم يحبون التصوير. الغالبية تحب أن تصوّر وهناك فرق. فمن يحب التصوير هو هاوٍ قد يتحوّل إلى محترف أو قد يبقى هاويًا. في الحالتين علاقته مع الصورة هي علاقة عاطفية ذات رغبة في التمكن من الصورة فنيّا. يضع عينه على الفتحة ويأخذ وقته في المعاينة. يدرس الموضوع المصوّر والضوء الذي عليه والبعد في المسافة بينه وبين الموضوع، وما إذا كان سيرغب في استخدام «الزوم» أو استخدام أي مرشّح ذكي أو عدسة إضافية. يضع كل ذلك في الحسبان لجانب السؤال الأهم: لماذا؟
لن يصوّر موضوعًا لا يشعر تجاهه بالعناية. لن يلتقط صورة لا يكترث لها. ليس هو في هذه المهنة لكي «يكبس» على الزر، بل ليجعل من التصوير فنّا «يرش» عليه رؤيته كمبدع.
ونصيحتي للسياح العرب الذين سيتوافدون قريبًا على مدن الغرب أن يزوروا متاحف الفوتوغرافيا الموزّعة في أرجاء كل مدينة إن كانوا مهتمّين بالتصوير. أما إذا كان اهتمامهم التقاط الصور، فليس في هذه الدعوة ما يلبّي حاجتهم إلا إذا كانوا يتمتعون بما يكفي من الفضول.
من يحب التقاط الصور لا يكترث لكل ما سبق من ظروف وشروط وعناصر. لقد وفّر له صانع الكاميرا أو صانع الهاتف الأسس التقنية لالتقاط صورة واستخدامها إلكترونيًا فيما بعد. وهذا هو كل ما يريده من الكاميرا.
كم من مرّة مررنا أمام مشهد شاب يحاول تصوير صديقته فيوقفها على بعد سبعة أمتار لكي يلتقط لها صورة وسط الزهور في الحديقة الغنّاء أو تحت تلك الشجرة الباسقة أو بالقرب من النافورة. خلال ذلك يضطر العابرون للتوقف بينما يقوم الأستاذ الفنان من دون اكتراث لهم بأخذ وقته ليضغط على الزر ويأخذ الصورة التي يبتسم لها ولنفسه، كما لو أنه حقق معجزة.
لجانب إزعاج المارّة (هل هذا يهم بين جيل الأنا الحالي؟) تلك المسافة البعيدة للمحبوبة لن تنتج لقطة جيّدة. لو استخدم «الزوم» لقضى على المحيط الطبيعي. لو لم يستخدم «الزوم» لبدت الفتاة كما لو كانت وجهًا ثانويًا وسط كل الشواغل الأخرى. ما كان بحاجة إليه المصوّر هو الخروج من صندوق التقليد والبحث عن وسيلة أجدى لاستخدام وقته. لعله لو اقترب من الفتاة وطلب منها أن تمد يدها للماء، أو طلب من صديقه أن ينام تحت تلك الباقة من الورود وصوّره عن قرب. أو - الأفضل دومًا - الابتعاد عن تقليعة تصوير الوجوه والأشخاص الذين يعرفهم والانطلاق لتصوير أفكار وحالات.
مارست هواية التصوير الفوتوغرافي لبضع سنوات. التقطت كاميرتي الثانية في مدينة نيويورك (الأولى كانت آلة بسيطة في صندوق لغير المحترفين). اشتريت كاميرا رائعة بـ«زوم» كبير في مطلع الثمانينات خلال مروري بأحد شوارع المدينة. وجدت بالصدفة محلاً يبيع الجديد بأسعار مخفّضة. كاميرتي (من نوع «بنتاكس» اليابانية) لم يزد سعرها، و«الزوم» الذي اشتريته لها بـ260 دولارا. «يا بلاش». بقيت معي لسنوات أصوّر فيها، ثم عندما توقفت عن العمل كان اهتمامي بالتصوير قد توقف أيضًا. لكني أشعر اليوم برغبتي الشديدة في العودة إلى التصوير الفوتوغرافي. مثل أي هواية أخرى، هي علاقة حب مع الحياة. وأنا ما زلتُ مبتدئًا.



إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
TT

إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})

لا يمكنك أن تتفرّج على كليب أغنية «حبّك متل بيروت» للفنانة إليسا من دون أن تؤثر بك تفاصيله. فمخرج العمل إيلي فهد وضع روحه فيه كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»، ترجم كل عشقه للعاصمة بمشهديات تلامس القلوب. أشعل نار الحنين عند المغتربين عن وطنهم. كما عرّف من يجهلها على القيمة الإنسانية التي تحملها بيروت، فصنع عملاً يتألّف من خلطة حب جياشة لمدينة صغيرة بمساحتها وكبيرة بخصوصيتها.

ويقول في سياق حديثه: «أعتقد أن المدن هي من تصنع أهلها، فتعكس جماليتهم أو العكس. الأمر لا يتعلّق بمشهدية جغرافية أو بحفنة من العمارات والأبنية. المدينة هي مرآة ناسها. وحاولت في الكليب إبراز هذه المعاني الحقيقية».

تلعب إليسا في نهاية الكليب دور الأم لابنتها {بيروت} (حساب فهد إيلي على {إنستغرام})

من اللحظات الأولى للكليب عندما تنزل إليسا من سلالم عمارة قديمة في بيروت يبدأ مشوار المشاهد مع العاصمة. لعلّ تركيز فهد على تفاصيل دقيقة تزيح الرماد من فوق الجمر، فيبدأ الشوق يتحرّك في أعماقك، وما يكمل هذه المشهدية هو أداء إليسا العفوي، تعاملت مع موضوع العمل بتلقائية لافتة، وبدت بالفعل ابنة وفيّة لمدينتها، تسير في أزقتها وتسلّم على سكانها، وتتوقف لبرهة عند كل محطة فيها لتستمتع بمذاق اللحظة.

نقل فهد جملة مشاهد تؤلّف ذكرياته مع بيروت. وعندما تسأله «الشرق الأوسط» كيف استطاع سرد كل هذه التفاصيل في مدة لا تزيد على 5 دقائق، يرد: «حبي لبيروت تفوّق على الوقت القليل الذي كان متاحاً لي لتنفيذ الكليب. وما أن استمعت للأغنية حتى كانت الفكرة قد ولدت عندي. شعرت وكأنه فرصة لا يجب أن تمر مرور الكرام. أفرغت فيه كل ما يخالجني من مشاعر تجاه مدينتي».

من كواليس التصوير وتبدو إليسا ومخرج العمل أثناء مشاهدتهما إحدى اللقطات من الكليب (فهد إيلي)

يروي إيلي فهد قصة عشقه لبيروت منذ انتقاله من القرية إلى المدينة. «كنت في الثامنة من عمري عندما راودني حلم الإخراج. وكانت بيروت هي مصدر إلهامي. أول مرة حطّت قدمي على أرض المدينة أدركت أني ولدت مغرماً بها. عملت نادلاً في أحد المطاعم وأنا في الـ18 من عمري. كنت أراقب تفاصيل المدينة وسكانها من نوافذ المحل. ذكرياتي كثيرة في مدينة كنت أقطع عدداً من شوارعها كي أصل إلى مكان عملي. عرفت كيف يستيقظ أهاليها وكيف يبتسمون ويحزنون ويتعاونون. وهذا الكليب أعتبره تحية مني إلى بيروت انتظرتها طويلاً».

لفت ايلي فهد شخصية إليسا العفوية (حسابه على {إنستغرام})

يصف إيلي فهد إليسا بالمرأة الذكية وصاحبة الإحساس المرهف. وهو ما أدّى إلى نجاح العمل ورواجه بسرعة. «هذا الحب الذي نكنّه سوياً لبيروت كان واضحاً. صحيح أنه التعاون الأول بيني وبينها، ولكن أفكارنا كانت منسجمة. وارتأيت أن أترجم هذا الحبّ بصرياً، ولكن بأسلوب جديد كي أحرز الفرق. موضوع المدينة جرى تناوله بكثرة، فحاولت تجديده على طريقتي».

تبدو إليسا في الكليب لطيفة وقريبة إلى القلب وسعيدة بمدينتها وناسها. ويعلّق فهد: «كان يهمني إبراز صفاتها هذه لأنها حقيقية عندها. فالناس لا تحبها عن عبث، بل لأنها تشعر بصدق أحاسيسها». ويضعنا فهد لاشعورياً في مصاف المدن الصغيرة الدافئة بعيداً عن تلك الكبيرة الباردة. ويوضح: «كلما كبرت المدن خفت وهجها وازدادت برودتها. ومن خلال تفاصيل أدرجتها في الكليب، برزت أهمية مدينتي العابقة بالحب».

لقطة من كليب أغنية "حبّك متل بيروت" الذي وقعه إيلي فهد (حسابه على {إنستغرام})

كتب الأغنية الإعلامي جان نخول ولحّنها مع محمد بشار. وحمّلها بدوره قصة حب لا تشبه غيرها. ويقول فهد: «لقد استمتعت في عملي مع هذا الفريق ولفتتني إليسا بتصرفاتها. فكانت حتى بعد انتهائها من تصوير لقطة ما تكمل حديثها مع صاحب المخبز. وتتسامر مع بائع الأسطوانات الغنائية القديمة المصنوعة من الأسفلت». ويتابع: «كان بإمكاني إضافة تفاصيل أكثر على هذا العمل. فقصص بيروت لا يمكن اختزالها بكليب. لقد خزّنت الكثير منها في عقلي الباطني لاشعورياً. وأدركت ذلك بعد قراءتي لتعليقات الناس حول العمل».

في نهاية الكليب نشاهد إليسا تمثّل دور الأم. فتنادي ابنتها الحاملة اسم بيروت. ويوضح فهد: «الفكرة هذه تعود لإليسا، فلطالما تمنت بأن ترزق بفتاة وتطلق عليها هذا الاسم». ويختم إيلي فهد متحدثاً عن أهمية هذه المحطة الفنية في مشواره: «لا شك أنها فرصة حلوة لوّنت مشواري. وقد جرت في الوقت المناسب مع أنها كانت تراودني من قبل كثيراً».