مائة ألف شخص عالقون في «الجحيم الجليدي» لدى ماريوبول الأوكرانية

آليات عسكرية مدمرة وسط الشوارع (رويترز)
آليات عسكرية مدمرة وسط الشوارع (رويترز)
TT

مائة ألف شخص عالقون في «الجحيم الجليدي» لدى ماريوبول الأوكرانية

آليات عسكرية مدمرة وسط الشوارع (رويترز)
آليات عسكرية مدمرة وسط الشوارع (رويترز)

ما زال نحو مائة ألف شخص عالقين في مدينة ماريوبول المحاصرة والمستهدفة بالقنابل الروسية بعد شهر تقريباً من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولم يلقَ اقتراح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للاجتماع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بهدف التوصل إلى «تسويات» خصوصاً بشأن شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس، آذاناً صاغية حتى الآن، فيما يأمل الروس في «مفاوضات أكثر نشاطاً وأكثر عمقاً»، حسب دميتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين.
وفي انتظار التوصل إلى اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار، حذّر زيلينسكي في مقطع فيديو نُشر فجر اليوم (الأربعاء)، من أن «نحو مائة ألف شخص محاصرون بين أنقاض ماريوبول في ظروف غير إنسانية، من دون طعام، من دون ماء، من دون دواء، وتحت قصف مستمر».
https://twitter.com/Quicktake/status/1506123822122127367
ويُفترض أن يلقي الرئيس الأوكراني كلمة أمام البرلمانين الياباني والفرنسي، اليوم، قبل عطلة نهاية أسبوع تشهد نشاطاً دبلوماسياً عالياً. فالخميس، بعد شهر من بدء الغزو، سيجتمع الغربيون في بروكسل لعقد قمم لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.
من جانبه، أعلن جيك سوليفان مستشار الأمن القومي لجو بايدن، فرض «عقوبات جديدة على روسيا». ومن المقرر أن يسافر الرئيس الأميركي بعد مشاركته في تلك القمم إلى بولندا التي تستضيف الجزء الأكبر من اللاجئين الأوكرانيين البالغ عددهم 3.5 ملايين.
وأوضح سوليفان أن بايدن الذي سيغادر الولايات المتحدة متوجهاً إلى أوروبا، اليوم: «سيعمل أيضاً مع الحلفاء بشأن تعديلات طويلة الأجل» فيما يتعلق بوجود حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية.

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت روسيا ستُستبعد من بعض المؤسسات الدولية قال سوليفان: «فيما يتعلق بقضية مجموعة العشرين، سأقول هذا ببساطة: نعتقد أن الأمور لن تبقى على حالها بالنسبة إلى روسيا في المؤسسات الدولية وفي المجتمع الدولي. لكن فيما يخص مؤسسات محددة وقرارات محددة، نريد التشاور مع حلفائنا وشركائنا في تلك المؤسسات قبل اتخاذ قرار».
وتتعرض ماريوبول، المدينة الساحلية الاستراتيجية الواقعة بين شبه جزيرة القرم (جنوب) التي ضمّتها موسكو عام 2014 ومنطقة دونيتسك الانفصالية (شرق)، للقصف الروسي منذ أسابيع. وقد استهدفتها، أمس (الثلاثاء)، «قنبلتان خارقتان» حسب البلدية التي لم تذكر أي حصيلة قتلى أو جرحى.
وأظهرت صور أقمار صناعية التقطتها شركة «ماكسار» الأميركية صباح أمس، وأُرسلت إلى وكالة الصحافة الفرنسية، حجم الدمار الذي لحق بأحياء سكنية وبنى تحتية مدنية ومصانع.

ودخلت دبابات روسية إلى المدينة، وأكد مسؤول كبير في البنتاغون مساء أمس، أن الاستراتيجية الروسية تعتمد الآن على «القصف بعيد المدى في وسط المدينة»، وهو ما لاحظه الأميركيون «خلال الـ24 ساعة الماضية».
وتحدث سكان فرّوا من المدينة المدمَّرة لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» عن «جحيم جليدي وشوارع تنتشر فيها الجثث وأنقاض المباني المدمّرة».
وقالت المدعية العامة الأوكرانية إيرينا فينيديكتوفا، لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس: «هذه ليست حرباً، هذه إبادة جماعية» لأن «ساحات الحرب لها قواعد ومبادئ. ما نراه في ماريوبول، هو غياب تام للقواعد».
واستنكر الرئيس الأوكراني مساء أمس، استيلاء الروس على قافلة إنسانية، وقال: «لقد باءت كل محاولاتنا» لتوفير الغذاء والدواء «للأسف بالفشل بسبب المحتلين الروس. عبر القصف أو الترهيب».
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمس، روسيا إلى إنهاء «حربها العبثية» في أوكرانيا، مشيراً إلى أن هذا الصراع «لا يمكن الفوز فيه». وأضاف: «حتى لو سقطت ماريوبول، لا يمكن غزو أوكرانيا مدينة بمدينة، شارعا بشارع، منزلاً بمنزل».
ميدانياً، استمر القصف على مدن عدة مثل كييف وخاركيف وماريوبول وأوديسا وميكولايف وتشرنيهيف.
https://twitter.com/CoffeeOrDieMag/status/1506366946358566931
وفي كييف حيث يفترض أن ينتهي، صباح اليوم، حظر التجول الذي فُرض صباح الاثنين، يبدو أن تقدم القوات الروسية متوقف.
أما سكانها الذين فرّ جزء كبير منهم، فينتظرون بقلق هجوماً محتمَلاً للقوات الروسية. وفي غرب العاصمة وشمالها وشرقها، وُضعت أكياس رمل وسلاسل مضادة للدبابات مصنوعة من قضبان معدنية متقاطعة في كل الشوارع والأزقة ومفترقات الطرق، في محاولة لصد الروس.
وقُتل شخص على الأقل أمس، في قصف مبنى الأكاديمية الوطنية للعلوم في شمال غربي المدينة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. كذلك، أعلن عنصر من الاستخبارات العسكرية الأوكرانية مقتل ثلاثة أشخاص بقصف طائرات مسيّرة روسية. ومنذ بدء الغزو، قُتل في العاصمة 228 شخصاً بينهم أربعة أطفال.
من جهته، قال حاكم المنطقة ألكسندر بافليوك، إن القصف كان كثيفاً أمس، في الكثير من المناطق المحيطة بالعاصمة، وكان القتال مستمراً في إيربين وغوستوميل، على مشارف كييف.
https://twitter.com/Osinttechnical/status/1506326389607350277
في جنوب أوكرانيا حيث تقع المدينة الرئيسية الوحيدة التي يسيطر عليها الجنود الروس وهي خيرسون، تحاول القوات الروسية التقدم غرباً ونحو البحر الأسود لكنها لا تحرز تقدماً حول ميكولاييف.
وخاركيف (شمال شرق)، ثانية مدن البلاد، محاطة بالقوات الروسية من جوانب ومحاور رئيسية عدة، لكنها ليست محاصرة.
وأكد الناطق باسم البنتاغون جون كيربي، لقناة «سي إن إن»، أن الجيش الأوكراني بات «الآن، في بعض المواقف، في حالة هجوم»، مؤكداً أنه «يطارد الروس ويدفعهم إلى الخروج من المناطق التي كانوا موجودين فيها».
وأضاف: «نعلم أنهم شنوا هجمات مضادة (...) خصوصاً في الأيام الأخيرة في ميكولاييف»، وهي مدينة رئيسية في جنوب أوكرانيا.
وأوضح كيربي: «لقد لاحظنا تزايد (هذه المكاسب) في الأيام الأخيرة» لصالح أوكرانيا، معتبراً ذلك «دليلاً حقيقياً على قدرتهم على القتال وفقاً لخططهم وعلى التكيف، ومن جديد، السعي لصد القوات الروسية». وتابع: «قادتهم لا يتحدثون دائماً، ولا ينسّقون دائماً بين القوات الجوية والبرية».
ولفت الأميركيون إلى حدوث نقطة تحول في الصراع. وأوضح مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون مساء أمس، أنه «للمرة الأولى أصبحت القوة القتالية الروسية أقل بقليل من 90%» في كلٍّ من بيلاروسيا وعلى الحدود الروسية - الأوكرانية.
وقد أفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، استناداً إلى مصادر من البنتاغون، بأن فقدان 10% من عناصر الجيش (قتلى أو جرحى) يعيق بشكل كبير قدرته على القتال.
https://twitter.com/theragex/status/1506411393389637637
وقال مسؤول كبير في البنتاغون مطلع الأسبوع، إن روسيا كثّفت عملياتها الجوية والبحرية في أوكرانيا لمواجهة مقاومة القوات الأوكرانية التي تواصل إعاقة تقدم الجيش الروسي في البلاد.
وأشار جيك سوليفان، مساء أمس، إلى أن الأميركيين الذين كانوا قلقين بشأن تقديم الصين دعماً عسكرياً واقتصادياً محتملاً لروسيا «لم يلحظوا» إمدادات عسكرية من بكين إلى موسكو منذ المكالمة الهاتفية التي أجراها جو بايدن مع نظيره الصيني شي جينبينغ، الجمعة الماضي.
من جهة أخرى، بدأت «غوغل» سحب موظفيها من روسيا في الأسابيع الأخيرة، وفقاً لوكالة «بلومبرغ». كذلك، حذف «يوتيوب» قناة لوزارة الدفاع الروسية، حسب وثيقة داخلية اطّلعت عليها «بلومبرغ» تؤكد أن المنصة تواجه خطر حظرها في روسيا.
وفي السياق، حظرت محكمة في موسكو (الاثنين) موقعي «فيسبوك» و«إنستغرام» في روسيا معتبرةً أنهما يقومان بنشاطات «متطرفة»، في فصل جديد من مراقبة الإنترنت على خلفية غزو أوكرانيا.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».