تتناثر أصداء من عالم الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي، وما يعانيه أبطاله من قسوة واضطهاد وتعسف، في أجواء ديوان «كل ما فعله دوستويفسكي» للشاعر المصري طارق هاشم. وهو ديوانه الثاني في سياق تجربة الكتابة باللغة الفصحى، بعد ديوانه «اختراع هوميروس» عام 2020، وخمس مجموعات شعرية بالعامية المصرية، إضافةً إلى كتابين يناقش فيهما قضايا الأغنية المصرية الحديثة.
صدر الديوان حديثاً عن المكتبة الأهلية بالأردن، في 93 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 27 قصيدة، تلعب على وتر شخصيات أدبية تركت أثراً في التاريخ الإنساني. كما تنفتح لغتها على إيقاع المشهد السينمائي، والدراما المسرحية، ورحابة الموسيقى.
يحوّل الشاعر مرآة صاحب «الجريمة والعقاب» إلى مرآة تنعكس عليها ومضات من الماضي والحاضر، وأداة للكشف والمعرفة والتساؤل، يمارس في ظلالها قراءة خاصة وحميمة لذاته وهواجسه وأحلامه، ويتخذها معولاً لتعرية الواقع، وكشف المهمش والزائف والمسكوت عنه، على شتى الأصعدة السياسية والاجتماعية. كما يبرز في القصائد إحساس بالفقد والحرمان، يذكّرك بمأزق الوجود الإنساني، في عالم يعجّ بالفوضى والعبث والفقر، على غرار الكثير من شخصيات دوستويفسكي في أعماله الروائية. في المقابل تنحاز الذات الشاعرة لقيم العدل والحرية، وتناصر المرأة في كل أدوارها، صديقةً وأختاً وأمّاً وحبيبةً. يبرز هذا على نحو خاص في قصائد مثل: «أبي في المقهى»، و«في الممر الضيق»، حيث التركيز على لغة المشهد الخاطفة المكثفة، في بنية الصورة الشعرية، والحرص على أن تظل مفتوحة على تخوم الماضي والحاضر معاً، وفي حركة صاعدة من الأسفل والأعلى، يمسها زمن افتراضي يصنع جسراً بين ما مضى وما هو كائن بالفعل، كما يبرز الحب في بعض القصائد، كقيمة عاطفية حاضنة ومكونة، مشحونة بالأمل والنظر إلى المستقبل والفضاء الحر المفتوح على حيوية الحواس والذاكرة والحلم.
ولا تخلو استعارة دستويفسكي في الديوان من الولع بأنسنة الأشياء، والبحث عن هواء خاص في مسامها، يضفي عليها حيوية الكائن البشري، أو على الأقل يجعلها صديقة له، تبادله الهواجس والمخاوف، وتعينه في تخطي مأزق الوجود والحياة. من أجواء الديوان:
في حياة سابقة
كنت أعمل بائعا للكتب
كل صباح
تصافح يدي يدَ دوستويفسكى
تعصرها كما يعصر البحرُ أرواح السفن
كنت أحصى الكتب
كما يحصى الأطفال
الأيام السابقة على الأعياد.
***
لا وطن
ينام شعب
خسر دموعه لأجل تفاحة
لم تكن يوماً سوى حلم
باعه العربان ببندقية
ستصوَّب فوهتها إلى خاصرتهم