ما هي السعادة؟ لكل شعب خلطته السرية

بمناسبة يومها العالمي

ما هي السعادة؟ لكل شعب خلطته السرية
TT

ما هي السعادة؟ لكل شعب خلطته السرية

ما هي السعادة؟ لكل شعب خلطته السرية

يحتفل العالم في العشرين من مارس (آذار) من كل عام باليوم العالمي للسعادة، ويصدر في هذا الصدد، كما هو معروف، مؤشر للسعادة، مرتباً الدول حسب معايير محددة تستند إلى 38 مؤشراً تتراوح بين مستويات الرفاه الاقتصادي والحرية الفردية، ونظام الحكم والصحة والتعليم، ومستوى الشفافية والفساد ومستويات الأجور، وقدرة الأفراد على تقرير مستقبلهم ومستويات الثقة بالحكومة والقطاع الخاص.
ولكن ما هي السعادة؟
الفقير يراها في الثروة، والمريض في الصحة، والعاشق في الوصل، والمتعثر في الإنجاز. ثم، هل السعادة قصيرة المدى سعادة أم متعة؟ وهل السعادة طويلة المدى سعادة أم رضا؟
هل هي تنبعث من دواخلنا، أم نجدها مع وعند غيرنا؟ وهل الجينات تشكل 5 في المائة من الحالات المزاجية التي منها السعادة، كما ورد في الأبحاث؟ قالوا إن مصادر السعادة الشخصية هي الصحة والأهداف المحددة، والثقة بالنفس والتعليم والنجاح المهني. ولكننا نعرف سعداء يفتقرون إلى تلك المصادر! ورأوا في الأسرة والأصدقاء والأنشطة مصادر السعادة الاجتماعية، بينما نعرف أشخاص سعداء في وحدتهم وانعزالهم!
فهل هي «تعويض عن النواقص»، كما قال أرسطو؟ أم أنها التزام أخلاقي، كما ذهب كانط؟ أمْ هي لذة العقل، حسب الفارابي؟
وهل التقي هو السعيد كما قال الحُطيئة؟ أم الشعور بالأمان، كما قال جون ديوي! أو أنها إيجاد معنى للحياة، كما قال لونوار! أم أن لكل منا سعادته الخاصة، كما قال مونتين؟ وهل هي فعلاً سر الدنيا ولغز الدهور، كما قالت نازك الملائكة؟ سنرى في بلدان العالم أن لكل شعب خلطته السرية في السعادة والبهجة وسنستغرب! بوتان وضعت برنامجاً لـ«السعادة الوطنية الإجمالية»؛ وهي ما يعتبره رئيسها أهم من إجمالي الناتج المحلي. وتشير النتائج إلى أن بوتان نجحت في هذا البرنامج، وكان رئيسها ذا نظرة ثاقبة!
يجد الإنجليز السعادة في أشياء صغيرة عابرة كأرنب أو كعكة، ولا أحد يعلم لماذا يبتهجون بها كل ذلك الابتهاج. ويقضي الفنلندي أجمل أيامه داخل منزله وبابه مغلق، مرتدياً بيجامته طوال الوقت! ويجد الألمان سعادتهم في الإنجاز والكدح. ولا شك أن أخلاقيات العمل اللوثرية كان لها دور في ذلك، ولطالما كانت التعويذة لدى الألمان «العمل والمتعة». وتكمن سعادة الدنماركيين في التوازن بين العمل والحياة الاجتماعية. أما الحكايات والمسرح والجلسات المطولة فهي سعادة أهل اليونان، وأعتقد أن جملة «صُنع بحب» هي من أقوالهم!
ولنسأل أهل هاواي عن الركمجة والتفاعل مع المحيط والطبيعة، والأيسلنديين عن متعة التأليف وإظهار الصلابة، والهنود عن حالة الابتهاج العالي حين يرتجلون حلاً عبقرياً مبتكراً بأقل التكاليف! والسعادة هي في المنادمة لدى الآيرلنديين، وفي لذة الخمول واللامبالاة عند الطليان. وهي في الطبيعة والحنين للماضي لدى اليابانيين. والسعادة الجماعية تأتي من التباهي عند شعب نيوزلندا، ومن متعة تسلق القمم عند النرويجيين. وعند جيرانهم السويديين هي احتساء القهوة وقرمشة الشيبس والتريض في الطقس الصعب. وتأتي عند الروس بعد حمام السونا وجلدهم لأنفسهم بأغصان الشجر وأحجية الألم الممتع.
وينعم أهل جنوب أفريقيا بالسعادة جراء التسامح والتفاعل مع الآخرين. ويعرفها الإسبان أثناء الجلسات حول المائدة والجولات على الحانات.
ما نعرفه أن السعادة شعور ممكن دوماً، ولكني قرأت تعريفاً ذات يوم كان مقنعاً - على الأقل بالنسبة لي - ولا أعرف لمن، يقول:
أتريد السعادة حقاً؟!
لا تبحث عنها بعيداً، إنها فيك، في تفكيرك المبدع، في خيالك الجميل، في إرادتك المتفائلة.
في قلبك المشرق بالخير. فهل يخضع برنامج التنمية المستدامة بالأمم المتحدة لكل هذه المواصفات في معاييره المعتمدة؟ صعب!
* كاتب سعودي


مقالات ذات صلة

خوري تناقش مع بلقاسم حفتر سبل ضمان التنمية العادلة لـ«جميع الليبيين»

شمال افريقيا بلقاسم حفتر مستقبِلاً المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني خوري (صندوق التنمية والإعمار)

خوري تناقش مع بلقاسم حفتر سبل ضمان التنمية العادلة لـ«جميع الليبيين»

قالت المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني خوري، إنها عقدت اجتماعاً مع مدير «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، ناقشا فيه ضمان التنمية العادلة لجميع مناطق البلاد.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من مؤتمر «برلين» بشأن ليبيا في يونيو 2021 (أرشيفية - البعثة الأممية)

بريطانيا تستضيف اجتماعاً حول ليبيا من دون حضور «أطراف الأزمة»

قبل التئام مؤتمر منتظر، في لندن بشأن ليبيا، زادت حدة الخلافات بين الأفرقاء المتنازعين على السلطة، فيما بدا عدم تمثيل «الفاعلين في الأزمة» أمراً مستغرباً للبعض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الموفد الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن في مؤتمر عبر الفيديو في 29  نوفمبر (أرشيفية - أ.ف.ب)

المبعوث الأممي: ما يحصل في سوريا دليل فشل جماعي

قال المبعوث الأممي إلى سوريا، إن ما يحدث اليوم دليل على الفشل الجماعي في تحقيق عملية سياسية حقيقية منذ سنوات كثيرة، لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2245.

«الشرق الأوسط» (لندن - جنيف )
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تدعو إلى زيادة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة

دعت تركيا المجتمع الدولي إلى زيادة الضغط على إسرائيل على الفور لوقف هجماتها بشكل كامل على قطاع غزة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)

خاص 77 عاماً على القرار 181... إسرائيل تتجاهل والفلسطينيون يتمنون «التقسيم»

بعد 77 عاماً على قرار التقسيم، يثبت من جديد أن «حل الدولتين» هو الأفضل والأمثل والأجدى. والحرب الأخيرة تثبت أكثر من ذي قبل أن سياسة الرفض لن تجلب سوى الويل.

نظير مجلي (تل أبيب)

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.