عائدات النفط الليبي... صراع يتجدد مع كل انقسام حكومي

صورة أرشيفية لحقل الشرارة النفطي في ليبيا (رويترز)
صورة أرشيفية لحقل الشرارة النفطي في ليبيا (رويترز)
TT

عائدات النفط الليبي... صراع يتجدد مع كل انقسام حكومي

صورة أرشيفية لحقل الشرارة النفطي في ليبيا (رويترز)
صورة أرشيفية لحقل الشرارة النفطي في ليبيا (رويترز)

عاد المنقسمون حول السلطة في ليبيا للحديث مجدداً عن إيرادات النفط، والبحث عن طريقة لغل يد «المنافس» عنها، وسط مطالب بضرورة الاحتفاظ بها لدى مصرف ليبيا الخارجي، وعدم إحالتها مؤقتاً إلى حساب الإيرادات العامة لحين حدوث انفراجة في الانقسام السياسي. ويهدف هذا المطلب، الذي ينادي به نواب موالون لحكومة «الاستقرار»، التي يترأسها فتحي باشاغا، إلى تجفيف المنابع المالية أمام حكومة «الوحدة الوطنية»، برئاسة غريمه عبد الحميد الدبيبة.
وفوجئ الليبيون أمس بأن مبعوث الولايات المتحدة وسفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، يقترح آلية جديدة لإدارة إيرادات النفط، قصد مساعدة البلاد في ظل التجاذبات بين حكومتي الدبيبة وباشاغا.
ويأتي هذا المقترح الأميركي بعد أيام قليلة من الحديث عن توجيه المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، خطاباً إلى مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، طالبه فيه بالاحتفاظ بإيرادات بيع النفط في الحسابات السيادية للمؤسسة الوطنية للنفط لدى مصرف ليبيا الخارجي، وعدم إحالتها إلى حساب الإيرادات العامة مؤقتاً.
وبرر السفير نورلاند أسباب طرحه هذا المقترح، بالقول لـوكالة «رويترز» للأنباء إنه «يهدف إلى منع اتساع نطاق الأزمة لتشمل حرباً اقتصادية، من شأنها أن تحرم الليبيين من الرواتب والسلع المدعومة، والاستثمارات الحكومية، وتؤثر على أسواق الطاقة العالمية».
ويعاني قطاع النفط الليبي منذ عشرة أعوام ونيف، من حالة ارتهان لأسباب سياسية وأزمات اقتصادية، لكنه يظل رغم ذلك المورد المالي الوحيد لليبيين كونه يشكل 98 في المائة من إيرادات الدولة.
وسبق أن أغلقت قبائل موالية لـ«الجيش الوطني» موانئ للنفط لقرابة تسعة أشهر بهدف حرمان حكومة «الوفاق الوطني» السابقة من التصرف في إيراداته، قبل أن تنجح مفاوضات بين أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي حينها، وقائد الجيش المشير خليفة حفتر في 19 من سبتمبر (أيلول) 2020 في إعادة إنتاجه وتصديره.
وأمام تكرار أجواء الانقسام، قال المبعوث الأميركي: «القضية هي توصل الحكومة إلى الطريقة المثلى لضمان استخدام ثروة ليبيا النفطية التي يحتاجها الشعب، وهذا محل مراقبة كي يثق الشعب بعدم تحويلها لأغراض سياسية، أو أنها غير مناسبة».
وتنص الاتفاقيات الدولية على أن مؤسسة النفط، المملوكة للدولة، هي وحدها المنوط بها التعامل مع صادرات النفط الليبي، على أن تُرسل الإيرادات إلى المصرف المركزي، الذي يمول معظم أوجه الإنفاق الحكومي حتى عبر خطوط الصراع الأمامية.
وأوضح نورلاند أن بلاده تقترح آلية قصيرة الأمد، من شأنها البناء على هذا النموذج لكن بطريقة أكثر تنظيماً، وبإشراف مالي أكثر شفافية، مؤكداً أن «الآلية المقترحة ستتمتع بشفافية كافية، إذ سيصدر الجميع بيانات بشأن الإيرادات والمصروفات، بما يمكن من تفسير أي تناقض». وعادة ما يشتكي الليبيون، وخصوصاً الموالين لـ«الجيش الوطني»، من سوء عدالة توزيع عائدات النفط، في حين دأبت الفصائل المسلحة المتنافسة على وقف إنتاج ليبيا النفطي خلال الصراع للضغط على السلطات في طرابلس.
ويتجاوز إنتاج ليبيا من النفط 1.3 مليون برميل يومياً، لكن موانئ النفط تتعرض من وقت لآخر للتعطيل من قبل مسلحين، أو عاملين بالقطاع لمطالب فئوية.
ويأتي المقترح الأميركي، الذي يعبر عن قطاع من الليبيين، بالتوازي مع دعوة الرؤساء المشاركين لمجموعة العمل الاقتصادية، التابعة للجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا (الاتحاد الأوروبي ومصر والولايات المتحدة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)، لتأمين الإنفاق الأساسي للاحتياجات ذات الأولوية للشعب الليبي.
وشددت مجموعة العمل في بيان لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، مساء أول من أمس، على ضرورة استمرار استقلالية المؤسسات السيادية الليبية، مثل مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، وناشدوا السلطات ضمان تزويد المؤسسة الوطنية بالموارد الكافية لتعزيز الإنتاج، وسط ارتفاع أسعار النفط، وذلك من أجل استقرار ليبيا.
وفيما لفتوا إلى ضرورة وجود «شفافية في الإنفاق الحكومي لضمان إدارتها بشكل جيد لصالح الشعب الليبي»، أطلع المحافظ الصديق الكبير، ومستشار نائبه الرؤساء المشاركين على أوضاع مسارات العمل، التي تشكل خطة إعادة التوحيد، التي عمل عليها مصرف ليبيا المركزي، بدعم من شركة «ديلويت».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».