احتدام نزاع القضاء اللبناني مع المصارف وتفاقم أزمة السيولة بالليرة

TT

احتدام نزاع القضاء اللبناني مع المصارف وتفاقم أزمة السيولة بالليرة

رجّح مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط»، دخول لبنان في أزمة سيولة نقدية قاسية بالعملة الوطنية، إلى جانب تصعيد استثنائي للنزاع المفتوح بين البنوك ومرجعيات قضائية مع توالي قرارات الحجز على أموال منقولة وغير منقولة؛ الأمر الذي يدفع ادارات المصارف إلى عقد اجتماعات طارئة وسط طروحات لتصعيد المواجهة، وصولاً إلى اتخاذ قرار بالإقفال الجماعي التحذيري ومطالبة الحكومة ومصرف لبنان بالتدخل العاجل للتوافق على «معالجات عادلة للأزمات المستجدة».
وتحرك مأمورو دائرة التنفيذ في بيروت إلى الفرع الرئيسي لمصرف «فرنسبنك» في الحمرا وفروعه للمباشرة بإجراءات التنفيذ الجبري، وتحديداً الحجز على جميع موجودات فرعي المصرف بما فيها الخزائن والأموال، وختمها بالشمع الأحمر، وذلك في نطاق الجبهة القضائية المشتعلة عقب قرارات المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، المقربة من رئاسة الجمهورية، بمنع سفر خمسة رؤساء لبنوك لبنانية كبيرة والحجز على عقارات وممتلكات عائدة لأعضاء مجالس ادارات في هذه البنوك.
وبالفعل، تمت دعوة الجمعية العمومية الطارئة للمصارف للالتئام في نهاية الأسبوع الحالي عوضاً عن الاجتماع الذي كان مقرراً بعد ظهر أمس، في حين أفضى اجتماع استثنائي لمجلس الإدارة إلى استخلاص معلن بأنه لا يمكن للمصارف «أن تبقى بالرغم عنها في مواجهة مع المودعين لأسباب لا تعود لها ولا تتحمل مسؤوليتها، كما أنها لا يمكن أن تقبل منذ الآن وصاعداً أن تتحمل نتائج سياسات مالية سابقة وتدابير مجحفة صادرة عن السلطات المختصة والتي جعلتها كبش محرقة تجاه المودعين، ولا أن تكون ضحية مواقف شعبوية تصدر نتيجة تموضعات سياسية أو أن تتحمل تدابير غير قانونية صادرة بحقها».
وقررت الجمعية الإبقاء على اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات وتجاوب المعنيين، مع الاحتفاظ بحقها باتخاذ الإجراءات كافة التي تراها مناسبة صوناً لمصلحة المواطنين وللمصلحة الوطنية العليا، مبيّنة في بيانها العاجل «أن استمرار اتخاذ التدابير التعسفية وغير القانونية بحق المصارف يطيح القطاع المصرفي ويلحق أشد الضرر بمصالح المودعين، خصوصاً في ضوء التداعيات السلبية لعلاقاتها مع المصارف المراسلة الأجنبية، كما أنها تشكّل الضربة القاضية لما تبقّى من الاقتصاد اللبناني».
وفي تنويه لافت، لاحظت الجمعية أن المصارف «آثرت حتى اليوم السكوت عن الإجراءات غير القانونية والممارسات التعسفية والضغوط غير الواقعية وحملات التشهير المستمرة الصادرة عن العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية؛ حرصاً على حقوق المودعين ومن أجل تجنيب القطاع المصرفي أضراراً إضافية بعد كل ما مرّ به من أحداث وتحديات. وقد تكلّلت هذه الممارسات مؤخراً بمزيد من الإجراءات القضائية غير القانونية والتعسفية التي يشوبها عيب تجاوز حد السلطة».
بالتوازي، تشهد ردهات البنوك وفروعها إشكالات يومية بسبب اختناقات السيولة، حيث يعاني المودعون من أزمة مزدوجة بسبب زيادة التقنين في ضخ النقود الورقية بالليرة من جهة، ومن توسع ظاهرة رفض السداد عبر البطاقات المصرفية من جهة موازية، وذلك وسط تبادل علني وغير مسبوق لكرة المسؤولية بين مصرف لبنان والجهاز المصرفي. وتعزز ذلك بتلويح أصحاب المخازن الكبرى والسوبر ماركات بإلغاء خدمة الدفع بالبطاقات الممغنطة ما لم تتم الاستجابة لمطلبهم بتحويل الأموال المخزنة إلى الدولار عبر منصة «صيرفة».
ويوضح المسؤول المصرفي، أن الاختناق النقدي بالعملة الوطنية «نتج تلقائياً عن التدابير الوقائية التي اتخذها البنك المركزي لكبح تدهور الليرة الذي بلغ مستويات قياسية عند مستوى 33 ألف ليرة لكل دولار قبيل نهاية العام الماضي»، لافتاً إلى أنه «يستهدف أساساً تحجيم كتلة النقد المتداول بالليرة خارج مخزونه، والتي تعدّت عتبة 45 تريليون ليرة، حيث يجري وللشهر الثالث على التوالي، استبدال مستحقات السحوبات بالليرة بالدولار الورقي عبر منصة (صيرفة) التي يتولى إدارتها بالتعاون مع البنوك وشركات الصيرفة المشتركة، مع إتاحة إجراء عمليات الاستبدال من الليرة إلى الدولار للمبالغ النقدية، ومن دون سقوف محددة».
وقد زاد الضغط على العملة الورقية بالليرة حدّة، مع شبه تعميم ظاهرة رفض السداد عبر البطاقات المصرفية؛ مما حرم مئات آلاف الموظفين والمخرين من استخدام الآلية الإلكترونية للمدفوعات أو تكبيدهم عمولات تراوح بين 5 و15 في المائة على المبالغ المستخدمة للسداد، علماً بأن المصارف تضخ أيضاً سيولة إلكترونية بالليرة لنحو 200 ألف مودع شهرياً لقاء نصف حصصهم المتاحة وفق مندرجات التعميم رقم 161، وبسعر 12 ألف ليرة لكل دولار، أي ما يوازي نحو 2.4 مليون ليرة نقداً لكل شخص.
بدوره، دخل البنك المركزي على تقنين السيولة، مذكراً المصارف بأنها «تستطيع أن تستحصل على الليرة اللبنانية نقداً على أن تقوم ببيع الدولار الأميركي الورقي على سعر منصة (صيرفة) لديه. ما يعني أنه باستطاعتها تأمين حاجات المودعين لديها بالليرة من دون التقيد بالكوتا التي يمنحها لها مصرف لبنان؛ ولذا على المصارف إلا تخفض سقوف السحوبات لزبائنها شهرياً بالليرة نقداً طالما لديها الإمكانيات لتأمين السيولة عبر المنصة، كما ستقوم لجنة الرقابة على المصارف بالتأكد ميدانياً من وضع السيولة لدى المصارف».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.