{حميدتي} ينفي توقيع أي اتفاق يتعلق بموانئ البحر الأحمر

بعد عودته من زيارة مثيرة للجدل إلى روسيا

قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو «حميدتي»
قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو «حميدتي»
TT

{حميدتي} ينفي توقيع أي اتفاق يتعلق بموانئ البحر الأحمر

قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو «حميدتي»
قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو «حميدتي»

أكد قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو «حميدتي» أن الغرض من زيارته لولاية البحر الأحمر ليس توقيع أي اتفاقات تتعلق بميناء بورتسودان، وذلك بعد أيام من عودته من زيارة مثيرة للجدل لروسيا، أعلن بنهايتها أن السودان لا يمانع في إقامة قاعدة بحرية على ساحله على البحر الأحمر روسية أو غير روسية، طالما لا تهدد أمنه القومي.
وأثارت زيارة حميدتي إلى روسيا التي استمرت أياما، الكثير من الجدل، سيما وأنها تزامنت مع الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وزادت التصريحات التي أدلى غداة عودته بأن ساحل السودان على البحر الأحمر متاح لأي دولة تريد بناء قاعدة عليه، وأن السودان ليست لديه مشكلة مع روسيا أو غيرها، وهو ما أعاد إلى الأذهان، المحاولة الروسية لبناء قاعدة لوجيستية على قاعدة «فلمنجو» السودانية على البحر الأحمر.
وقال حميدتي في تصريحات نقلها إعلام قوات الدعم السريع لدى وصوله ولاية البحر الأحمر أمس، إنه وبصفته ممثلاً لمجلس السيادة، يزور الولاية للوقوف على قضاياها ومشاكل الميناء مع الجهات ذات الاختصاص، ما يسهل انسياب الصادرات والواردات بطريقة سلسة، نافياً في ذات الوقت ما أثير بأن زيارته لولاية البحر الأحمر، تتضمن توقيع اتفاقية تتعلق بميناء بورتسودان، بقوله: «لم نأت لتوقيع أي اتفاق يخص الميناء، وإنما جئنا مع المختصين ومع الوالي، لنحل مشاكل الميناء المتراكمة خلال الأيام القادمة».
يشار إلى أنه في يونيو (حزيران) 2021 رست بواخر روسية في قاعدة «فلمنجو» التابعة للبحرية السودانية، ورفعت العلم الروسي وأنزلت الأعلام السودانية، وأثارت تلك الخطوة لغطاً كثيفاً بيد أن السلطات العسكرية السودانية أعلنت على لسان رئيس أركان الجيش وقتها عزمها مراجعة اتفاقية التعاون العسكري مع روسيا الموقعة في عهد الرئيس الأسبق عمر البشير، ما اضطر السلطات الروسية للانسحاب من القاعدة، وكان الرئيس السابق عمر البشير اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير دفاعه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، على إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر.
وقدم بوتين في يوليو (تموز) 2021 لمجلس الدوما مشروع قانون اتفاقية القاعدة البحرية مع السوداني، وتتضمن «إنشاء مركز لوجيستي للبحرية الروسية» على ساحل البحر الأحمر، ويتمكن من استقبال ما لا يزيد عن أربع سفن روسية في وقت واحد، مع 300 من أفراد البحرية الروسية، وتتضمن الاتفاقية استخدام روسيا للمركز اللوجيستي في السودان طوال 25 عاماً، إلا أن السودان أعلن أنه سيعيد النظر في اتفاقية القاعدة الروسية، وتأجل الحديث عنها.
وحول ما أثير عن خلاف بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني قال حميدتي إن القوات النظامية وحدة واحدة ومتماسكة وإنه يمثل كل تلك القوات، في الوقت الذي أتهم فيه قادة عسكريين من السودان يخضعون للمحاكمة بتهمة تدبير محاولة انقلابية فاشلة، على رأسهم قائد قوات المدرعات السابق اللواء الركن عبد الباقي الحسن بكراوي، أن قوات الدعم السريع تشكل خطراً استراتيجياً على القوات المسلحة، ووفقاً لذلك يجب حلها ودمجها في الجيش.
يذكر أن اتفاقية سلام جوبا الموقعة بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة التي كانت تحارب الحكومة السودانية، نصت على إعادة دمج وتسريح كل القوات المختلفة في الجيش السوداني، بما في ذلك قوات الدعم السريع للوصول لجيش وطني واحد، لكن حميدتي ظل يرفض باطراد دمج قواته في الجيش، ويتمسك بأنها قوات نظامية مستندة على قانون.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.