الضائقة المعيشية تصعّد وتيرة الاحتجاجات في السودان

آلاف المتظاهرين يقتربون من القصر الجمهوري في الخرطوم

جانب من الاحتجاجات في الخرطوم للمطالبة بالحكم المدني أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم للمطالبة بالحكم المدني أمس (أ.ف.ب)
TT

الضائقة المعيشية تصعّد وتيرة الاحتجاجات في السودان

جانب من الاحتجاجات في الخرطوم للمطالبة بالحكم المدني أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم للمطالبة بالحكم المدني أمس (أ.ف.ب)

شهد محيط القصر الجمهوري بالعاصمة السودانية الخرطوم، أمس، اشتباكات عنيفة بين القوات الأمنية وآلاف المتظاهرين الذين نجحوا في اختراق الطوق الأمني المشدد الذي تفرضه السلطات على الطرق والمداخل المؤدية إلى وسط الخرطوم، فيما أقر عضو في مجلس السيادة الانتقالي بتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في البلاد.
وفرض المحتجون سيطرة كاملة على الشوارع المحيطة بالقصر الجمهوري قبل تدخل القوات الأمنية وإطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والمياه الملونة لتفريقهم من المناطق القريبة من القصر. وفي موازاة ذلك خرج طلاب المدارس الثانوية والعمال في مدن عطبرة والدمازين في تظاهرات حاشدة احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية جراء الارتفاع الكبير في أسعار الخبز والوقود.
وكانت مظاهرات طلاب المدارس والجامعات ضد الغلاء قد فجرت الشرارة الأولى لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 والتي تصاعدت لتعم كل ولايات البلاد وأدت إلى إسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، في أبريل (نيسان) 2019 بعد حكم استمر لثلاثين عاماً.
وتظاهر المئات من طلاب المدارس في مدينة عطبرة شمال البلاد لليوم الثاني على التوالي بسبب زيادة أسعار الخبز وانعدامه، فضلاً عن ارتفاع تكلفة المواصلات العامة بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وهو ذات السبب الذي أدى إلى تأجيج الاحتجاجات ضد حكم البشير، وإحراق مقر حزبه «المؤتمر الوطني» الذي كان يمثل رمزية السلطة. كما خرج طلاب المدارس الثانوية في مدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق جنوب غربي البلاد، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية.
ورصدت «الشرق الأوسط» تظاهرات حاشدة في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وامدرمان وبحري - وأيضاً في مدينتي بورتسودان والقضارف في شرق البلاد، ومدينة ود مدني بولاية الجزيرة في الوسط، ومدينة نيالا في جنوب دارفور، تلبية لدعوات «لجان المقاومة» بالخروج في مظاهرة مليونية تحت عنوان «موكب المعتقلين»، للمطالبة برحيل قادة الجيش عن السلطة وتسليمها للمدنيين. وقد اعتادت لجان المقاومة الشعبية على تنظيم هذه المظاهرات للمطالبة بالحكم المدني، منذ أن استولى الجيش على السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
واستخدمت قوات مكافحة الشغب وأجهزة الأمن، أمس، قمعاً مفرطاً لتفريق المتظاهرين على بعد أمتار من محيط القصر الجمهوري. وردد المحتجون هتافات مناوئة للحكم العسكري رافعين شعارات «الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات»، فيما حمل آخرون لافتات لصور قادة تحالف المعارضة الرئيسي «قوى الحرية والتغيير»، المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية.
في غضون ذلك، أقر عضو مجلس السيادة الانتقالي، الهادي إدريس، بأن البلاد تمر بأزمة سياسية كبيرة أفرزت تداعيات سالبة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وقال إدريس، لدى لقائه المبعوث الأممي في الخرطوم، فولكر بيرتس، بمقر البعثة أمس، إن تجاوز الأزمة السياسية يتطلب مساعدة الشركاء الدوليين والإقليميين، لافتاً إلى أن المهمة الأساسية للبعثة تتمثل في تسهيل عملية الانتقال السياسي في السودان، مشيراً إلى أن البعثة كيان محايد وأن الخلاف الكبير بين الفرقاء السودانيين يحتاج إلى طرف ثالث كوسيط بينهم.
وذكر إدريس في بيان صحافي للمجلس، أنه تلقي تنويراً ضافياً من رئيس البعثة حول الجهود المبذولة لتحقيق التوافق بين الأطراف السودانية، معرباً عن أمله في إسهام البعثة بمقترحات وحلول للأزمة التي وصفها بالكبيرة والمعقدة والمتعددة الأطراف «ما يحتاج إلى صبر كبير».
من جانبه قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان «يونيتامس»، فولكر بيترس، إن زيارة عضو مجلس السيادة لمقر البعثة تأتي في إطار التشاور وبحث السبل الكفيلة بإيجاد حلول للخروج من الأزمة السودانية الحالية. وأضاف فولكر: «يجب علينا الاستناد إلى الشركاء والسودانيين وشركاء الموقعين على «اتفاق جوبا» للسلام، مؤكداً أن الاتفاق يعد خطوة ضرورية ومهمة، ولفت إلى أن الخلل الرئيسي فيها يتمثل في عدم تطبيقها بالصورة المطلوبة.
وأوضح فولكر أن الأزمة السياسية التي تشهدها الخرطوم مرتبطة ارتباطاً جوهرياً بالأزمات الاقتصادية والأمنية في أقاليم السودان، مضيفاً قوله: «نأمل بعد خروج السودان من هذه الأزمة السياسية تطبيق اتفاقية سلام جوبا بالكامل».



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.