السجن 9 سنوات لقائد الجيش السوداني السابق

بعد إدانته بمحاولة انقلابية في يوليو 2019

الفريق أول هاشم عبد المطلب
الفريق أول هاشم عبد المطلب
TT

السجن 9 سنوات لقائد الجيش السوداني السابق

الفريق أول هاشم عبد المطلب
الفريق أول هاشم عبد المطلب

أصدرت محكمة عسكرية سودانية حكماً بالسجن 9 سنوات على رئيس هيئة أركان الجيش السابق، الفريق أول هاشم عبد المطلب، كما أصدرت أحكاماً أخرى على عدد من كبار الضباط بالسجن مدد تتراوح بين 5 و9 سنوات، بالإضافة إلى طردهم من الخدمة بعد خفض رتبهم العسكرية، وذلك عقب إدانتهم بتدبير محاولة انقلابية في يوليو (تموز) 2019.
وبرأت المحكمة مجموعة أخرى من الضباط الذين كانوا متهمين في المحاولة الانقلابية ذاتها، وذلك في أول محاكمة لانقلابيين منذ سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، ولا تزال تجري محاكمة عسكرية منفصلة لضباط وجنود متهمين بالمشاركين في محاولة انقلابية أخرى حدثت في سبتمبر (أيلول) 2021 بزعامة قائد سلاح المدرعات اللواء ركن عبد الباقي الحسن بكراوي.
وكان الجيش قد ألقى القبض على رئيس هيئة الأركان السابق الفريق عبد المطلب، وعدد من ضباط الجيش وجهاز المخابرات ومجموعة من قيادات حزب الإسلاميين، في 11 يوليو 2019، بعد أن أحبط الجيش المحاولة الانقلابية التي دبرها هؤلاء بهدف إعادة السلطة إلى حزب البشير من الإسلاميين الذين أسقطت ثورة شعبية حكمهم قبل نحو 3 أشهر من المحاولة الانقلابية.
وقال رئيس هيئة الدفاع عن العسكريين المحكوم عليهم، المحامي هاشم أبو بكر الجعلي، لـ«الشرق الأوسط» إن المحكمة العسكرية الخاصة أدانت الضباط بالاشتراك في محاولة انقلابية في 11 يوليو 2019، وحكمت بالسجن 9 سنوات على رئيس أركان الجيش السابق، الذي تزعم المحاولة الانقلابية، وكذلك على اللواء ركن عبد العظيم الأمين قائد قوات الدفاع الشعبي، واللواء ركن بحر أحمد قائد المنطق العسكرية الوسطى، والعميد ركن محمد قرشي الأمين قائد أمن القوات المسلحة، والمقدم ركن صالح فضل المولى، وحكمت عليهم بالسجن 5 سنوات وخفض رتبهم العسكرية ثم الطرد من الخدمة.
من جهة أخرى، اكتفت المحكمة بالمدة التي قضوها في السجن مع الطرد من الخدمة، بحق كل من اللواء طيار أبو القاسم علي رحمة الله نائب قائد القوات الجوية، واللواء الركن إبراهيم محمد عبد الرحيم، والعقيد الركن أحمد عباس محمد، والرائد عبد الله محمد عبد الله. وبحسب المحامي الجعلي، فإن القانون العسكري الذي حوكم بموجبه الضباط، يعطي القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، سلطة تأييد الأحكام أو تقصير مدة السجن أو الإعفاء كلياً من تلك الأحكام.
وسُرب وقتها بيان مسجل للانقلاب - بالصوت والصورة - للفريق عبد المطلب الذي أعلن فيه حل المجلس العسكري الانتقالي الذي يرأسه البرهان، و«إعادة الثقة بين الشعب وقواته المسلحة» عبر تسلم الجيش مقاليد الحكم في البلاد، بحجة أن المجلس العسكري الانتقالي «متردد وضعيف»، وتكوين مجلس عسكري جديد.
وأقر الفريق عبد المطلب، في تسريب آخر مصور أثناء التحقيق معه، بأنه ينتمي إلى الحركة الإسلامية بقوله: «أنا (أنتمي إلى) الحركة الإسلامية منذ أن كنت ملازماً». بيد أنه نفى أن تكون لقيادة الحركة الإسلامية علاقة بانقلابه، قائلاً: «أقسم بالله العظيم اتصلوا بي ناس، وقالوا الكلام دا بجيب دم، الكلام دا ما ياهو (غير مفيد)، اتركوه». وقال عبد المطلب إن القياديين في الحركة الإسلامية، مثل نافع علي نافع، وعوض الجاز، وعلي أحمد كرتي، طلبوا منه عدم تدبير الانقلاب، مضيفاً: «عوض الجاز قال لي ما تعملوه، والله علي كرتي قال لي ما تعملوه، هؤلاء ناسي، نافع كذلك، ما شاورتهم لكنهم اتصلوا لي». ووقتها نشرت الحركة الإسلامية بياناً دعت فيه المجلس العسكري الانتقالي لحل خلافاته بعيداً عن الحركة، بعد إلقاء القبض على أكثر من 50 من المنتمين للتنظيم على خلفية الانقلاب، ثم أُطلق سراحهم لاحقاً.
ومنذ سقوط حكم الإسلاميين بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، واستيلاء المجلس العسكري الانتقالي على السلطة في السودان، أُعلن عن وقوع عدد من المحاولات الانقلابية التي تستهدف استيلاء مجموعات من الجيش على السلطة، ووقف مسار التحول الديمقراطي في البلاد، غير أن المعارضة المدنية ودوائر خارجية وصفت ما قام به البرهان نفسه في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بـ«الانقلاب» على شركائه المدنيين حين حل مجلسي السيادة والوزراء وأعلن حالة الطوارئ في البلاد واعتقل عدداً من الوزراء وأعضاء مجلس السيادة وزعامات حزبية وناشطين مدنيين، وجمد العمل بعدد من فقرات الوثيقة الدستورية التي كانت تحكم الشراكة بين المدنيين والعسكريين لفترة انتقالية محدودة تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة.
في غضون ذلك، تتواصل المحاكمة العسكرية لقائد سلاح المدرعات السابق اللواء الركن عبد الباقي الحسن بكراوي، المتهم مع عدد من الضباط الآخرين بالاشتراك في محاولة انقلابية أحبطتها القوات الموالية للفريق البرهان في 21 سبتمبر 2021، وتناقلت وسائل إعلام تسريبات من داخل المحكمة بأن هدف هذه المجموعة من الضباط ذكروا بأن هدفهم من الانقلاب كان «إعادة هيبة القوات المسلحة»، إزاء ما أسموه «تشوهات ناتجة عن وجود قوات الدعم السريع» التي يرأسها الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يتولى أيضاً منصب نائب رئيس المجلس السيادي.
ولا يخفي عدد من ضباط الجيش رفضهم لوجود قوات الدعم السريع والسلطات والصلاحيات الممنوحة لها، ويعتبرونه ماساً بتاريخ القوات المسلحة السودانية وصورتها، بل ويعتبرونها مجرد «ميليشيا» تحاول السيطرة على الجيش، ويحملون قائد الجيش الفريق البرهان المسؤولية عن اتساع نفوذ هذه القوات التي كانت في السابق ميليشيا يستخدمها البشير في ضرب الحركات المسلحة المتمردة ضده، ثم ألحقها بالجيش في سنوات حكمه الأخيرة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.