مواكب حاشدة تطالب بالحكم المدني في السودان

البعثة الأممية قلقة من استمرار استخدام {القوة المفرطة} ضد المحتجين

محتجة سودانية بعد تعرضها للغاز المسيل للدموع خلال مظاهرة في اليوم العالمي للمرأة بالخرطوم (رويترز)
محتجة سودانية بعد تعرضها للغاز المسيل للدموع خلال مظاهرة في اليوم العالمي للمرأة بالخرطوم (رويترز)
TT

مواكب حاشدة تطالب بالحكم المدني في السودان

محتجة سودانية بعد تعرضها للغاز المسيل للدموع خلال مظاهرة في اليوم العالمي للمرأة بالخرطوم (رويترز)
محتجة سودانية بعد تعرضها للغاز المسيل للدموع خلال مظاهرة في اليوم العالمي للمرأة بالخرطوم (رويترز)

حضّت البعثة الأممية في السودان على وقف العنف ضد المحتجين المدنيين في كل أنحاء البلاد، بعد مقتل عشرات في مظاهرات الاحتجاج في الخرطوم وأحداث العنف في إقليم دارفور، فيما خرج الآلاف من الأمهات والآباء للمرة الثانية في مظاهرة حاشدة لدعم الحراك السلمي لـ«الأبناء» للمطالبة بالحكم المدني.
وشارك في مواكب احتجاج كبار السن عدد من مشايخ الطرق الصوفية، في مقدمهم بدر الدين الخليفة بركات إمام وخطيب مسجد الشيخ إدريس بن الأرباب في منطقة العيلفون، شرقي الخرطوم. واحتشد المحتجون كبار السن في منطقة المؤسسة، وسط مدينة بحري في الخرطوم، تحت شعار «كلنا معكم»، للتعبير عن رفضهم للإجراءات التي أعلنها الجيش في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وردّد الآباء والأمهات هتافات مناوئة للسلطات العسكرية، وطالبوها بـ {وقف القتل} والعنف المستخدم ضد المتظاهرين السلميين، وتسليم السلطة فوراً للشعب. وتقدم المواكب التي وُصفت بـ {المليونية}، قيادات من النساء والرجال في تحالف «قوى الحرية والتغيير» وأحزاب أخرى، وعدد من رجالات الطرق الصوفية، بجانب مشاركة العشرات من الأدباء والشعراء ورموز المجتمع. وسبقت مواكب الآباء والأمهات فيديوهات ترويجية على مواقع التواصل الاجتماعي، دعت السودانيين إلى المشاركة في موكب «كلنا معكم» لتشكيل حماية للأبناء والبنات من القمع الذي يطال المظاهرات السلمية.
وعبّر رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونتامس) فولكر بيرتس، في تعميم صحافي أمس، عن قلق عميق إزاء استمرار استخدام القوة المفرطة تجاه المتظاهرين. وقال بيرتس: «يجب أن يتوقف العنف في كل أنحاء السودان، كما تجب مساءلة المتسببين». وأشار إلى أن الأمم المتحدة تلقت، خلال الأسبوع الماضي، تقارير بشأن حوادث عنف في «جبل مون» غرب دارفور، شملت إحراق قرى وقتل العشرات.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية، في بيان، أمس، إن أكثر من 17 قتيلاً وعشرات الجرحى سقطوا في هجمات ميليشيات مسلحة في منطقة جبل مون وحولها. واعتبر بيرتس هذه الحوادث علامة أخرى على تزايد انعدام الاستقرار في السودان. وحضّ الأطراف كافة على ضبط النفس لمنع حدوث المزيد من العنف، ودعاها إلى العمل على تنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين التي تدعمها الأمم المتحدة، والسعي إلى إيجاد سبيل مشترك لاحترام حقوق الإنسان والسلام المستدام، والديمقراطية والاستقرار.
في موازاة ذلك، نظمت مجموعة «غاضبون بلا حدود» يوماً تعبوياً في نادي «الربيع» في مدينة أم درمان، تحت عنوان فعاليات «الغضب الشعبي»، وجمعت تواقيع على الالتزام بمبادئ الثورة والتمسك بشعار لجان المقاومة: «لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية» للحكم العسكري. وأعلنت المجموعة، خلال الفعالية، الانتقال من مرحلة المواجهة (الاشتباك) إلى مرحلة المقاومة السلمية لتحقيق هدف التغيير. ودرجت «غاضبون بلا حدود» على تقدم الخطوط الأمامية في المظاهرات والاشتباك مع قوات الأمن، ونجح عناصرها أكثر من مرة في كسر الطوق الأمني والوصول إلى محيط القصر الجمهوري وسط الخرطوم.
ويرفض الشباب في المجموعة، التي تعد من ضمن فصائل لجان المقاومة، أي تفاوض أو حوار مع قادة الجيش، كما لهم مواقف أخرى من الأحزاب السياسية. وبلغ عدد قتلى المظاهرات منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر الماضي، 87 قتيلاً من بينهم 13 طفلاً، إلى جانب المئات من المصابين والمعتقلين لدى الأجهزة الأمنية.
وكانت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حذرا، الخميس الماضي، من خطورة الأوضاع، وحضا الأطراف كافة على إجراء حوار عاجل يخرج البلاد من الأزمة السياسية، وفقاً لترتيبات دستورية جديدة لإعادة مسار الانتقال المدني.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.