مقاتلون من الشيشان وتركمانستان يحاربون الأفغان والإيرانيين والعراقيين على الساحة السورية

«مهاجرون» يتصدرون الهجوم في اللاذقية وإدلب نظرًا لخبراتهم القتالية

مقاتلون من الشيشان وتركمانستان يحاربون الأفغان والإيرانيين والعراقيين على الساحة السورية
TT

مقاتلون من الشيشان وتركمانستان يحاربون الأفغان والإيرانيين والعراقيين على الساحة السورية

مقاتلون من الشيشان وتركمانستان يحاربون الأفغان والإيرانيين والعراقيين على الساحة السورية

تعج الساحة السورية بآلاف المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف قوات «الدفاع الوطني» الموالية للنظام السوري، وصفوف قوات المعارضة في الشمال، حتى باتت ساحات القتال «أشبه بمعركة بين متحاربين أجانب على الأرض السورية، كل منهم له أجندته الخاصة»، كما يقول قيادي في «الجيش السوري الحر» لـ«الشرق الأوسط».
وفيما برز آلاف المقاتلين الأفغان والإيرانيين الذين يقاتلون في صفوف قوات نظام الرئيس السوري، إلى جانب عراقيين من الميليشيات المدعومة من إيران، وقوات حزب الله اللبناني، برز على الطرف الآخر وجود مقاتلين متشددين من الشيشان وداغستان، إلى جانب مقاتلين من تركمانستان، اعتبر ظهورهم في منطقة جسر الشغور الأسبوع الماضي، أول إعلان رسمي عن تواجدهم في ميادين القتال السورية، علما بأن المقاتلين الشيشانيين «يتصدرون المعارك الاستراتيجية في الشمال، بدءًا من السيطرة على بلدة كسب العام الماضي، وصولاً إلى موقعهم في صدارة الهجوم اليوم على مناطق ريف اللاذقية»، بحسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط». ولفت إلى أن هؤلاء «مقاتلون تابعون لتنظيم القاعدة، يطلق عليهم وصف المهاجرين، وتحمل كتائبهم مسميات مختلفة في الأراضي السورية». وشرح عبد الرحمن: «المقاتلون من الشيشان، يتصدرون اليوم معركة جسر الشغور والساحل»، لافتًا إلى أنهم «يتواجدون في المعارك الرئيسية عادة، نظرًا إلى خبراتهم في القتال وقدرتهم على المناورة والتحرك، ووجود انتحاريين بينهم». وتابع أنهم «ينظمون أنفسهم، وقد ظهروا في طليعة المعارك في حلب وكسب وجسر الشغور، ويتواجدون الآن في أحد أحياء مدينة إدلب».
وتلتقي هذه المعلومات مع ما تؤكده مصادر في المعارضة السورية في الشمال، كشفت عن أن «المقاتلين الغرباء المعروفين بـ(المهاجرين)، غالبًا ما ينظمون تجمعات خاصة بهم، لكن عددهم لا يتجاوز الألف مقاتل الآن في ريفي إدلب واللاذقية»، مشيرة إلى أن «أبو مسلم الشيشاني، يقود الآن معركة الساحل، ويشاركه أيضا مقاتلون من الشيشان وداغستان».
وإلى جانب هؤلاء المقاتلين، برزت لأول مرة مشاركة مقاتلين يُطلق عليهم اسم «مقاتلو تركمانستان»، وهم مقاتلون أجانب، من المهاجرين، و«يتمتعون بخبرة قتالية عالية». وظهر هؤلاء رسميًا في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عبر شريط فيديو بثّ في موقع «يوتيوب»، ممهور باسم «الحزب الإسلامي التركمانستاني في بلاد الشام».
ويقول عبد الرحمن إن أعداد هذا الحزب الموالي لتنظيم القاعدة، تتراوح بين 500 و700 مقاتل، مشيرًا إلى أن عدد القتلى التابعين له الذين قتلوا في معركة السيطرة على جسر الشغور «يتراوح بين 13 و20 قتيلاً على الأقل».
ويشكل هؤلاء، بحسب عبد الرحمن، جزءًا من «مئات المقاتلين الأجانب غير العرب الذين يقاتلون في صفوف الكتائب المعارضة في شمال سوريا»، لافتًا إلى أنهم «عادة ما يقاتلون إلى جانب المقاتلين الشيشانيين»، في مقابل «مئات المقاتلين الأفغان الذين يقاتلون إلى جانب النظام في جنوب سوريا بشكل خاص، ويشكلون مع المقاتلين الإيرانيين والعراقيين الشيعة، قاعدة قتالية ضخمة لقوات النظام في الجنوب، إذ يبلغ عددهم الآلاف».
ويؤكد عبد الرحمن أن المقاتلين الأفغان من «الهزارا» «تم إحضارهم إلى سوريا على أساس طائفي، بذريعة الدفاع عن المراقد الدينية الشيعية ومقام السيدة زينب في ريف دمشق، ودفع بهم إلى معارك درعا، حيث قتل منهم عدد من المقاتلين في معارك بصر الحرير في درعا» قبل أسبوعين، فضلاً عن أنهم «ينتشرون على الحواجز النظامية بريف دمشق الجنوبي والغربي». ويضيف: «حين يتحدث (الرئيس السوري) بشار الأسد عن مقاتلين أجانب في صفوف المعارضة، ألا يسأل نفسه عن أسباب وجود مقاتلين أفغان وإيرانيين وعراقيين ولبنانيين بالآلاف يقاتلون إلى جانب قواته»، مشيرًا إلى أن «مقاتلي الطرفين الأجانب، أحضروا على أساس طائفي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.