باكستان: قتلى وجرحى في ثاني هجوم انتحاري خلال أسبوع

بعد مغادرة موكب الرئيس عارف علوي بلوشستان

نقل جندي مصاب من التفجير الانتحاري في بلوشستان (أ.ف.ب)
نقل جندي مصاب من التفجير الانتحاري في بلوشستان (أ.ف.ب)
TT

باكستان: قتلى وجرحى في ثاني هجوم انتحاري خلال أسبوع

نقل جندي مصاب من التفجير الانتحاري في بلوشستان (أ.ف.ب)
نقل جندي مصاب من التفجير الانتحاري في بلوشستان (أ.ف.ب)

تعرضت باكستان لثاني هجوم انتحاري خلال أسبوع، عندما فجّر مهاجم نفسه في سيبي، بإقليم بلوشستان على طريق مزدحم، بعد مغادرة موكب الرئيس عارف علوي المنطقة مباشرة. وكان الرئيس قد زار المنطقة لحضور مهرجان محلي هناك.
وكان الرئيس عارف علوي يزور سيبي، بلدة في بلوشستان تشتهر بمهرجان الربيع الملون. وحضر الرئيس فعاليات المهرجان داخل ملعب رياضي محلي. وفي أعقاب مغادرة موكب الرئيس الملعب بعد انتهاء المهرجان، فجّر انتحاري نفسه خارج الاستاد.
وأسفر التفجير الانتحاري عن مقتل 6 من أفراد الأمن وإصابة 22 مدنياً بجروح بالغة.
ويعد هذا الهجوم الانتحاري الثاني من نوعه في باكستان خلال أسبوع. أما الهجوم الانتحاري الأول، فقد وقع في بيشاور داخل مسجد شيعي وأودى بحياة 62 شخصاً.
من جهته، أعلن تنظيم «داعش في خراسان» مسؤوليته عن الهجوم في بيشاور. وفي المقابل، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري في سيبي.
وعلى ما يبدو، استهدف الهجوم الانتحاري بسيبي أفراد الأمن الذين كانوا في الجوار لتوفير الأمن للرئيس.
وأفاد مسؤول رفيع المستوى في الشرطة بأنه كان بالتأكيد هجوماً انتحارياً يستهدف أفراد الأمن الذين كانوا ينهون الترتيبات الأمنية بعد أن غادر الرئيس عارف علوي المنطقة.
وأشار مسؤولون إلى أن أفراد الأمن حددوا هوية الانتحاري، لأنه كان يحاول اجتياز الأشخاص الخارجين من الملعب، حيث اختتمت للتو فعاليات مهرجان الربيع. وطلب أفراد الأمن من الانتحاري التوقف، لكنه فتح النار وألقى عليهم قنبلة يدوية. وبعد ذلك، فجّر نفسه.
وأسفر التفجير فور وقوعه عن مقتل 6 من أفراد شرطة الحدود، وأصيب 22 شخصاً تصادف وجودهم بالمكان بجروح خطيرة.
وسرعان ما طوق رجال الشرطة والأمن المنطقة وبدأوا في جمع الأدلة من مكان الحادث. أيضاً، جُمعت أشلاء الانتحاري وأرسلت إلى المختبر، حيث جرى تحديد هويته.
جدير بالذكر أن بلوشستان إقليم باكستاني تسوده اضطرابات، حيث توجد حركة تمرد عرقي. بجانب ذلك، تنشط تنظيمات إرهابية دولية، مثل «القاعدة» و«داعش» داخل الإقليم. ومع ذلك، لا تنشط حركة طالبان الباكستانية داخل المنطقة، وإنما يتركز نشاطها بشكل أساسي في الجزء الشمالي الغربي من البلاد.
وسبق وأن نفذ «داعش» عمليات إرهابية عدة في بلوشستان، اتسم معظمها بطابع طائفي.
من ناحية أخرى، لا تنفذ الجماعات الانفصالية البلوشية، التي تنشط هي الأخرى في المنطقة، هجمات انتحارية. وتتركز الأنشطة الرئيسية للانفصاليين البلوش على نحو أساسي على تنفيذ هجمات بالقنابل التقليدية وشن هجمات بالأسلحة النارية ضد المنشآت الحكومية والعسكرية.
وتم وضع الأمن الباكستاني في حالة تأهب قصوى في المدن والمناطق الحضرية في البلاد في أعقاب الهجوم الانتحاري في سيبي. وتدهور الوضع الأمني في البلاد بشكل مستمر منذ أغسطس (آب) الماضي، عندما سيطرت حركة طالبان الأفغانية على كابل. هناك تفاهم على أن انتصار «طالبان» الأفغانية شجع الجماعات الإرهابية الباكستانية على استئناف عملياتها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟