الكونغرس يدعم مساعدات لأوكرانيا وجيرانها بـ14 مليار دولار

يدفع لطرد روسيا من منظمة التجارة العالمية

الكونغرس يدعم مساعدات لأوكرانيا وجيرانها بـ14 مليار دولار
TT

الكونغرس يدعم مساعدات لأوكرانيا وجيرانها بـ14 مليار دولار

الكونغرس يدعم مساعدات لأوكرانيا وجيرانها بـ14 مليار دولار

توصل الكونغرس إلى اتفاق لإقرار حزمة من المساعدات الأميركية، يشمل مبلغ 13.6 مليار دولار من المعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، وبلدان أوروبا الشرقية، بوجه الغزو الروسي. وقد دُمجت المساعدات التي تحظى بدعم كبير من الحزبين ضمن موازنة عام 2022. وبعد تصويت مجلس النواب عليها، على مجلس الشيوخ إقرارها قبل الموافقة عليها بشكل نهائي وإرسالها إلى البيت الأبيض، الأمر المتوقع في وقت متأخر من هذا الأسبوع، نظراً لضخامة المشروع الذي وصل عدد صفحاته إلى نحو 2800 صفحة، وقيمته الإجمالية تعدت 1.5 تريليون دولار.
رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، رحبا بالاتفاق، وقالا في بيان مشترك: «شعب أوكرانيا الشجاع والمحب للحرية، وحلفاؤنا في المنطقة، سيحصلون على استثمارات مطلوبة وطارئة لمواجهة فلاديمير بوتين والغزو الروسي غير المشروع وغير الأخلاقي».
من ناحيته، أشاد زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، بالمشروع الذي «يعطي للشعب الأوكراني الشجاع المساعدات الطارئة التي يحتاج إليها». وانتقد مكونيل زملاءه الديمقراطيين؛ مشيراً إلى أنه عمل جاهداً لتعزيز المساعدات العسكرية لأوكرانيا، رغم معارضة بعض الديمقراطيين لها، فقال: «بفضل إصراري يقدم المشروع مزيداً من التمويل لأوكرانيا، ويتخطى ما طرحه الديمقراطيون؛ خصوصاً فيما يتعلق بصلاحية تسليم وتمويل معدات عسكرية ضرورية لأوكرانيا بسرعة».
ويخصص المشروع مبلغ 6.5 مليار دولار لوزارة الدفاع، موزعة ما بين تعزيز القيادة الأوروبية الوسطى، والتعويض عن المعدات التي أرسلتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، كما يخصص مبلغ 4 مليارات دولار لوزارة الخارجية، و2.8 مليار لوكالة التنمية الدولية التي ستعنى بالمساعدات الإنسانية.
وكانت إدارة بايدن قد طلبت من الكونغرس مبلغ 6.5 مليار دولار من مساعدات لأوكرانيا في بداية الغزو الروسي، لترفع هذا الرقم إلى 10 مليارات؛ لكن المشرعين من الحزبين قرروا زيادة هذا المبلغ ليصل إلى نحو 14 مليار دولار.
هذا وتوصل مجلس النواب كذلك إلى اتفاق على مشروع قانون يحظر استيراد منتجات الطاقة الروسية، رغم إعلان الرئيس الأميركي عن فرض الحظر. ويشمل المشروع دفعاً باتجاه طرد روسيا من منظمة التجارة العالمية، كما يدعو الإدارة إلى تطبيق «قانون ماغنيتسكي» الذي يشمل عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان، في وقت تتصاعد فيه الدعوات في الكونغرس لمحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومناصريه، بتهم ارتكاب جرائم حرب.
إلى ذلك، تتصاعد الدعوات الجمهورية للبيت الأبيض، لإعادة عمليات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة، بعد إعلان الإدارة حظر استيراد النفط الروسي. ووجه الجمهوريون انتقادات لاذعة لبايدن، بوجه مساعيه لتأمين بدائل للنفط من بلدان كفنزويلا وإيران؛ مشيرين إلى ضرورة زيادة الإنتاج المحلي، لتجنب ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة.
وقال السيناتور الجمهوري بيل هاغرتي: «الولايات المتحدة تستطيع أن تكون أكبر منتج للطاقة في العالم. وأن تريح الأميركيين من زيادة الأسعار التاريخية؛ لكن بايدن يصر بدلاً من ذلك على الاعتماد على إيران وفنزويلا. شعار هذه الإدارة هو: أميركا أخيراً».
من ناحيته، اعتبر السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، أنه: «إن لم نساعد في زيادة مخزون النفط بسرعة، فسوف نواجه ركوداً اقتصادياً سيئاً. عندما ترتفع أسعار النفط، كل الأسعار ترتفع». وانتقد روبيو بشكل مبطن الديمقراطيين الذين يرفضون خطوة التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة بسبب المناخ، فقال في تغريدة: «إن عدم زيادة إنتاج النفط لن يحافظ على المناخ، فزيادة الأسعار ستدفع البلدان النامية إلى الاعتماد على الفحم». ودعا الجمهوريون بايدن إلى إعادة فتح خط أنابيب النفط «كيستون إكس إل» مع كندا، وقال هاغرتي في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»: «يجب أن يعلن بايدن عن أننا سنبدأ في التنقيب في أراضٍ فيدرالية. يجب أن نصبح مستقلين في مجال الطاقة الآن».
وبينما لم تفصح إدارة بايدن عن تفاصيل الزيارة السرية التي قام بها مسؤولون أميركيون لكاراكاس؛ مشيرة فقط إلى أن أحد أهدافها كان الضغط على فنزويلا لإطلاق سراح المحتجزين الأميركيين هناك، أعلنت الخارجية الأميركية عن إطلاق سراح أميركيين اثنين محتجزين في كاراكاس. وقال بيان للخارجية إن «الولايات المتحدة ترحب بإطلاق سراح المواطنين الأميركيين: غوستافو كارديناس، وخورخي ألبيرتو، اللذين احتجزا تعسفياً في فنزويلا». وقد اتهم الجمهوريون وبعض الديمقراطيين إدارة بايدن بالتودد لفنزويلا، لتعويض نقص النفط، وتخوفوا من أي إعفاءات للعقوبات قد تصدرها الإدارة الأميركية عن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي لا تعترف الولايات المتحدة بشرعيته.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في «الشيوخ»، الديمقراطي بوب ميننديز: «إذا صحَّت التقارير بأن إدارة بايدن تسعى إلى شراء النفط الفنزويلي، فأخشى أنها تخاطر بتخليد أزمة إنسانية زعزعت استقرار أميركا اللاتينية والكاريبي لجيل كامل. نيكولاس مادورو هو سرطان في عالمنا، ولا يجب أن نعطي حياة جديدة لحكمه المبني على التعذيب والقتل».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟