دائماً ما يُقال لنا إن مركز حراسة المرمى مختلف عن باقي مراكز اللاعبين الآخرين. إنه مركز غريب الأطوار، وربما يكون هذا هو سبب ضعف معرفتنا بدور حارس المرمى داخل الملعب. لكن ريتش لي، حارس المرمى الذي اشتهر بفترات لعبه في واتفورد وبرينتفورد، يريد تغيير ذلك. وتقول سيرته الذاتية على حسابه بموقع «تويتر»: «رجل في مهمة لإبعاد مصطلح (لمسة اليد الخاطئة) من معجم خبراء تحليل المباريات».
كيليهر يحمي مرمى ليفربول في ربع نهائي كأس إنجلترا أمام ليستر سيتي (غيتي)
يقول لي: «إن أكثر شيء يحبطني هو أن التحليل الذي تسمعه غالباً ما يكون مضللاً». وتتمثل مشكلة لي الأساسية في أننا نضع إطاراً غير صحيح لمركز حراسة المرمى. فمن الخطوط الجانبية، من السهل اعتبار دور حارس المرمى كرد فعل بالكامل، كأن يتم تسديد كرة على حارس المرمى ويتصدى لها، أو أن تُلعب كرة عرضية داخل منطقة الجزاء ليخرج حارس المرمى ويلتقطها. إن حراس المرمى يقضون مسيرتهم الكروية في العمل على حافة الفشل، ويكون النجاح ببساطة هو الحفاظ على الوضع الراهن!
لكن لي يتحدث عن حراسة المرمى بعبارات استباقية، إذ يرى أن الدور الأساسي لحارس المرمى هو منع حدوث الفرص من الأساس، وليس إنقاذها بعد وقوعها. ويقول عن ذلك: «إذا كنت حارس مرمى رفيع المستوى، فإن مستوى تواصلك مع زملائك داخل الملعب يكون مرتفعاً للغاية لدرجة أنك تنظم بشكل فعال ما يجري أمامك، كما ترى الأشياء قبل حدوثها. أنت ترى المنافسين وهم يركضون، وتتوقع الكرات البينية قبل أن تُلعب - تمركزك في البداية يكون جيداً جداً لدرجة أنك تقطع الأشياء من المصدر».
ويوافق كاسبر شمايكل على ذلك، قائلاً إن أفضل مبارياته هي تلك المباريات التي تمر دون أن يلاحظه أحد. ويوضح لي ذلك قائلاً: «في صباح اليوم التالي للمباراة، يحصل كل لاعب على درجة من 10. قد أنظر إلى المباراة وأقول إن حارس المرمى يستحق 10 من 10، لأن تواصله مع زملائه داخل الملعب كان رائعاً، وكان تمركزه في بداية الهجمات عليه جيداً للغاية، كما كان قوياً وشرساً في كل شيء يفعله، وكان حازماً في التعامل مع خط الدفاع من أمامه. لكنني أستيقظ في اليوم التالي لأرى أن المحللين منحوا حارس المرمى ست درجات من 10، لأنه لم ينقذ كرات صعبة. في الحقيقة، يتم تقييم حراس المرمى بمنظور مختلف تماماً عما يجب أن يكون عليه».
الحارس أليسون يحرز هدف فوز ليفربول على ويست بروميتش في الدوري الإنجليزي (أ.ف.ب)
ويضيف: «هناك الآلاف من الأشياء التي تسهم في خروج حارس المرمى بشباك نظيفة. وفي مرات عديدة كنت أخرج من الملعب ولم أتصدَّ لأي فرصة خطيرة لكنني كنت أعاني من صداع شديد بسبب التركيز الهائل خلال المباراة. حارس المرمى الجيد لا يتوقف عن الحديث مع زملائه وتوجيههم، لكن يخرج علينا المحللون بكلام مبتذل كأن يقولوا: يا له من يوم هادئ بالنسبة لحارس المرمى اليوم! إنهم لا يقدرون تماماً تعقيدات مركز حراسة المرمى».
الأمر يشبه الاختلاف بين جليسة الأطفال وأحد الوالدين. من الخارج، ننظر إلى حارس المرمى على أنه لاعب يتعرض للاختبار في حال حدوث أي خطأ أو وصول كرات إليه. هذا جزء من وظيفته، لكن دوره الأساسي هو توجيه الفريق طوال المباراة، والتغلب على المشاكل والتحديات التي تواجهه، والتواصل المستمر مع زملائه، وبث الثقة في نفوسهم. ومن الانتقادات الشائعة للي وغيره من خبراء ومحللي مركز حراسة المرمى أنهم مهذبون للغاية ولا يرغبون في توجيه أي انتقادات أو لوم لأي زميل لهم في مركز حراسة المرمى. يعترف لي بأن هذا قد يكون صحيحاً إلى حد ما. ففي بيئة معادية بالفعل لحراس المرمى، لا يرى لي أي معنى لإضافة صوت نقدي آخر، ويشعر بالغضب من أولئك الذين يوجهون الانتقادات لحراس المرمى رغم أنهم غير مؤهلين للقيام بذلك.
مندي حارس تشيلسي (إ.ب.أ)
وهناك بالطبع قيود على فكرة أن المباراة الهادئة هي مباراة جيدة لحارس المرمى. لا يخرج أي حارس مرمى بعد فوز فريقه بستة أهداف مقابل لا شيء ويدعي أنه لعب دوراً محورياً في هذه النتيجة، لكن بمجرد أن تدرك أن هذا المركز يتطلب أفعالاً استباقية وليس مجرد رد فعل، فإنك تبدأ في فهم مشاعر الإحباط التي تنتاب حراس المرمى بشأن المفاهيم الخاطئة لبعض الأدوار التي يقومون بها.
ويتمثل أحد الأمثلة على ذلك في الحديث عن الكرات التي «تصطدم بحارس المرمى قبل دخولها الشباك». حسناً، لكن السؤال الأساسي هو: لماذا اصطدمت الكرة بحارس المرمى؟ حارس المرمى يلعب على الاحتمالات، فهو لا يكون قادراً على إجبار المهاجم على إضاعة الفرصة، لكنه يقلل خياراته ويشتت تركيزه. يقول لي إن مهمة حارس المرمى هي الحفاظ على «أفضل تمركز له» طوال الـ90 دقيقة. ويقول: «يمكنك أن تسمع المحللين وهم يرددون عبارات مستهلكة كأن يقولوا إن الكرة اصطدمت بحارس المرمى، وبالتالي كان بإمكانه أن ينقذها. لكن الحقيقة هي أن هذا هو دور حارس المرمى، فهو يلعب على الاحتمالات والتوقعات. إنه لا يمكنه أن يعرف أين ستذهب الكرة، لكن يمكنه أن يضع نفسه في أفضل وضع وفقاً للنسب المئوية لما حدث سابقاً».
بوفون أحد أعظم حراس المرمى في العالم مدد عقده مع بارما ليواصل مسيرته حتى ما بعد عيد ميلاده الـ46
ويضيف: «هناك كثير من الحركات التي تتضمن لحارس المرمى التمركز بشكل جيد، ثم الوجود على بُعد بضع ياردات من المهاجم، ثم إنشاء أكبر حاجز ممكن أمام المهاجم حتى يظهر المرمى أصغر كثيراً في عين المهاجم الذي يريد أن يضع الكرة في الشباك. هذا في حد ذاته يتطلب كثيراً من القرارات المختلفة، وبالتالي إذا اصطدمت الكرة بحارس المرمى فإن السبب في ذلك هو أنه تحرك لكي تصطدم به الكرة في الأساس ويمنعها من دخول المرمى».
لكن ماذا عن التصديات الأخرى، التي يطير فيها حارس المرمى لكي يتصدى للكرات ويغطي عرض مرماه بالكامل؟ يقول لي: «يتوقف هذا أيضاً على القرار الذي يتخذه حارس المرمى. فعندما تلعب الكرة العرضية، يكون حارس المرمى متراجعاً إلى خط المرمى بحيث يكون لديه أكبر وقت ممكن لرد الفعل، كما يتوقف ذلك أيضاً على مقدار القوة التي يمتلكها حارس المرمى في ساقيه، وما إذا كان قد تدرب جيداً في صالة الألعاب الرياضية خلال الأسابيع السابقة، أم لا. وهل يمكنه التقدم هذه الخطوة للأمام؟ وهل يمكنه أن يطير من خلال الارتكاز على قدمه اليسرى ليصل إلى الزاوية العلوية للمرمى؟ إن التدريب الشاق على مدار الـ15 عاما أو الـ20 عاماً السابقة هي التي تجعل حارس المرمى قادراً على الطيران بهذا الشكل وإخراج الكرات الصعبة بأطراف أصابعه». في الحقيقة، يمكن تلخيص كل ما يقوله لي في أن مركز حراسة المرمى هو عبارة عن مزيج من التحمل الذهني ولحظات من اللياقة البدنية المذهلة.
في لعبة الكريكيت، هناك ظاهرة يتعامل معها حارس الويكيت تعرف باسم «التمايل». يحدث ذلك في الوقت بين تمرير الكرة بالمضرب ووصولها إلى الحارس، عندما تتوقف الكرة عن الدوران في الهواء ولا يمكن معرفة اتجاهها، ونتيجة لذلك يتأرجح الحارس في كل مكان، وهو الأمر الذي يجعله يبدو غبياً، لأنه لا يعرف اتجاه الكرة، وبالتالي يلعب على لعبة الاحتمالات والتوقعات ورد الفعل السريع. وهذا هو بالضبط ما قد يحدث لحارس المرمى في كرة القدم، ومن الممكن أن تغير كرة ما اتجاهها وتدخل مرماه ويخرج فريقه خاسراً للمباراة بهدف دون رد.
ربما تعني الرهانات المنخفضة نسبياً في لعبة الكريكيت أنه من المقبول أن تتحرك الكرة بشكل غريب في بعض الأحيان ولا يتمكن الحارس من التصدي لها. لذلك، يبدو من غير العدل أن نقسوا على حراس كرة القدم في حال حدوث الأمر نفسه معهم. ولعل خير مثال على ذلك هو ما حدث الموسم الماضي، عندما سجل نجم توتنهام، هاري كين، هدفاً من مسافة بعيدة في مرمى حارس كريستال بالاس، فيسنتي غوايتا. لا يوجد أدنى شك في أن غوايتا بدا سخيفاً عندما سدد كين الكرة من مسافة 30 ياردة لتدخل في منتصف المرمى.
لكن كيف حدث هذا؟ في الحقيقة، يمكن توضيح ما حدث تماماً عند رؤية الهدف من خلف المرمى. لقد تم تسديد الكرة على يمين غوايتا، وهو ما دفعه إلى التحرك في هذا الاتجاه، ثم غيرت الكرة اتجاهها لتذهب في الاتجاه الآخر، وهو الأمر الذي جعل حارس المرمى عاجزاً عن التحرك. لقد تغير اتجاه الكرة وانحرفت عن مسارها الطبيعي قبل 10 ياردات من وصولها إلى حارس المرمى. في الظروف العادية، فإن مثل هذا الانحراف يعفي الحارس من المسؤولية، لكن في هذه الحالة تم اعتبار غوايتا مخطئاً، نظراً لأن البعض رأى أن هذه حركة طبيعية للكرة. لقد تحدث لي عن هذا الهدف ودافع عن غوايتا، قائلاً: «لقد شاهدته، وأدركت على الفور أنه لم يكن باستطاعة حارس المرمى أن يفعل شيئاً لأن الكرة غيرت اتجاهها. كنت أتمنى أن يرى المحللون أيضاً ذلك ويتوقفوا عن توجيه اللوم والانتقادات للحارس، لكنهم لم يفعلوا ذلك».
ويرتكب النقاد والمحللون خطأ آخر؛ وهو التركيز على أخطاء حارس المرمى بدلاً من مساهمته الإجمالية في النتيجة التي حققها فريقه. يوضح لي ذلك قائلاً: «إحدى الطرق الكلاسيكية بالنسبة لي في الحكم على حارس المرمى هي الكرات العرضية. فإذا لعبت 10 كرات عرضية على حارس المرمى فنجح في الإمساك بتسع كرات، ثم دخلت الكرة العاشرة في مرماه، فإن الناس ينسون الكرات التسعة التي أنقذها ولا يتذكرون سوى هذا الهدف... وفجأة، يبدأ الجميع في التحدث عن الخطأ الفادح الذي ارتكبه حارس المرمى. لكن إذا لم يخرج حارس المرمى لالتقاط أي من هذه الكرات العرضية، فمن المحتمل أن يتساءل البعض عن سبب عدم خروج حارس المرمى للتعامل مع هذه الكرات العرضية، لكن معظم الناس لن يلاحظوا ذلك! لذلك ينتهي الأمر في هذه الحالة بعدم إلقاء اللوم على حارس المرمى، حتى لو استقبل أربعة أو خمسة أهداف! هناك أمثلة صغيرة في المباريات - ويمكنني أن أشعر بها لأنني كنت حارس مرمى - لا يخرج حارس المرمى للتعامل مع بعض الكرات ويرى كثيرون أنه كان محقاً في ذلك، لكن الحقيقة هي أن حارس المرمى كان يختبئ حتى لا يتحمل المسؤولية في حال ارتكابه خطأ، لكن لم يلاحظ أحد ذلك».
هذا هو السبب في أننا بحاجة إلى خبراء متخصصين في تحليل أداء حراس المرمى. ومن خلال استخلاص النتائج من أداء حراس المرمى بناءً على اللحظات الفردية للتألق أو الإخفاق، فإننا نحكم عليهم بناءً على ألعاب فردية، لكن فقط أولئك الذين يفهمون ما يرونه يمكنهم تقدير العمل الإجمالي الذي يقوم به حارس المرمى داخل الملعب. بشكل عام، فإن هذا يجعل خبراء تحليل أداء حراس المرمى يوجهون انتقادات مفرطة للحراس، في حين يدافع أصحاب المعرفة عن حراس المرمى لأنهم يدركون جيداً الدور الذي يقومون به داخل المستطيل الأخضر ككل، بدلاً من اختصار دورهم في خطأ ما بسبب تغيير الكرة لاتجاهها!
أما المشجعون فهم في حاجة ماسة للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات والرؤى حول كرة القدم - شركات بث المباريات تجلب حكاماً مثل بيتر والتون لتقييم قرارات الحكام - لكن من النادر أن تأتي بحراس مرمى متخصصين لتحليل أداء حراس المرمى، رغم أن مركز حراسة المرمى يعد أحد أكثر المراكز المحورية في اللعبة. لكن الأمر بدأ يتغير الآن، إذ يظهر حارس المرمى السابق روب غرين على شاشاتنا بشكل أكثر انتظاماً، ويبدو أن هناك رغبة مزدادة لدى حراس المرمى السابقين مثل لي وديفيد بريس لتقديم نظرة ثاقبة فيما يتعلق بتحليل أداء حراس المرمى. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كنا سنستمع إليهم أم لا!
تعد كرة القدم أكثر الرياضات متابعة وشهرة في العالم كله، ولأنها رياضة جماعية تعتمد على 11 لاعباً أساسيّاً في الملعب وعلى خطط المدرِّب و«التكتيك» المُتّبع في المباريات، فلا يمكن القول إنّ هناك لاعباً هو الأهم في هذه الرياضة، لكن يمكن القول إن هناك لاعباً له أهمية أكبر من باقي اللاعبين، ولا ينفي هذا أن أهمية اللاعبين تعتمد على الأهميّة الجماعيّة للفريق، فلحارس المرمى في كرة القدم أهمية كبيرة لما له من دور بارز جداً في الدفاع وبناء الهجمات، وإعطاء الدفعات المعنويّة لباقي الفريق عن طريق التصدّي لهجمات الخصم والذود عن مرماه ومنع الكرة من أن تسكن الشباك.
حارس المرمى له أهميّة خاصّة في مباريات كرة القدم، فقوانين اللعبة تنص على أنه لا يمكن إكمال المباراة في حالة إصابته، وفي حالات الطرد أيضاً توقف المباراة إلى أن يتم إدخال حارس آخر، أو أن يأخذ أحد اللاعبين مكانه، ولا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، فبه يكون نجاح الفريق وحمايته من أهداف الفريق الخصم، وحارس المرمى أمل فريقه بعد فشل كل من المهاجمين والمدافعين في التصدي للفريق المنافس والتسجيل في مرماه، وهو المركز الوحيد الذي لا يوجد منه اثنان في فرق كرة القدم.