مخاوف في العراق من ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية

تنذر بتفجير موجة احتجاجات شعبية جديدة

سوق الشورجة لمبيعات الجملة في بغداد (إ.ب.أ)
سوق الشورجة لمبيعات الجملة في بغداد (إ.ب.أ)
TT

مخاوف في العراق من ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية

سوق الشورجة لمبيعات الجملة في بغداد (إ.ب.أ)
سوق الشورجة لمبيعات الجملة في بغداد (إ.ب.أ)

يبدو أن العراق سيكون من بين أول الدول المتأثرة بتداعيات الحرب التي تشنها الدولة الروسية على جارتها أوكرانيا، وأول هذه الملامح الارتفاع الشديد في أسعار السلع والمواد الغذائية خلال الأيام الأخيرة الماضية، ما تسبب بموجة من القلق والمخاوف الشعبية من تواصل أسعار البضائع صعودها الجنوني في بلاد يعيش نحو ثلث سكانها أوضاعا اقتصادية صعبة للغاية.
وسجلت الأسواق المحلية صعودا غير مسبوق بأسعار بعض المواد الغذائية، حيث ارتفع إلى أكثر من ضعف سعرها الذي كانت عليه الحال قبل يومين أو ثلاثة، إذ ارتفع سعر لتر الزيت إلى نحو 5 آلاف دينار بعد أن كان يباع بنصف هذا السعر. وتتخوف بعض الجهات الحكومية من أن تؤدي زيادة الأسعار والتذمر الشعبي المرتبط بها إلى انطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية.
وتيرة ارتفاع الأسعار المتواصلة منذ بضعة أيام، دفعت الحكومة ورئيسها مصطفى الكاظمي إلى عقد اجتماع طارئ، أول من أمس، لاتخاذ خطوات عملية لمواجهة الأزمة. وذكر بيان صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، أن الاجتماع «ناقش ضمان تحقيق الأمن الغذائي وجهوزية الوزارات؛ لتحقيق ذلك في ظل أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية، ووجه الكاظمي بأهمية تأمين الخزين الاستراتيجي للمواد الغذائية الأساسية، وتذليل العقبات التي تواجهها».
من جهة أخرى، طمأن وزير التجارة علاء الجبوري، المواطنين بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأشار إلى أن هناك تنسيقاً حكومياً لمواجهة ارتفاع الأسعار، وتوزيع مفردات البطاقة التموينية شهرياً. وقال الجبوري خلال مؤتمر صحافي جمعه بنائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي، أمس الاثنين إن «الاجتماع مع البرلمان جاء لتنسيق الجهود لمواجهة ارتفاع الأسعار، وسنبدأ من اليوم بتجهيز الوكلاء بالمواد». وأضاف «وجدنا دعماً برلمانياً لمواجهة ارتفاع الأسعار، ومفردات البطاقة التموينية ستصل بشكل مباشر إلى المواطنين، فقوت المواطن خط أحمر». وتوزع الحكومة العراقية شهريا بعض المواد الغذائية (من سكر وطحين وأرز)، وهو سياق موروث منذ عقد التسعينات والحصار الدولي على العراق.
من جانبه، أكد الزاملي «نزول مفارز مشتركة في الأسواق لمراقبة أسعار المواد» في رد على ما يتردد من استغلال بعض تجار الجملة للأزمة، وقيامهم بالامتناع عن بيع بعض المواد بهدف رفع أسعارها. وقال الزاملي: «لدينا اطمئنان بتوفير حصتين من المواد الغذائية قبل شهر رمضان، ووزارة التجارة أكدت توزيع مفردات البطاقة التموينية شهرياً». وأضاف، أن «وزارة المالية تعهدت بزيادة تخصيصات وزارة التجارة، وسيتم محاسبة التجار المتلاعبين بالأسعار، والتلاعب بقوت المواطن استهداف للبلد، من يوم غد ستبدأ وزارة التجارة بتجهيز مفردات البطاقة التموينية، وسنشرف شخصياً على مراقبة السوق».
وفي وقت لاحق أمس، أعلنت وزارة التجارة، عن انسيابية تجهيز مادة الطحين، وأكدت عدم وجود أزمة أو شحة بمخزونات الحبوب. وقال مدير عام الشركة العامة لتصنيع الحبوب أثير داود سلمان في بيان إن «الشركة ملتزمة بتوزيع مادة الطحين لجميع مستحقيها من المشمولين بنظام البطاقة التموينية وفق الجداول الزمنية المحددة في خطط وزارة التجارة». وأشار إلى أن «وزارة التجارة تجهز العوائل بمادة الطحين بأسعار رمزية، ولا علاقة لها بالطحين التجاري الذي يخضع للمضاربات التجارية، ويتأثر بأسعار السوق العالمية».
وطالب رئيس تيار «الحكمة الوطني» عمار الحكيم، أمس الاثنين، الحكومة بمراقبة الأسواق وارتفاع الأسعار، وقال في بيان إن «الارتفاع المفاجئ والحاد في أسعار المواد الغذائية لا سيما مادتي الزيت والطحين وغيرهما من متطلبات الحياة مدعاة لوقفة جادة تأخذ بنظر الاعتبار معاناة الشعب خصوصا ذوي الدخل المحدود».
وأضاف أن «الحكومة بأجهزتها الرقابية مطالبة بإطلاق حملة أمن غذائي عاجلة وواسعة لاحتواء الأزمة قبل استفحالها وفرض الرقابة على الأسعار، والاستفادة من الوفرة المالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية لدعم السلة الغذائية ». وحث الحكيم، وزارة التجارة على «إطلاق الحصص التموينية المتأخرة لشهور لا سيما ونحن على أعتاب شهر رمضان الفضيل».
وكان زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، طالب السبت الماضي، بزيادة مفردات البطاقة التموينية ودعم العوائل الفقيرة، إلى جانب تفعيل دور الأمن الاقتصادي وتحديد أسعار المواد الغذائية إلى دعم الفلاح والبضائع المحلية.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.