منذ بدأت العملية العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا، والعالم يحبس أنفاسه. فإلى جانب التداعيات الإنسانية والأمنية والاقتصادية على طرفي المواجهة، فإن قذيفة واحدة تضل طريقها أو قراراً يتم اتخاذه دون حساب تداعياته كفيل بإطلاق شرارة حرب عالمية ثالثة تتطاير شظاياها في كل مكان.
وحتى لا ينفرط عقد الأمور، وعلى وقع دوي الانفجارات وإطلاق العقوبات، تتواصل الجهود من مختلف الأطراف، لعلها تسفر عن وقف قريب لنزيف الدماء والأموال. إلا أنه لا أحد يعرف حتى الآن كيف يمكن أن تنتهي هذه الحرب، ولا تزال معظم السيناريوهات المتداولة تتراوح بين السيئ والأسوأ.
واستعرض الكاتب أندرياس كلوث، في مقال رأي نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، بعض السيناريوهات المطروحة:
- الأوكرانيون ينتصرون
يدور هذا السيناريو حول استبسال الأوكرانيين في الدفاع بحيث يتمكنون من صد القوات الروسية، وهو أمر مستبعد من وجهة النظر العسكرية، لكنه بالطبع النتيجة المفضلة لمعظم دول العالم. فأوكرانيا الجريحة المنتصرة ستتكامل مع الاتحاد الأوروبي المتماسك والحازم، وسيتسارع اندماجها في الغرب الديمقراطي. وسيصبح لدى حلف شمال الأطلسي (ناتو) قوة محركة جديدة.
وستفكر الصين مرتين قبل أن تتسبب في مشكلات لتايوان.
إلا أن مثل هذا السيناريو سيضع بوتين في الزاوية؛ فهو لطالما أظهر نفسه المحارب الروسي ضد الغرب العدواني، والمنقذ للمنحدرين من أعراق روسية ومن إثنية السلاف (الهندوأوروبية) في كل مكان. وبطبيعة الحال، فإن انتصار أوكرانيا سيجعله غير قادر على النجاة بنفسه من الهزيمة سياسياً. ولأنه يدرك ذلك، فإنه لن يسمح بحدوث هذا السيناريو. وبدلاً من الانسحاب، سيضغط لحدوث واحد من ثلاث مسارات أخرى.
- إمبراطورية منبوذة
يمكن أن يقوم بوتين بتصعيد الهجوم بشكل كبير، ولكن مع استمرار استخدام الأسلحة التقليدية. ويعني هذا في الأساس مواصلة قصف أوكرانيا حتى إجبارها على الخضوع. وستكون الخسائر مرعبة في صفوف المدنيين والعسكريين، إلا أن بوتين لن يكترث. وسيضم أوكرانيا المضطربة والمستاءة - إما كدولة دمية باسم مستقل أو كتابع لـ«روسيا العظمى».
*مباني سكنية تعرضت للقصف في منطقة جيتومير بأوكرانيا (رويترز)
ولقمع معارضيه في الداخل وفي أوكرانيا، سيتعين على بوتين المضي في تحويل روسيا لدولة أمنية، والقضاء على ما تبقى من حرية تعبير. وستظل إمبراطوريته منبوذة بشكل دائم في المجتمع الدولي.
- أفغانستان جديدة
وربما يختار بوتين التصعيد بشكل أقل دراماتيكية، بحيث يرسل قوة عسكرية روسية إلى أوكرانيا تكفي لعدم إعلان هزيمة صريحة له. وفي هذه الحالة، يمكن أن تصبح البلاد بعد ذلك كما كانت أفغانستان للزعيم السوفياتي ليونيد بريغينيف بعد عام 1979، أو أن تصبح مستنقعاً كما كانت للولايات المتحدة وحلفائها بعد 2001.
وفي السيناريو الأفغاني، ستكون التكلفة البشرية مروعة - بالنسبة للأوكرانيين بشكل خاص، وكذلك للروس العسكريين والمدنيين الذين سيعانون من قسوة القمع وشدة العقوبات. ولن يأبه بوتين لكل ذلك، ما دام مكانه في الكرملين آمناً.
- ضربة نووية محدودة
في هذا السيناريو، سيتذرع بوتين بمحاصرة الناتو والاتحاد الأوروبي له من خلال دعم أوكرانيا بالأسلحة وغيرها من الوسائل، ويمكنه شن واحدة أو أكثر من الضربات النووية «المحدودة» بما يسمى بالرؤوس الحربية التكتيكية (أي منخفضة القوة).
وسيراهن بوتين هذه المرة على أن الغرب لن ينتقم نيابة عن أوكرانيا؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تبادل إطلاق نار نووي بأسلحة «استراتيجية» أكبر، وينتهي بـ«التدمير المتبادل المؤكد».
*صورة مأخوذة من مقطع فيديو نشرته محطة الطاقة النووية زابوريزهزهيا تُظهر جسمًا مشتعلًا ساطعًا يهبط في أراضي المحطة النووية بأوكرانيا الجمعة الماضية (رويترز)
ولن يبقى أمام أوكرانيا، كما كان الحال لليابان في عام 1945، خيار سوى الاستسلام. ولهذا السبب يطلق العسكريون المحنكون على هذه الاستراتيجية اسم «التصعيد من أجل خفض التصعيد». ولكن العالم بعدها لن يكون كما كان.
وستنضم إلى هيروشيما وناجازاكي أسماء مدن أخرى على قائمة خزي البشرية.
ولكن بوتين سيرى أنه أخرج نفسه من موقف محرج.
- ثورة روسية أخرى
يقول كلوث، إنه على جانب آخر، هناك سيناريوهات أكثر تفاؤلاً، وإنه رغم ستار الدعاية والتضليل الذي ينشره بوتين، يدرك عدد كافٍ من الروس ظروف غزوه غير المبرر ومخاطره المأساوية. وهؤلاء يمكنهم أن يثوروا. وقد تتخذ مثل هذه الثورة شكل حركة واسعة النطاق تدار من الخارج وتتمحور حول زعيم معارض مثل أليكسي نافالني، أو قد يكون انقلاباً، أو انتفاضة داخل النخبة.
* المعارض الروسي أليكسي نافالني في موسكو (رويترز)
ورأى كلوث أن أياً من هذه الصور للتمرد غير واردة في الوقت الراهن. ومع ذلك، فقد لفت إلى أن اندلاع ثورة محلية في روسيا سيكون أفضل نتيجة إلى حد بعيد. فالنظام الجديد في موسكو يمكن أن يُحمّل بوتين وحده المسؤولية، وهو أمر صحيح في الواقع. وحينها يمكن لهذا النظام أن ينسحب من حرب أوكرانيا دون أن يبدو ضعيفاً، وسيرحب المجتمع الدولي بعودة روسيا بأذرع مفتوحة. وسيصبح العالم، بما في ذلك روسيا، مكاناً أفضل.
- تدخل صيني
واعتبر الكاتب أن ثاني أفضل سيناريو والأكثر منطقية يتعلق ببكين. ورسمياً، فإن الصين في عهد الرئيس شي جينبينغ ترى نفسها، إن لم تكن حليفاً لروسيا، فهي على الأقل شريك لها في الصمود في وجه الغرب بقيادة الولايات المتحدة.ولكن في الوقت نفسه، ترى الصين نفسها قوة صاعدة بينما روسيا قوة آفلة. ويرى شي أن بوتين قد يكون مفيداً في بعض الأحيان، ولكن العلاقات معه تمثل أيضاً عبئاً محتملاً.
*الرئيس الصينية شي جينبينغ ونالرئيس الروسي فلادمير بوتين (الكرملين)
ويختتم كلوث مقاله بأنه إذا ما قررت الصين تكبيل يد بوتين، فإنها ستستفيد بلا شك. وهي في الواقع قادرة على سحب أطواق النجاة الاقتصادية والدبلوماسية التي تحتاج إليها موسكو.