الإعلام التقليدي يسعى للنجاة من الإفلاس بالألعاب الإلكترونية

بعد شركات التكنولوجيا الكبرى

جوش واردل
جوش واردل
TT

الإعلام التقليدي يسعى للنجاة من الإفلاس بالألعاب الإلكترونية

جوش واردل
جوش واردل

لم يعد مستغرباً ولا مفاجئاً إعلان شركات التكنولوجيا العملاقة، بين الحين والآخر، عن إتمام صفقات شراء منصات ألعاب إلكترونية ناجحة. ورغم الانتقادات التي توجه إلى «الأرقام الفلكية» المنفقة على هذا النوع من الصفقات، بينما مناطق عديدة في العالم في أمسّ الحاجة للإنفاق على التنمية أو الحصول على مياه نظيفة وكهرباء وخدمات الإنترنت، تصر تلك الشركات على إيجاد حجج للدفاع عن نفسها.
من هذه الحجج، إنه في ظل التنافس الشديد ولضمان ديمومة أعمالها، فإن هدفها الأول والأخير، هو تعزيز عملياتها لزيادة أرباحها وتنويعها، وتوسيع دائرة زبائنها لتشمل جميع الأعمار والأهواء. وهذا ما قالته شركة «مايكروسوفت» بعد إتمامها صفقة تاريخية لشراء شركة ألعاب إلكترونية ناجحة، بمبلغ فاق 67 مليار دولار أميركي. غير أن شركات التكنولوجيا ليست وحدها في هذا المضمار. فالإعلام التقليدي، والورقي منه على وجه الخصوص، الذي يعيش مرحلة تكيّف إلزامية للاندماج في العصر الرقمي، وجدت العديد من مؤسساته العريقة نفسها في لحظة تحدٍ حرجة، للعثور على طرق ووسائل وأدوات تسمح لها، على الأقل بالاحتفاظ بقرائها «الورقيين»، قبيل تمكنها من تحقيق أهدافها، هي الأخرى في تنويع مصادرها وقرائها.

تنويع الأبواب والقراء

غني عن القول إن وسائل الإعلام الأميركية نجحت منذ عقود، في إدخال «أبواب» جديدة على صفحاتها الورقية والإلكترونية، تنوعت بين «الطبخ والسياحة والفنون والأزياء»، وصولاً إلى الألعاب. ومع التغييرات التي فرضتها جائحة «كوفيد - 19» على سلوكياتنا الاجتماعية وعاداتنا وأوقات فراغنا، كانت الدراسات والإحصاءات تشير إلى نمو أعمال وأرباح منصات الألعاب الإلكترونية والترفيهية، بشكل جنوني. الأمر الذي فتح شهية تلك المؤسسات على محاولة الاستثمار في هذا القطاع أيضاً، لزيادة عدد القراء، بمعزل عمّا إذا كان هؤلاء هم من قراء الأخبار والمحللين، أو من متصفحي مواقعها بهدف التسلية.
في الشهر الماضي، أعلنت صحيفة «نيويورك تايمز»، عن شراء لعبة «واردل» للكلمات، بـ«بضعة ملايين» من الدولارات. اللعبة تذكرنا ببساطة بالكلمات المتقاطعة الشهيرة، التي احتلت صفحات لا يستهان بها في معظم، إن لم يكن جميع، المطبوعات اليومية والأسبوعية في «الزمن الورقي». وبعدها بقليل، أعلنت الصحيفة أيضاً، عن إتمام صفقة أخرى لشراء موقع «أثليتيك» الإلكتروني المتخصص بتغطية الألعاب الرياضية بمبلغ 550 مليون دولار. والهدف من الصفقتين، كما صرح به العديد من مسؤوليها ومن المعلقين، الوصول إلى رقم 10 ملايين مشترك رقمي، كان مخططاً تحقيقه عام 2025. وهو ما أنجِز عملياً قبل 3 سنوات على الأقل، بعدما انضم نحو 1.2 مليون مشترك رقمي آتين من موقع «أثليتيك» إلى «قرائها».
وفي المقابل يعتقد بعض الخبراء أن لعبة «واردل» ستضيف، مع أدوات أخرى تخطط الصحيفة لشرائها أو خلقها، مشتركين جدداً، وحددت الصحيفة أن عددهم يجب أن يصل إلى 15 مليون مشترك رقمي عام 2025.

«لعبة» بملايين المشتركين

الأمر ليس «لعبة» إذن. نحن هنا نتكلم عن ملايين المشتركين تطمح المؤسسات الإعلامية الأميركية إلى زيادتهم في مواقعها الرقمية، في ظل تنافس شديد مع مواقع التواصل الاجتماعي.
ويذكر أن منصات هذه المواقع تسببت منصاتها في تراجع عدد القراء والمشتركين في المطبوعات الورقية، ليتحولوا إلى أرقام «ثانوية»، في بلد كالولايات المتحدة، حيث كانت المطبوعة الورقية والكتب عموماً، أحد أبرز علامات تفوقها الثقافي، وإنتاجها الغزير، ومعلوم أن المكتبات العامة في مدن الولايات الخمسين والمقاطعات والمناطق، هي من العلامات الفارقة والمميزة في معالمها المدنية.
بعض الإحصاءات يشير إلى أن نسبة زيادة القراء الورقيين، مقارنة بمشتركي الصفحات الإلكترونية للصحف نفسها، تتراوح بين 5 وأقل من 10 في المائة، في حين أن الحصة الكبرى كانت للمشتركين الرقميين مع المشتركين في الألعاب والتسلية. غير أن اللافت والمثير في صعود شعبية تلك الألعاب، هو أنها اعتمدت على المنصات الاجتماعية نفسها، التي تنافسها المؤسسات الإعلامية، في نشر الخبر.
عندما طرح جوش واردل مخترع لعبة «واردل»، لعبته في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان عدد اللاعبين فيها 90 شخصاً.
ولكن في 13 من يناير (كانون الثاني) الماضي، أي خلال شهرين ونصف فقط، نمت شعبيتها لتصل إلى 300 ألف لاعب يومياً.
وكان تطبيق «تويتر» السبب المباشر وراء هذا النمو السريع، إذ غرّد نحو 1.3 مليون شخص مشيدين باللعبة، وفق مصدر مسؤول في «تويتر».
وأضاف المصدر أن المشاركة في التغريدات عنها، نمت بمعدل وسطي يومي بلغ 26 في المائة. وشهدت تطبيقات مقلدة للعبة جدلاً، بعدما أعلن أصحابها عن تحقيق أرباح خيالية، الأمر الذي دفع شركة «أبل» على سبيل المثال، إلى إزالة هذه النسخ المقلدة من متجر تطبيقاتها، كي لا تدخل في قضايا ودعاوى قضائية.
لقد كانت اللعبة، ولا تزال حتى الآن، بعد شرائها من «نيويورك تايمز» مجانية. إلا أن إحصاءات «تويتر»، تشير إلى أن اللعبة قد تكون في الواقع «منجماً للذهب»، بعدما تبين أن مستخدمي «تويتر»، خصصوا على الأرجح مقداراً من الوقت للعب بها، مماثل للوقت الذي يقضوه في كتابة تعليقاتهم ورسم وتلوين واستخدام «الإيموجي» خلال استخدامهم لـ«تويتر».
في الواقع يشبّه البعض لعبة «واردل» والإدمان المفاجئ عليها، بحقبة «الكلمات المتقاطعة» التقليدية. غير أن كثيرين يعتقدون أن الألعاب الإلكترونية المصممة للمطالعة خلال وقت قصير، باتت تفرض نفسها على وسائل الإعلام. ذلك أن هذه الوسائل اضطرت في السنوات الأخيرة، إلى تقليص أخبارها وضغطها، لتمريرها على شكل «فلاشات» أو مقاطع إخبارية قصيرة، بعضها مصور مع تعليقات لا تتجاوز الدقائق القليلة. هذا ما يجعلها «مثالية لعصرنا عندما يكون لدى الناس اهتمام قصير»، بحسب محرر «الكلمات المتقاطعة» في الـ«نيويورك تايمز» ويل شورتز.
ويضيف شورتز: «الشيء الجميل في (واردل) هو مدى بساطة، وجاذبية واجهة الحاسوب... أن اقتصار اللعب على 6 تخمينات في اليوم، وتقنين حل لغز واحد في اليوم، يضيف الإثارة إلى عملية الحل... إنه لغز رائع، ولن يستغرق وقتاً طويلاً للعب».
والحال، فإن الأسئلة المطروحة اليوم على وسائل الإعلام، تدور حول ما الذي تبقى من الحيز المتاح أمام صناعة الخبر وإنتاجه، وما هو التصور المستقبلي لدورها، بالعلاقة مع الرأي العام الذي اختلفت اهتماماته مع اختلاف العصور، بعدما أصبح «تنزيل» لعبة على مواقعها الإلكترونية، ترياقاً أو «مصلاً» لا غنى عنه، للبقاء على قيد الحياة؟


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.