العراق «المحايد» يتجه إلى تعليق التعاملات المالية مع روسيا

إزالة جدارية كبيرة لبوتين وسط بغداد... وقنصلية موسكو بالبصرة تفتح باب التطوع للقتال في أوكرانيا

احتجاج ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا أمام مقر الأمم المتحدة في إربيل يوم 27 فبراير الماضي (رويترز)
احتجاج ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا أمام مقر الأمم المتحدة في إربيل يوم 27 فبراير الماضي (رويترز)
TT

العراق «المحايد» يتجه إلى تعليق التعاملات المالية مع روسيا

احتجاج ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا أمام مقر الأمم المتحدة في إربيل يوم 27 فبراير الماضي (رويترز)
احتجاج ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا أمام مقر الأمم المتحدة في إربيل يوم 27 فبراير الماضي (رويترز)

يتفاعل معظم العراقيين مع الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، لكن تفاعلهم لا يشبه ربما الاهتمام الذي تبديه شعوب أخرى بالحرب الدائرة هناك. إذ إن العراقيين، وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود، اختبروا معظم فظائع الحروب، ويدركون تماماً مآسيها وما تخلفه من موت وخسائر وفرار للسكان من منازلهم بعيداً عن جحيمها وويلاتها.
ومن هنا، فإن اتجاهات غير قليلة تدين الحرب والخطوات التي أقدم عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتتعاطف مع أوكرانيا وشعبها. هذا على المستوى الشعبي، أما على المستوى الرسمي، فلا تبدو السلطات العراقية مؤيدة للحرب، لكنها وبحكم ظروف البلاد والتعقيدات المرتبطة بمسارها السياسي، تمارس قدراً من «الحياد»، ومحاولة تجنب أي أضرار محتملة تسببها المواقف السياسية. وفي هذا الإطار، امتنع العراق، على المستوى الدبلوماسي، أول من أمس، عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي «يطالب روسيا بالتوقف الفوري عن استخدام القوة ضد أوكرانيا». غير أنه وعلى المستوى الاقتصادي، أظهر البنك المركزي العراقي قدراً أكثر جرأة حين اقترح على الحكومة عدم إبرام أي عقود جديدة، وتعليق التعاملات المالية مع روسيا عقب فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على موسكو.
وقال البنك في وثيقة رسمية صادرة عنه وموجهة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، «نود إعلامكم أنه بسبب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، قامت وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على مؤسسات مالية واقتصادية روسية، لغرض الحد من قدرات روسيا في الحرب». وأضاف أنه وبهدف «حماية النظام المالي العراقي، فإننا نقترح التريث في الوقت الحاضر في إبرام أي عقود حكومية مع الجانب الروسي، والتريث في تحويل أي مدفوعات مالية من خلال النظام المالي في روسيا».
وعلى الرغم من الغموض الذي يحيط بموقف الحكومة من مقترح البنك المركزي، إلا أن المرجح التزامها بذلك، لخشيتها من العقوبات الأميركية. وسبق أن التزمت بغداد بعدم التعامل المالي مع طهران في القضايا التي لم تحصل فيها استثناءات أميركية، مثل شراء الطاقة والكهرباء والغاز من الجانب الإيراني.
وتتولى شركات روسية تنفيذ مشاريع استثمارية في العراق في مجالات النفط والطاقة في جنوب البلاد وشرقها، إلى جانب استثمارات نفطية روسية في إقليم كردستان. ولدى روسيا أيضاً اتفاقات وتعاملات تتعلق بالتجهيزات والمعدات العسكرية مع بغداد.
لكن الموقف الرسمي المتحفظ عن الحرب والموقف الشعبي العام الرافض لها، لم يمنع بعض الاتجاهات المتماهية مع وجهة النظر المناهضة للغرب والقريبة من إيران من تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد ظهر ذلك جلياً من خلال إقدامها على وضع جدارية له في منطقة الجادرية ببغداد، وقد ذيلت الصورة بعبارة «أصدقاء الرئيس». وأثارت الصورة موجة غضب وانتقادات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي، ضد الجهات التي عمدت إلى وضعها، ما دفع مجموعة من الشباب إلى القيام بإزالتها. وتقول مصادر حكومية إن السلطات الأمنية وجهت قواتها بمنع رفع صور الرئيس الروسي في الأماكن العامة.
وفي خبر يبدو أنه يندرج ضمن «البروباغندا» الدعائية التي تمارسها موسكو لكسب الحرب، أعلنت القنصلية العامة لروسيا الاتحادية في البصرة (جنوب العراق)، الخميس، عن استمرارها بتلقي طلبات التطوع من مواطنين عراقيين للانضمام إلى صفوف الجيش الروسي للمشاركة في حرب أوكرانيا. وقالت القنصلية في بيان إنها «مستمرة بتلقي طلبات الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة الروسية التي تقوم بعملية عسكرية ضد النظام النازي في أوكرانيا المدعوم من طرف أميركا وحلفائها من (دول) الناتو». وأضافت: «وبهذا الصدد نود إبلاغكم أن القوات الروسية لديها القوة الكافية لحل هذه المشكلة. نشكركم على التفاهم والتضامن معنا». وتستبعد مصادر في البصرة أن تكون هناك رغبة من المواطنين العراقيين في التطوع فعلاً للمشاركة في الحرب إلى جانب روسيا.
من ناحية أخرى، يوجد في أوكرانيا أكثر من 5 آلاف مواطن عراقي، فيهم نسبة عالية من الطلبة الذين يدرسون في جامعاتها. وقامت السفارة العراقية لدى أوكرانيا، الاثنين الماضي، بمفاتحة 27 جامعة ومعهداً أوكرانياً يدرس فيها طلبة عراقيون، وطلبت منها إبداء المزيد من الرعاية والاهتمام بهم، وتسهيل منحهم إجازات دراسية اضطرارية في حال تأزم الوضع الأمني. لكن طلاباً اشتكوا من أن أوضاعهم سيئة هناك، ويتحدث بعضهم عن مقتل وإصابة عراقيين اثنين هناك نتيجة الحرب.
وفي إجراء آخر، قالت السفارة العراقية لدى أوكرانيا، عبر موقعها الرسمي، إنها «خولت القائم بالأعمال صلاحية منح سمات دخول سريعة إلى العراق للمواطنات الأوكرانيات المتزوجات من عراقيين وأبنائهم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.