باريس لا ترى «سبباً للتفاؤل» بالمفاوضات الروسية ـ الأوكرانية

ميدفيديف يرد على وزير فرنسي: تاريخ الإنسانية حافل بحروب اقتصادية تحولت إلى حروب حقيقية

باريس {متشائمة} بعد الاتصال الأخير الذي جرى بين ماكرون وبوتين (إ.ب.أ)
باريس {متشائمة} بعد الاتصال الأخير الذي جرى بين ماكرون وبوتين (إ.ب.أ)
TT

باريس لا ترى «سبباً للتفاؤل» بالمفاوضات الروسية ـ الأوكرانية

باريس {متشائمة} بعد الاتصال الأخير الذي جرى بين ماكرون وبوتين (إ.ب.أ)
باريس {متشائمة} بعد الاتصال الأخير الذي جرى بين ماكرون وبوتين (إ.ب.أ)

يخيّم مناخ من التشاؤم على العاصمة الفرنسية بشأن ما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات الروسية - الأوكرانية التي عُقدت جولتها الأولى في منتجع خاص بالرئاسة البيلاروسية، قريباً من الحدود المشتركة مع أوكرانيا.
ومصدر التشاؤم الفرنسي سببه الأجواء التي أحاطت بالاتصال الأخير الذي جرى أول من أمس، بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. ورغم أن الأخير، وفق البيان الرسمي الصادر عن قصر الإليزيه أبدى «التزاماً» بالمطالب «الإنسانية» الثلاثة التي عرضها عليه ماكرون: «الامتناع عن استهداف المدنيين وأماكن سكنهم، والمحافظة على البنى التحتية المدنية، والامتناع عن استهداف محاور الطرق خصوصاً الطريق الواقع جنوب كييف»، فإن بوتين، خلاف ذلك، بدا بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي «بالغ التشدد» ويتبنى «منطقاً هجومياً» إنْ بالنسبة للشروط التي يتمسك بها لوقف إطلاق النار في أوكرانيا أو بالنسبة لمستقبل العمليات التي تقوم بها قواته في هذا البلد.
وتحرص باريس على التشديد على أن تواصل الحوار بين ماكرون وبوتين، رغم خيبات الأول من المسار الذي سلكته الأحداث ومن قرارات بوتين وما يعدّه «إخلالاً» بالوعود التي أُعطيت له وجهاً لوجه، فإنه يحافظ على خيط التواصل الرفيع «بطلب من الرئيس الأوكراني». وفي لقاء عن بُعد مع مجموعة من الصحافيين، قالت مصادر رفيعة في قصر الإليزيه ليل أول من أمس، إن الشروط الأربعة التي تفرضها موسكو لإنجاح المفاوضات هي: «حياد أوكرانيا، وتخليها عن الانتماء إلى الحلف الأطلسي، ونزع سلاحها، واعترافها بأن القرم روسية والتي يمكن استكمالها بالاعتراف باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين شرق البلاد» و«لا يمكن الاستجابة لها خصوصاً من بلد يتعرض حالياً لأكبر اعتداء من روسيا». ورد ماكرون عليه، بشكل واضح بأن ما يطلبه «لا يمكن قبوله، وأن المفاوضات لا يمكن أن تنطلق على أسس كهذه». ورغم الهوّة الفاصلة بين الجانبين الروسي والأوكراني وما يبدو من أن المفاوضات سائرة إلى طريق مسدود، فقد أعلن بوتين أن المفاوضين الروس «سيبقون طيلة الوقت الضروري لمعرفة ما يمكن أن تسفر عنه» المفاوضات إذا استؤنفت. وتجدر الإشارة إلى أن زيلنسكي أعلن في اليوم الثاني من انطلاق العمليات العسكرية الروسية أن كييف مستعدة للنظر في ملف «الحياد» شرط وقف إطلاق النار وتوفير ضمانات أمنية لها. وخلاصة باريس أنه «لا سبب يمكن أن يدعو للتفاؤل».
وبالنظر إلى الأجواء المسيطرة على الكرملين والوضع الراهن، فإن باريس «تتخوف من تراكم مخاطر كبيرة لجهة إقدام روسيا على توسيع عملياتها العسكرية مع ما يعنيه ذلك من ثمن «مرتفع» على الصعد الإنسانية والسياسية والاستراتيجية». وتضيف المصادر الرئاسية أن خطر التصعيد «كبير جداً» وأن مسار الوضع «متحول وخاتمته غير معروفة ولا نستبعد أن يتمدد إلى مناطق أخرى». ولدى السؤال عمّا إذا كان ماكرون قد استشفّ من بوتين استعداداً لوقف الحرب؟ تجيب المصادر الرئاسية بشكل قاطع: «كلا».
إزاء هذا الواقع، ترى باريس ومعها الحلفاء والشركاء الأوروبيون ضرورة المثابرة في نهج التعاطي مع الحرب الروسية على أوكرانيا بفرض عزلة سياسية ودبلوماسية عالمية على روسيا في المجالات كافة وتعزيز العقوبات المالية واقتصادية والمصرفية والرياضية والثقافية والاستمرار في توفير الدعم العسكري متعدد الأشكال للقوات الأوكرانية، والشيء نفسه ينطبق على المساعدات الإنسانية. وفي هذا السياق، قال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، أمس، في حديث لإذاعة «فرانس إنفو» الإخبارية: «سوف نقوم بحرب اقتصادية ومالية شاملة ضد روسيا» وسوف نعمل على «انهيار الاقتصاد الروسي»، مضيفاً أن الموجودات الروسية في البلدان الغربية التي ستجمّد «تصل إلى ألف مليار دولار».
وشدد لومير على أن «ميزان القوى الاقتصادي والمالي هو تماماً لصالح الاتحاد الأوروبي الذي يكتشف (مدى) قوته الاقتصادية». وحسب لومير، فإن الرئيس بوتين والمجموعة المحيطة به من الأثرياء وبارونات النظام مستهدَفون كما أن جميع الاقتصاد الروسي مستهدف. ويرى الوزير الفرنسي أن الملاءة المالية المتوافرة لروسيا بصدد التبخر السريع، وأن تعويل بوتين على «كنوز الحرب» التي يحتفظ بها «لم يبقَ منها اليوم الكثير». وخلاصته أن المهم هو أن «ترتفع فاتورة تكلفة الحرب» بالنسبة إلى الرئيس الروسي بحيث «يصبح ملزماً بتغيير حساباته».
وجاء الرد على لومير سريعاً في تغريدة من ديميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق والمسؤول الأمني الكبير إلى جانب بوتين حالياً والذي كتب: «تنبهوا لما تقولونه أيها السادة، ولا تنسوا أن تاريخ الإنسانية حافل بحروب اقتصادية تحولت غالباً إلى حروب حقيقية»، الأمر الذي دفع لومير إلى ما يشبه الاعتذار لاستخدامه تعبير الحرب الاقتصادية بتأكيده أن العبارة المذكورة «لا تتلاءم مع استراتيجية خفض التصعيد» التي تنتهجها فرنسا.
وأضاف الوزير الفرنسي: «نحن لسنا في نزاع مع الشعب الروسي». ورغم هذا الجدل، فإن باريس متمسكة أكثر من أي وقت مضى بسياسة العقوبات. وقالت مصادر الإليزيه إن هناك «هامشاً كبيراً» لفرض المزيد منها، بمعنى أن ما فُرض حتى اليوم لا يشكل كل الترسانة المتوافرة بين يدي الغربيين التي لم يسبق لهم أن طبّقوا مثلها في السابق. لكن السعي الغربي لخنق الاقتصاد الروسي يبقى بعيداً عن موضوع الغاز الذي ما زال يتدفق من روسيا إلى أوروبا خصوصاً عبر أنابيب «نورد ستريم 1» الذي يمر في أراضي أوكرانيا.
وحتى اليوم ما زالت شركة «إنرجي توتال» الفرنسية مترددة في اللحاق بقرارات نظيراتها الأوروبية بالخروج من شراكاتها مع مؤسسات روسية. وعقد لومير، أمس، اجتماعاً مع رئيس الشركة الفرنسية بويانيه لإقناعه باللحاق بالأوروبيين. ونقلت مصادر الإليزيه عن ماكرون تعهد بوتين بالالتزام باستمرار تزويد الأوروبيين بالغاز.
ورغم التضامن الذي يبديه الغربيون «الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وبريطانيا» مع أوكرانيا، فإن هناك مجموعة مطالب ترفعها كييف يبدو من الصعب التجاوب معها. ومن هذه المطالب إقامة منطقة حظر جوي في أجواء أوكرانيا بحيث تحرّمها على الطائرات العسكرية الروسية، والحال أن الحلف الأطلسي أو الولايات المتحدة هما الوحيدان القادران على ذلك. إلا أن الجواب أتى سريعاً من واشنطن أمس، على لسان الناطقة باسم البيت الأبيض، التي رأت أن أمراً كهذا يعني حصول احتكاكات بين الطرفين ما يفتح الباب لنزاع مباشر وبالتالي فإن الملف أُغلق. وكان قد أُغلق قبله طلب كييف الانضمام إلى الحلف الأطلسي رغم أن الحلف فتح الباب أمام أوكرانيا منذ عام 2008، إلا أن تحفظات أوروبية مصدرها ألمانيا وفرنسا وغيرهما من أعضاء الحلف قطعت طريق الانضمام على أوكرانيا. أما الملف الأخير فيتناول طلب الرئيس زيلينسكي وإصراره على الانضمام «السريع» إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما كرره أمس في كلمته عن بُعد أمام البرلمان الأوروبي الذي صفق له طويلاً. بيد أن الرد لم يتأخر وجاء من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي كانت قد أبدت نوعاً من الحماس، أول من أمس. لكنها عمدت أمس إلى توضيح موقفها معتبرة من جهة أن أوكرانيا «تنتمي إلى عائلتنا الأوروبية»، إلا أن أمامها «طريقاً طويلاً» قبل أن تتمكن من الدخول إلى النادي الأوروبي.
والأهم من ذلك أن المسؤولية الأوروبية ربطت بين عملية الانضمام وبين انتهاء الحرب مع روسيا. وتجدر الإشارة إلى أن ميثاق الاتحاد لا ينص على حالات استثنائية للدخول السريع ويفرض شروطاً تتناول الاقتصاد ودولة القانون واحترام الحريات وثمة 35 فصلاً يتيعن الاتفاق بشأنها مسبقاً.
من جانبه، أكد شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، أن انضمام أوكرانيا «مسألة صعبة»، مضيفاً أن هناك «وجهات نظر مختلفة لدى الدول الأعضاء». وفي أي حال، ثمة مسار معقد يبدأ بالنظر بـ«أهلية» الدولة الراغبة بأن تحوز صفة «دولة مرشحة للانضمام» قبل بدء التفاوض. وبينما رأت المصادر الرئاسية الفرنسية أن أوكرانيا «تقع في قلب أوروبا» وأن «خياراتها ديمقراطية» وأن لها الحق في تطلعاتها، فإنها حذّرت من أمرين: الأول أن المهم في الوقت الحاضر ليس الانضمام بل الوقوف إلى جانبها في مواجهة الهجوم الروسي، والآخر «عدم الإفراط في تقديم الوعود التي تصعب تلبيتها».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».