روسيا تعبت من كونها «الولد الطيب»

لماذا أطلق بوتين عمليته العسكرية في أوكرانيا؟ هل تعبت روسيا من كونها «الولد الطيب»؟ (إ.ب.أ)
لماذا أطلق بوتين عمليته العسكرية في أوكرانيا؟ هل تعبت روسيا من كونها «الولد الطيب»؟ (إ.ب.أ)
TT

روسيا تعبت من كونها «الولد الطيب»

لماذا أطلق بوتين عمليته العسكرية في أوكرانيا؟ هل تعبت روسيا من كونها «الولد الطيب»؟ (إ.ب.أ)
لماذا أطلق بوتين عمليته العسكرية في أوكرانيا؟ هل تعبت روسيا من كونها «الولد الطيب»؟ (إ.ب.أ)

عندما خاطب الرئيس فلاديمير بوتين الشعب الروسي والأوكرانيين، يوم الخميس الماضي، معلناً بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، تغلّب اليأس العميق على الكثير من الروس. هل أُصيب الرئيس بالجنون؟ قد تكون هذه الفكرة ترددت في أذهان كثيرين. ناهيك بفكرة أخرى، مفادها: «لقد تبين أنه مختلف تماماً عمّا كنا نظن». وقد يكون البعض ذهب إلى أن تلك الروح السلبية التي رسمت ملامحه لفترة طويلة في وسائل الإعلام الغربية قد تكون صحيحة.
اتضح أن زيلينسكي ليس مستقلاً...
لكن في اليوم التالي، بدأ الوضع يتغيّر في الرأي العام. بدأ الروس يفهمون منطق بوتين. واللافت هنا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يُطلق عليه في الغرب لقب «بطل المقاومة» في مواجهة روسيا، هو الذي ساعد الروس كثيراً في تلمس الحقيقة. ففي اليوم التالي بعد بدء العملية العسكرية أعلن زيلينسكي أنه مستعد للمفاوضات بشأن «حياد أوكرانيا»، أي حول إدخال التعديلات اللازمة في دستور أوكرانيا لتحديد قواعد السياسة الخارجية للبلاد، بما يستبعد نهائياً فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
وكان من الطبيعي أن يأتي الرد من جانب بوتين سريعاً ومحدداً: «نعم، بالطبع». إذ لا يخفى أن هذا كان المطلب الرئيسي لروسيا في المفاوضات مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الحلفاء الرئيسيين لأوكرانيا حالياً) منذ ديسمبر (كانون الأول). كانت الملفات المطروحة على الطاولة عدم تمدد «الناتو» شرقاً نحو أوكرانيا، وعدم نشر أسلحة وصواريخ نووية أميركية وبريطانية في هذا البلد. لكن الجواب من «الناتو» والولايات المتحدة ومن كييف كل تلك الفترة تميّز بالتعنت والرفض. والآن، بعد مرور يوم واحد على إطلاق العملية العسكرية الروسية، يَعِد زيلينسكي ببساطة بحل المشكلة: «ستكون أوكرانيا محايدة»!
شكّلت موسكو على الفور وفداً للتفاوض مع ممثلي زيلينسكي وأرسلته إلى بيلاروسيا، وهي منصة تقليدية للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا منذ عام 2015.
لكن زيلينسكي صمت فجأة، ولم يعد يرد على اتصالات قنوات الوساطة. بل اختفى لبعض الوقت، رغم أنه كان قد وعد الأوكرانيين في اليوم الأول للقتال، بالظهور مرة كل ساعة على الإنترنت والتعليق على الأحداث.
بعد ساعات من الإشارات الواعدة حول الاستعداد لالتزام الوضع المحايد، عاد زيلينسكي للظهور في بث على الهواء، لكنه كان محاطاً هذه المرة، بـ«مساعديه» الكارهين للروس والمعروفين بمعتقداتهم القومية الأوكرانية. وبعد ذلك لم يقل زيلينسكي أي شيء عن مبدأ الحياد. وفي اليوم التالي، قالت السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، جين ساكي، إن «الولايات المتحدة قدمت المساعدة في تأمين زيلينسكي».
أصبح كل شيء واضحاً للروس. زيلينسكي ليس مستقلاً. إنه ينفّذ إرادة «القيّمين عليه». القوميون الأوكرانيون و«المستشارون الأمنيون» الأميركيون. لجعله مستقلاً، كان يجب طرد هؤلاء القيّمين. وهذا لا يمكن القيام به إلا من القوات الروسية.
بعد ذلك، تم استئناف عمليات القوات الروسية في أوكرانيا بعدما أوقفها بوتين لعدة ساعات لتشجيع مسار المفاوضات. تم استئنافها بدعم أكبر من الشعب الروسي. وبعدما أدرك الروس أن بوتين «ليس مجنوناً». لكنه سياسي وجد نفسه مضطراً إلى السعي للحصول على اتفاق مع نظام عاجز عن اتخاذ قرار. لذلك كان لا بد من الحصول على الاتفاق عبر استخدام القوة.
من الصعب علينا أن نرى هذا
هل يصعب على الروس مراقبة كيف تسير الحرب في أوكرانيا؟ نعم، إنه أمر صعب للغاية. الأوكرانيون والبيلاروس هم أكثر الشعوب على وجه الأرض قرباً من الروس. وقد تحول معظم الأوكرانيين والبيلاروسيين إلى استخدام اللغة الروسية في القرنين التاسع عشر والعشرين. بطبيعة الحال، مع مرور أكثر من 400 عام من العيش المشترك في دولة واحدة، بات لدى الأوكرانيين والروس ملايين العائلات المختلطة. لقد أعاد الروس، مع الأوكرانيين، بناء أوكرانيا بعد الدمار الذي ألحقه الألمان بأوكرانيا ومناطق أخرى من الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية. وخلال عهد الاتحاد السوفياتي، كان الروس والأوكرانيون يعدّون أكثر الشعوب ولاءً وموثوقية، وتشكلت الكوادر القيادية للحزب الشيوعي السوفياتي والـ«كي جي بي» والجيش من الروس والأوكرانيين. (كان بريجنيف وخروتشوف من الروس الذين عاشوا معظم حياتهم في أوكرانيا، بينما كانت والدة غورباتشوف وجميع أقاربها من الأوكرانيين). على مدى عقود كثيرة من العيش معاً. اعتاد الروس على عدم وجود فوارق تميزهم عن الأوكرانيين.
لذلك، نحن بالطبع، نشعر بالخوف والأذى عندما نرى كيف يفجر الجنود الأوكرانيون الجسور، ويدمرون الطرق التي تعبرها القوات الروسية.
نشعر بالحزن الشديد لرؤية سكان كييف وهم يلجأون إلى مترو الأنفاق بسبب التفجيرات. لقد بنى الروس والأوكرانيون، معاً وعلى مدى سنوات طويلة، هذه الجسور والطرق، وهذا المترو.
لذلك، الوقت ليس في صالح روسيا. نحن بحاجة إلى إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن. ولذلك تحديداً، فإن وفد المفاوضين الروس ذهبوا إلى منطقة غوميل في بيلاروسيا لإجراء المحادثات مع المفاوضين الأوكرانيين.
لوكاشينكو أصبح حليفاً لروسيا بفضل الغرب...
لا توجد أسباب كثيرة للتفاؤل بالتوصل إلى توافقات في هذه المفاوضات. وافق زيلينسكي مرة أخرى على مفاوضات حول الوضع المحايد. هذه المرة جاءت الموافقة بعد محادثة هاتفية مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الحليف السابق لزيلينسكي، وحليف سلفه بيترو بوروشينكو. وحليف روسيا حالياً.
نعم، هكذا. فرئيس بيلاروسيا كان يدعم أوكرانيا، خلال السنوات الخمس الأولى من الحرب التي شنها الجيش الأوكراني ضد منطقة دونباس الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا. طوال الفترة من 2014 إلى 2020 قدّم لوكاشينكو أشكال الدعم للقيادة الأوكرانية. وكانت لديه لقاءات ودية للغاية مع الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، الذي بدأ بقصف دونباس عقاباً لهذه المنطقة لأنها رفضت الاعتراف بالانقلاب الذي وقع في فبراير (شباط) 2014 والذي أسفر عن إطاحة الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، المنتخب قانونياً في 2010، وهو بالمناسبة من منطقة دونباس.
وبسبب انتمائه إلى هذه المنطقة، فقد صنفته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لسنوات كثيرة على أنه «موالٍ لروسيا»، منذ ظهوره في السياسة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وحتى الانقلاب الدموي غير القانوني الذي أُطلقت عليه تسمية ثورة الميدان في 2013 - 2014.
اختلف لوكاشينكو مع أوكرانيا فقط في عام 2020 عندما أيّد زيلينسكي، بناءً على أوامر من الغرب، محاولة الإطاحة برئيس بيلاروسيا الذي هو بالفعل استبدادي (لا يشبه بوتين) من قوى المعارضة البيلاروسية الموالية للغرب والكارهة لروسيا. فشلت محاولة الانقلاب البيلاروسية، على الرغم من دعم أوكرانيا، وأصبح لوكاشينكو حليفاً قسرياً لروسيا التي قدمت لمينسك مساعدات مالية عاجلة في لحظة صعبة للغاية عام 2020.
بوتين الليبرالي السابق
الساعي لحلول وسط
ما الذي تعكسه حقيقة أن بوتين لم يسعَ للانتقام من لوكاشينكو، الذي خان روسيا لسنوات عدة، من خلال علاقاته الوثيقة مع نظامي بوروشنكو وزيلينسكي المعاديين لروسيا؟
الحقيقة أن بوتين بطبيعته سياسي قادر على إبرام صفقات، مستعد للمفاوضات وإيجاد التسويات الضرورية. لسنوات كثيرة في عهد بوتين، حاولت روسيا التفاوض مع الغرب -مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي- على أساس الحلول الوسط. في بداية حكم بوتين، دعمت روسيا الولايات المتحدة في قتالها ضد «طالبان» في أفغانستان في عام 2001، وفي عام 2003 أغلقت روسيا طواعيةً قواعد الحرب الباردة في فيتنام وكوبا. في عام 2004 عندما توسع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ليشمل الجمهوريات السوفياتية السابقة مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، بالإضافة إلى الدول الأكثر اكتظاظاً بالسكان في جنوب شرقي أوروبا (بلغاريا ورومانيا)، لم يكن لدى روسيا مقاومة كبيرة لهذا التوسع، على الرغم من أنها أدانته من حيث المبدأ، كونه يضع «خطوطاً فاصلة في أوروبا».
لكن كل هذه التنازلات لم تقابَل بامتنان من الغرب، بل على العكس من ذلك، أثارت فقط شهيته لتقليص حدود «وسادة الأمن» حول روسيا.
منذ خطاب ميونيخ في عام 2007 الذي أعرب فيه بوتين عن استياءٍ من توسع «الناتو»، أصبحت موسكو أكثر صراحة في مقاومة توسع «الناتو» من خلال الوسائل الدبلوماسية. لكن الغرب لم ينظر إلى هذه المقاومة على أنها قوة جادة، بل إن الغرب كان يبدو غاضباً أحياناً بسبب اعتراضات روسيا. حتى إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا في عام 2014 كان ينظر إليها من الغرب على أنها مجرد حدث عابر أو صعوبة مؤقتة، لا تعكس استعداداً جدياً للدفاع عن مصالح روسيا، بقدر ما تدل على حنين لدى بوتين لإعادة الروح إلى الاتحاد السوفياتي.
نهاية إجبارية للحلول الوسط
لماذا أطلق بوتين، الذي سعى لفترة طويلة إلى حلول وسط، مثل هذه العملية الحاسمة والحازمة في أوكرانيا؟ تخيّل مثل هذا النموذج النفسي: يأتي صبي (روسيا) إلى مدرسة جديدة (العالم الغربي الحديث) ترافقه سمعة سيئة منذ البداية. إما بسبب السلوك السيئ للوالدين (ستالين وبريجنيف)، وإما ببساطة بسبب غطرسة وعدوانية زملاء الدراسة الجدد. يحاول الصبي التفاوض وتكوين صداقات، لكنّ زملاءه في الفصل أنفسهم يعزلونه ويتنمرون عليه ويعلنون أنه «أحمق».
ماذا يبقى لدى الصبي؟ إنه يوجّه ضربة قوية إلى الجاني الأكثر شراسة. الجاني على وجه التحديد هو الأكثر إثارة للاشمئزاز والاحتقار، وليس بالضرورة أن يكون الأقوى.
في الواقع تُظهر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نوعاً من الاحتقار لأوكرانيا. وقد دلّ رفض الدول الغربية لإرسال قوات لمساعدة أوكرانيا في وقت مبكر على أن هذه الدول نفسها ما زالت تضع الأوكرانيين «على نفس المستوى» مع الروس. (في الشكل واللهجة فإن الروس والأوكرانيين أنفسهم بالكاد يميّز بعضهم بعضاً). وهذا هو بالضبط النظام الأوكراني الذي يتلقى ضربة في رأسه، لم يكن ليتوقعها.

ما نتيجة ضربة يوجهها فتى معزول تنمّر الجميع عليه؟ إحداث صدمة؟
يتساءل الأولاد الذين يضايقونه: ربما «الجديد» شرير حقاً، وقوي مثل والده بريجنيف وجده ستالين؟ ربما من الأفضل عدم مضايقته بعد الآن؟ إن عملية إعادة التفكير هذه هي التي تجري الآن في الغرب. بعد كل شيء، لسنوات كثيرة، وجّهت بولندا ودول البلطيق اتهامات متواصلة لروسيا بأنها تعد للهجوم عليها. لكن يبدو أن هذه البلدان في الواقع لم تكن خائفة من روسيا، بدليل أنها كانت تكيل الإهانات لبوتين. ربما تفكر حالياً بأن الأمر قد ينتهي بشكل سيئ من الآن فصاعداً.
يمكن لبوتين نفسه أن يذكّر محاوريه: عندما اقترحتُ نظاماً أمنياً جديداً في أوروبا، وعدتكم، بأننا إذا لم نتلقِ رداً على مطالبنا سوف نضطر إلى اللجوء لـ«رد عسكري - سياسي». لقد حصلتم عليه الآن.
* خبير سياسات،
المعلق السياسي في وكالة «روسيا سيغودنيا»



هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)
جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)
TT

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)
جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة على الجبهات.

كانت الدبابات ذات يوم ملكة المعارك، لكن انتشار الطائرات من دون طيار في أوكرانيا يعني أن هذه الآليات الكبيرة والصاخبة يمكن رصدها واستهدافها خلال دقائق.

ولهذا استخدمت عشرات الدبابات الغربية المتطورة بشكل محدود في المعركة التي كان من المفترض أن تكون عمادها، وتعمل الجيوش على إضافة تكنولوجيا جديدة للدبابات لتستطيع رصد وحماية نفسها من الطائرات من دون طيار، وتصبح أكثر قدرة على المناورة.

تغيرت تكتيكات المعارك بالفعل، ويتم دمج الدروس المستخلصة من حرب أوكرانيا في التدريبات العسكرية. وقال الجنرال جيمس رايني، الذي يرأس قيادة مستقبل الجيش الأميركي، التي تبحث في طرق تجهيز وتحويل الجيش: «على المدى القريب، يجب علينا أن نقوم ببعض التعديلات سريعاً للحفاظ على تشكيلاتنا المدرعة».

وتقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إن إعادة التفكير بخصوص الدبابات تعدّ علامة أخرى على كيفية تغيير الطائرات من دون طيار لشكل الحروب.

فالتكيف مع عصر الطائرات من دون طيار أمر حيوي للغاية إذا كانت الجيوش الغربية، التي تضع الدبابات في قلب استراتيجيتها للحرب البرية، تريد أن تحافظ على تفوقها في الحرب التقليدية.

لقد تكيفت الدبابات مع أعداء جدد من قبل، مثل الطائرات والصواريخ المضادة للدبابات.

وفي الأسابيع الأخيرة، ساعدت الدبابات القوات الأوكرانية على التقدم في منطقة كورسك الروسية، وهي منطقة شهدت معركة حاسمة بالحرب العالمية الثانية في عام 1943.

امرأة مدنية أوكرانية تحمل سلاحاً مضاداً للدبابات خلال تدريب عسكري (أ.ف.ب)

يظهر استخدام أوكرانيا للدبابات كيف أن هذه المركبة العسكرية، التي استخدمها الجيش البريطاني لأول مرة في عام 1916، لا يزال لها دور، رغم أن القوات الأوكرانية لم تواجه في هجوم كورسك إلا مجندين بتسليح خفيف ودون غطاء من الطائرات من دون طيار.

ورأى الجنود الأوكرانيون الذين يمتلكون أفضل الدبابات الغربية كيف تصبح هذه الدبابات عديمة الجدوى خلال ساعات. على سبيل المثال، عندما علم جنود الفوج الميكانيكي الأوكراني 47، العام الماضي، بأنهم سيتلقون دبابة «أبرامز» الأميركية، التي يبلغ سعر الواحدة منها 10 ملايين دولار، كانوا يأملون في أنهم سيتمكنون أخيراً من اختراق خطوط الدفاعات الروسية، لكن خلال زيارة في بداية الصيف، كانت دبابتهم تجلس بلا حراك مع 4 دبابات «أبرامز» أخرى بعيداً عن خطوط الجبهة.

ويشير فريق «أوريكس»، وهو فريق مستقل من المحللين الذين يتابعون الخسائر العسكرية، إلى أنه من بين 31 دبابة «أبرامز» أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، دمرت 6 دبابات، وفقاً لفريق «أوريكس»، أما الباقي فيستخدم بشكل محدود.

ويضيف «أوريكس»، وفقاً لـ«وول ستريت جورنال»، أن 12 من أصل 18 دبابة ألمانية من طراز «ليوبارد» تلقتها أوكرانيا قد دمرت أو عطبت، ويؤكد الفريق أن روسيا عانت من خسائر ثقيلة في الدبابات أيضاً.

وقال سائق أوكراني لإحدى دبابات «أبرامز» واسمه الرمزي «سميليك»: «بمجرد أن تبدأ في القيادة، ترصدك طائرة من دون طيار، ثم تُستهدف بالمدفعية أو الصواريخ المضادة للدبابات أو بالطائرات المسيرة، أو القنابل الجوية الموجهة».

في بداية الحرب، كان القادة غالباً ما يخفون دباباتهم ومركباتهم المدرعة الأخرى في خنادق وتمويهها، ثم يظهرون لإطلاق النار عندما يدخل العدو في المدى المؤثر.

جنود أوكرانيون يقودون دبابة على طريق بالقرب من الحدود مع روسيا في منطقة سومي بأوكرانيا في 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

ويضيف الرقيب ليوبومير ستاخيف: «الآن، كل شيء مراقب، ولم يعد بإمكانك حتى حفر خندق للاختباء».

ويقول أنطون هافريش، قائد سرية دبابات مجهزة بدبابات «ليوبارد»، إن مهارة قائد الدبابة كانت تُحدد سابقاً بقدراته في مواجهة دبابات العدو وحماية المشاة، لكن الآن أصبح الأمر يتعلق بالقدرة على إطلاق النار ثم الانسحاب سريعاً.

وتعدل القوات الأوكرانية دباباتها لحمايتها من الطائرات المسيرة، فتبني طواقم الدبابات أقفاصاً حديدية حول برج الدبابة.

والدبابات أكثر عرضة لخطر الطائرات المسيرة مقارنة بالمركبات المدرعة الأخرى، بسبب حجمها وأبراجها الكبيرة، خصوصاً أن الجزء العلوي من البرج يكون تدريعه خفيفاً. كما أن مدفع الدبابة غير مناسب لإسقاط الطائرات المسيرة، وعادة ما تحمل المركبات من 30 إلى 40 قذيفة.

جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)

تهديد جديد

تمثل الطائرات المسيرة تهديداً جديداً أرخص تكلفة من أعداء الدبابات التقليديين؛ مثل الطائرات أو الصواريخ المضادة للدبابات، حيث يمكن للطائرات المسيرة المخصصة للمراقبة أن تساعد الأسلحة التقليدية في استهداف تشكيلات الدبابات بشكل أفضل.

ويرى العقيد يوهانا سكيتا، قائد لواء دبابات فنلندي، أن «هذا المزيج (من طائرات المراقبة والأسلحة التقليدية) هو ما يجعلها تهديداً كبيراً للدبابة».

وتابع سكيتا: «كثرة استخدام الطائرات المسيرة أدت لزيادة التركيز في التدريب على ضرورة الحركة المستمرة، فلا يمكنك ترك الدبابات في منطقة مفتوحة ولو للحظة واحدة. كلما توقفت الحركة، يجب أن تكون تحت الأشجار، أو أن تجد مخبأً».

جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

في الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى معادن أخف وزناً لدباباتها لزيادة قدرة الدبابة على المناورة. وكذلك تقليل بصمتها الإلكترونية عن طريق استخدام مواد طلاء جديدة، فيصبح من الصعب كشفها.

وتضع الولايات المتحدة وحلفاؤها تدابير مضادة جديدة في كثير من دباباتهم؛ مثل النظام الإسرائيلي «القبضة الحديدية» الذي يطلق قنابل صغيرة عند اكتشاف تهديدات من الجو.

وأصبحت أجهزة الحرب الإلكترونية، التي تعطل الإشارات الموجهة للطائرات من دون طيار، مما يجعلها غير فعالة تقريباً، ضرورية للدبابات.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقف بجانب مسيرة إيرانية من طراز «شاهد» في 27 أكتوبر 2022 (أرشيفية - الرئاسة الأوكرانية)

ويقول مسؤولون أميركيون إنه إذا دخلت الولايات المتحدة نزاعاً، فإنها ستستخدم تركيبة من الدبابات والطائرات وأنظمة الدفاع الجوي لتوفير حماية أكبر، بطريقة لم تتمكن أوكرانيا من تنفيذها.

ويعتقد بعض الضباط الكبار في الجيش الأميركي، وفقاً لـ«وول ستريت جورنال»، أن الجيش استثمر بشكل كبير في الدبابات. بينما تخلى مشاة البحرية الأميركية عن دباباتهم العاملة منذ 4 سنوات كجزء من إعادة هيكلة هدفها جعل المنظمة أكثر مرونة.

دبابة «أبرامز» أميركية خلال معرض دفاعي في أستراليا (إ.ب.أ)

ويعتقد اللفتنانت جنرال كيفن أدميرال، الذي يقود فرقة الجيش الأميركي المدرعة الثالثة في فورت كافازوس بتكساس، أنه «في النزاعات حيث يمتلك الخصوم مركبات مدرعة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى الدبابات لإحداث تأثير الصدمة والاختراق والتمكين بسرعة».

ويقول جندي أوكراني اسمه الرمزي «بيرشيك»: «الشهر الماضي، دخل فصيل من الجنود الأوكرانيين قرية في منطقة كورسك الروسية قبل أن يضطروا للانسحاب بسبب النيران المضادة، ثم جاءت دبابة دعم وقصفت موقع العدو، وانتهى الأمر».