الحزب الحاكم في موريتانيا يستبق التشاور مع المعارضة بـ«إصلاحات»

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (رويترز)
الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (رويترز)
TT

الحزب الحاكم في موريتانيا يستبق التشاور مع المعارضة بـ«إصلاحات»

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (رويترز)
الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (رويترز)

عقد حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الحاكم في موريتانيا مؤتمراً لمجلسه الوطني، هو الأول منذ بداية جائحة «كوفيد 19». وكان فرصة لإجراء بعض الإصلاحات، وترتيب البيت الداخلي للحزب السياسي الأكبر في البلاد، استعداداً للتشاور الذي سيجري مع المعارضة في غضون أسابيع، وتحضيراً أيضاً لانتخابات تشريعية ومحلية وجهوية ستنظم العام المقبل.
وقال رئيس الحزب، سيدي محمد ولد الطالب أعمر، خلال مؤتمر صحافي عقب اختتام المؤتمر، أول من أمس، إن المؤتمر الوطني كان «ناجحاً» على المستويات كافة، من خلال تفعيل الهيئات الحزبية، سعياً نحو تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بعد مرور عامين على انتخابه رئيساً للبلاد.
وأضاف رئيس الحزب أن من أهم نتائج المؤتمر تفعيل لجنة الحكماء ولجنة المصالحة والتحكيم، وهما لجنتان كانتا موجودتين ضمن النصوص المنظمة للحزب، لكن لم يسبق أن جرى تفعيلهما منذ تأسيس الحزب عام 2009. وقد عيّن المجلس الوطني للحزب أعضاء اللجنتين، كما صادق على تعيين 3 أعضاء جدد للمكتب التنفيذي.
وناقش المجلس الوطني للحزب طيلة 3 أيام وضعية الحزب في جلسات مغلقة وورشات خاصة، أسفرت عن توصيات ركزت على موقف الحزب من الوضع السياسي، وكيفية تعامله مع التشاور المقبل، بالإضافة إلى تسوية الخلافات وتوحيد الجبهة داخل الحزب، قبل الجلوس إلى طاولة التشاور مع المعارضة.
وقال رئيس الحزب إنهم بذلوا «جهوداً كبيرة» من أجل تنظيم تشاور وطني شامل، من خلال «تهدئة الساحة السياسية، وإشراك الجميع في صناعة مستقبل بلدهم»، على حدّ تعبير رئيس الحزب، الذي كان يتحدث أمام الصحافيين، مضيفاً أن النقاش كان يهدف إلى «تعزيز الحرية داخل الحزب، وتبادل وجهات النظر لرفع أدائه، وتعزيز وعي مناضلينا بضرورة التفاعل مع التغيرات الجذرية التي يشهدها البلد». وجرت النقاشات ضمن 4 ورشات حول الجانب السياسي، والحكامة الرشيدة وحصيلة الإنجازات، والإنصاف وردّ الحقوق لأصحابها، وعلق رئيس الحزب على هذه الورشات بالقول إن «دورتنا هذه حققت كل الأهداف المرسومة لها سلفاً، من تعزيز ثقافة الحوار داخل الهيئات الحزبية، وحمل همّ كل المواطنين»، وفق تعبيره.
كما تطرق الحزب أيضاً للتحديات التي تواجه موريتانيا، خاصة ما يتعلق بالوضع المضطرب في منطقة الساحل، وموجة الانقلابات العسكرية التي تجتاح غرب أفريقيا. وفي هذا السياق، دعا رئيس الحزب إلى «الوقوف في وجه كل المتربصين بوحدتنا الوطنية».
ويهيمن «الاتحاد من أجل الجمهورية» على نحو ثلثي مقاعد البرلمان الموريتاني، البالغ عددها 157 مقعداً، ما يمكّنه من تشكيل الحكومة بشكل مريح، لكنه يتحالف في ذلك مع أحزاب سياسية أخرى داعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. لكن الحزب واجه خلال العامين الأخيرين أزمة بسبب الخلاف الدائر بين الرئيس الحالي وسلفه محمد ولد عبد العزيز، إذ إن ولد عبد العزيز الذي أسس الحزب عام 2009 حاول بعد مغادرته السلطة عام 2019 أن يواصل التحكم في الحزب، غير أن موالاة الرئيس الجديد رفضت ذلك، لتندلع أزمة عرفها الموريتانيون باسم «أزمة المرجعية». وهي الأزمة التي أسفرت في النهاية عن خروج ولد عبد العزيز من الحزب، بعد 10 سنوات من التحكم فيه، واللجوء إلى أحزاب سياسية أخرى لممارسة السياسة، والتعبير عن مواقفه المعارضة للحكم الحالي، لكنه يواجه اتهامات بالفساد، وغسل الأموال والإثراء غير المشروع، ويخضع منذ نحو عام للمراقبة القضائية المشددة، منها 6 أشهر قضاها في السجن. ويدعم الحزب الحاكم المسار القضائي المتخذ ضدّ ولد عبد العزيز، وهو الذي ترأسه لعدة أشهر عام 2009، قبل أن يستقيل من رئاسته حين وصل إلى الحكم في انتخابات رئاسية منتصف نفس العام، إذ يمنع دستور البلاد على رئيس الجمهورية أن يرأس، أو يتولى، أي منصب قيادي في أي حزب سياسي. لكن الحزب ظل هو الذراع السياسية القوية لولد عبد العزيز طيلة حكمه (2009 – 2019)، قبل أن يتخلى عنه بعد 6 أشهر من مغادرته للسلطة، في أزمة عصفت بالحزب، وأثارت انقسامات داخل صفوفه، يحاول اليوم ترميمها استعداداً للتشاور والانتخابات المرتقبة العام المقبل.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.